يحتار القلم، ويعجز الكلم حين أبدأ بالكتابة عن شهدائنا الأبرار، أولئك الأحياء الذين تحوم أرواحهم الطاهرة بيننا كنسائم تنعشنا عذوبتها، دعونا نترحل مع شهيدنا العظيم، ونتعرف عليه أكثر، وذلك من خلال أسرته الذين تحدثت عنه أروع الحديث الذي يليق بعظمته -عليه السلام.. الشهيد زيد عبدالله شرف المتوكل حرر نفسه من حب الحياة فآثر حب الله على كل هوى فمضى في سبيل الله بكل شجاعة واستبسال ، وجعل من نفسه شمعة تحترق ليحيا الآخرون، ومن عظامه جسراً ليعبر الآخرون إلى الحرية والكرامة، فهنيئاً لك الشهادة يا زيد. تحدثت والدة الشهيد زيد عن الدافع الذي حفَّز الشهيد للجهاد في سبيل الله قائلة : حميته وغيرته على وطنه وعلى أبناء وطنه، فمن المستحيل أن تأتي هذه الظروف والشدة على الوطن ولا يكون مع المجاهدين المدافعين عن الدين والوطن والعرض، انطلق ابني الشهيد للجهاد من بعد ما شاهد الأحداث التي حدثت في صعدة من حروب ست بشعة هزت مشاعره وجعلته ينطلق بكل حماس وشجاعة. ثم واصلت والدة الشهيد حديثها عن أبرز صفات الشهيد فقالت: عندما أتحدث عن هذا الرجل العظيم أعجز عن وصفه دون مجاملة أو مبالغة فقد كنت أرى فيه الإيثار حتى على حساب نفسه، وكان الطيب والحنون وصاحب الابتسامة التي لا تغادر ملامحه حتى في أصعب المواقف وكان يتحمل مسؤولية الجميع حتى من هم أكبر منه وبالأخص أنا والدته بكل سخاء وإخلاص، وكان مرحاً وقريباً من الجميع ، ماذا أقول فيه فكل الكلام لن يوفيه حقه، أنه رجل جمعت فيه كل معاني الأخلاق والإحسان. كما واصلت والدة الشهيد حديثها عن آخر محطات الشهيد معهم فقالت: آخر المحطات مع ابني الشهيد كان كعادته عندما يأتي لزيارتنا ونجلس ونستمتع بالحديث معه ولا نريده أن يرحل؛ بسبب روحه اللطيفة المرحة وتغييره لأجواء البيت، إلا أنه في آخر زيارته لنا قال لي إنه يريد أن يبحث له عن بيت حتى يتزوج فرفضت وقلت له لا اجلس معانا مثل بقية إخوتك فقال :إن البيت لم يسعنا فقلت له: إن هناك غرفة ستكفيك وهي فترة بسيطة وكل واحد منكم عندما يكون له أولاد سيخرج في بيت وحده، وكأنه كان يحس أنه سيأتي عريساً، وفعلاً من بعدها عاد عريساً زُفَّ بالزغاريد إلى النعيم الأبدي وكأنه عُرس ملائكي مهيب، لقد استشهد -سلام الله عليه- في عسير يوم الخميس بتاريخ30 /8/2018 إثر إصابته بقناصة الأعداء المرتزقة بعد أن نكَّل بهم أشد التنكيل واقتحم هو ورفاقه ثلاثة مواقع للعدو في منفذ علب، وقد استقبلت خبر استشهاده بالرضا وعدم الاستغراب فقد كنت أتوقع هذا وبالأخص أن أخاه الذي قبله مجاهد في الجبهات وتوقعت له الشهادة في أي لحظة، ولكن عندما عرفت أنه زيد الذي استشهد لم أحزن، صحيح أن فراقه صعب ولكني فرحة له بنيل هذه المكانة العظيمة، وأنه نال ما كان يتمناه وفاز بالشيء الذي يستحقه فكان هذا جزاء لصبره على المصاعب وتحمله للأعباء الثقيلة ، وكنت أتوقع أن الله سيجازيه خير الجزاء لطاعته العظيمة لله ثم لوالديه. ثم واصلت والدة الشهيد حديثها عن الشهيد زيد قائلة: لم يكتب لنا الشهيد أي وصايا مكتوبة؛ لأنه كان لا يظهر شيئاً في نفسه إلا إذا كان شيئاً ذا أهمية بالغة، ولكن كل أفعاله وأقواله بالنسبة لنا هي وصايا بحد ذاتها نتعلم منها ونسير على خطاه ودربه، فمن واجبنا وواجب المجتمع التحرك والبذل الجاد الذي يرضي الله، فعلينا أن لا نبخل بأبنائنا وأنفسنا فهذا هو أقل الواجب الذي نبذله تجاه هذا العدوان الغاشم، فعلينا جميعاً الاقتداء بالإمام علي -كرم الله وجهه- والحسن والحسين -عليهم السلام- وكيف كانوا ثورة أمام كل طاغية وظالم. ثم قدمت والدة الشهيد رسالة إلى الجهات المعنية برعاية أسر الشهداء قائلة: رسالتي للجهات المعنية أن يهتموا بأسر الشهداء وأن لا يفرطوا في دماء الشهداء وتضحياتهم. وكانت لوالدة الشهيد كلمة أخيرة هي: أنصح الشباب الذين لم يلتحقوا بركاب المجاهدين ولم ينطلقوا، عليهم أن لا يقصروا أو يضيعوا أوقاتهم في ما يضرهم ولا ينفعهم؛ لأن هذا اختبار من الله ومدته قصيرة وسيندمون أشد الندم فيما أضاعوه، كذلك على الأمهات الدفع بأولادهن للجبهات؛ لأن في هذا العزة والكرامة لهن في الدنيا والآخرة، أسأل الله تعالى النصر العاجل على العدوان، وتوحيد الصف الداخلي، والرحمة والغفران للشهداء، والشفاء للجرحى.