# ومنذ اختزلت قريش الحكم في المنتمين إليها وإلى عصبيتها واستبعدت الأنصار اليمنيين من هذا الأمر في اجتماع رموزها الشهير بسقيفة بني ساعدة بيثرب (المدينةالمنورة) في يوم وفاة الرسول الكريم وإنتقاله إلى الرفيق الأعلى ارست قريش بذلك مايعرف اصطلاحا بإسم - الإستبداد السياسي - الذي تعاني منه الأمة وإلى اليوم بما يترتب عليه من آثار سلبية كثيرة تلقي بظلالها القاتمة على أبنائها في كل بلد عربي واسلامي. وبمبايعة أبو بكر الصديق رضي الله عنه أول الخلفاء الراشدين خليفة للمسلمين ووليا لأمرهم واستبعاد مرشح الأنصار اليثربيين من أوس وخزرج لهذا المنصب بدأت مرحلة جديدة من الصراع والتنازع على الحكم وإن كان في البداية بشكل خفي وضيق ومحدود ومنحصر في زمانه ومكانه إلا أنه في مراحل لاحقة ظهر للعلن واتخذ اشكالا وصورا عدة واتسعت دائرته ونطاقه ليشمل الكثيرين من أبناء الأمة الذين تورطوا بشكل مباشر وغير مباشر في ذلك الصراع المحتدم على الجاه والنفوذ والسيادة مدفوعين بأسباب كثيرة ومتنوعة بينها شوائب وترسبات الماضي وطبيعة تركيبة العربي العصبية . وقد وصل هذا الصراع والتنازع على الأمر بين المسلمين لاسيما داخل البيت القزشي نفسه ذروته ومنتهاه في عهد ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان الأموي القرشي وأخذ هذا الصراع والخلاف بين المسلمين آنذاك منحى خطيرا بوصوله إلى قتل الخليفة عثمان وتصفيته اغتيالا على ايدي مجموعة من الساخطين والمتذمرين ممن قدموا إلى المدينة ليشكون لعثمان بن عفان رضي الله عنه مظالم ومفاسد ومساوئ بعض الولاة . وقد أعلن هؤلاء صراحة الثورة والتمرد والخروج على الخليفة الراشد عثمان بعد ان شعروا انه لم ينالوا الإنصاف منه وتردده في البداية عن عزل ومحاسبة الولاة الظلمة الذين تقدموا إليه من قبل بالشكوى مما صدر منهم وبدر ظلما بحقهم . ونتيجة الصراعات الداخلية التي كانت تنخر داخل نظام الخلافة على خلافة عثمان الذي كان آنذاك في مرحلة متقدمة من السن وطاعن في السن لم يعد يستوعب كثيرا مايجري ويدور خارج الحجاز ونجد كان من الطبيعي ان تظهر وتتنامى مراكز وأجنحة قوى طامحة وطامعة بالحكم داخل جهاز الخلافة الراشدة نفسه يساعدهم في ذلك ويشجعهم الإختلالات التي بدأت تطال الوضع العام في دولة الخلافة الإسلامية. وبإتساق روايات تاريخية مختلفة فإن جناح مروان بن الحكم الأموي الذي كان وزيرا لعثمان ومستشارا له من أبرز وأهم تلك الأجنحة ومراكز القوى والنفوذ في تلك الفترة وأكثرها الحاحا لطلب الحكم وتولي امر المسلمين يليها جناح معاوية بن أبي سفيان الأموي أيضا وفريقه الذي كان اسبق واسرع لإستغلال ظروف تلك المرحلة وتعقيداتها حيث استغل حادثة مقتل عثمان بن عفان اسوأ استغلال وكانت وسيلته للوصول إلى كرسي الخلافة كما هو معروف للجميع . فما إن جرى اجماع الصحابة رضوان الله عليهم من مهاجرين وأنصار بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان في داره بالمدينة على ايدي مجموعة من الدهماء والغوغاء الساخطين عليه على ضرورة تجاوز هذا الظرف العصيب وبعد مشاورات بينهم قرروا بالإجماع مبايعة الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه خليفة للمسلمين خلفا للمغدور به عثمان بن عفان حتى انبرى معاوية بن أبي سفيان أحد الطلقاء الذين أمنهم الرسول الكريم بعد فتح مكة في تلك الآونة التي أعقبت مقتل عثمان شاقا لعصا الطاعة ومعلنا العصيان والخروج على خليفة المسلمين الجديد بل ومضى يؤلب الناس ويحرضهم على الخروج على خليفة المسلمين الجديد علي بن أبي طالب ويتهمه بإيواء قتلة عثمان بعد ان نصب نفسه وليا لدمه وحمل قميصه الذي قتل وهو يرتديه ليتخذ منه ذريعة وحجة للوصول إلى تحقيق مآربه المتمثلة في الإستيلاء على نظام الحكم وهو ماتم له فعلا بعد ذلك. ويبدوا ان ظروف تلك الفترة العصيبة من تاريخ المسلمين التي شهدت الفتنة الكبرى وما تخللها من احداث عاصفة منها اغتيال خليفة المسلمين وتصفيته جسديا وانقسام الصف الإسلامي قد خدمت معاوية كثيرا في تحقيق اهدافه في الوصول إلى الحكم وزعزعة الأوضاع وسحب البساط من تحت اقدام منافسه وعدوه اللدود علي بن أبي طالب. ومضت الأحداث العاصفة بالأمة آنذاك قدما لتصل إلى غايات من وجهوها واستغلوها بذكاء ودهاء ومكر وحيلة وفي وسط تلك المعمعة وأثنائها تظهر كفة معاوية وفريقه الأرجح في ميزان الصراع والقوى المختل بين فريقين متنازعين احدهما طلب امرا لم يكن اهلا له ولا خليقا به وهو معاوية والفريق الآخر فريق الإمام علي بن أبي تلاشت فرصته في البقاء والحفاظ على مابيده من امر للمسلمين برغم مايمثله من أهلية ومشروعية ويجسده من مبادئ ومثالية ظل متمسكا ومتشبثا بها حتى النهاية غير مهادن ولا مساوم ولا مفرط ولا متماهي مع يراه ويقتنع بأنه باطل زائف. وإن كان لفريق علي بن أبي طالب الغلبة العسكرية والدينية والأخلاقية على خصمه ومنافسه في جولات ومعتركات الصراع التي خاضها ضده في عدة وقعات ومواجهات مباشرة بينهما منها وقعة صفين إلا أن مؤشرات كثيرة كانت تشير وتؤكد حينها انتهاء ذلك الصراع والتنازع على الأمر الذي تغلف بغلافات عصبية ودينية وسياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية لصالح معاوية وفريقه الذي بذل لهذا الأمر بذله وسعى سعيه حثيثا لنيله على ذلك النحو والصورة والشكل المعروف للجميع وطبقا لما اوردته مصادر التاريخية المختلفة حول هذا الشأن وذكرت الكثير من تفاصيله وخفاياه لتؤكد استمرار صراع جدلي كهذا واستمرار احتدامه وبقاء جبهاته وأبوابه ونوافذه مشرعة ومفتوحة على كافة الإحتمالات والمآلات حتى اليوم وما بعد اليوم !!.. ******* يتبع *******