قِفِيْ يا نفسُ والتزميْ بآداب التجادُلْ فقد لا تظفرينَ –عِمِلْتِ أم لَمْ تعْمليْ بالنُّصحِ– حتى بالتعادُلْ فساحاتُ الجدال شبيهةٌ جدًّا بساحاتِ التقاتُلْ وبينهما وبينَ رُحاهما بعضُ التداخُلْ وأنتِ برُغم طولِ العُمْر-يا محظيَّتي- ما زلتِ في طورِ التعلُّمْ وهذا يقتضي منكِ التروِّيَ -ما استطعتِهِ- في التكلُّمْ فكم من أنفسٍ لا تستطيعُ الاصطبارَ على التألُّمْ فهلَّا عِفتِ –يا نفسي- مُعاقرةَ الخِطابِ الفَجْ كما أقلعتُ عمَّا كان لي من منطقٍ أعرجْ؟ فما أحراكِ بالإقلاعِ عن ثالوثِ إقصاءٍ وتهميشٍ ومحوِ! فليس لوضعنا غيرُ التخلِّي –جُملةً- عن ذلكَ الثالوثِ من مخرجْ وما أحراكِ باستنهاضِ ما أضحى من المَلكات تحتَ رُكامِ نسيانٍ وسهوِ وما أحرى ذوِي الألبابِ باستغرابِ ما قد باتَ فيهِ القومُ من لعِبٍ ولهوِ فهيَّا دونما تأخيرْ بعيدًا عن سياسةِ ساسةٍ ساسوا البلادَ وأهلَها بالغشِ والتزويرْ وما زالت بقاياهم تُحكِّمُ منطقَ التغريرِ والتبريرْ فهيَّا قبل أن تلقيْ من التقريعِ ألوانًا مكافأةً على إفراطكِ المقصودِ في التقصيرْ هلمِّي وانبذيْ عقلية الإسرافِ في التنظيرْ لأني لم أزلْ أرجوكِ أن تتوجَّهي للتوِّ نحوي لتبقيْ دُرَّةً مكنونةً خلف الضلوعِ، فأنتِ أغلى ما ستحوي وتسري في شراييني مرورًا في شغافِ القلب في نومي وصحوي وإن لم تفعلي، سأعدُّ هذا الرفض إيذانًا بحربِ وما يدريكِ ما قد يصطليهِ الخصمُ حين أشنُّ حربي وما يدريكِ ما يلقاهُ من طعني وضربي فنُصحي أن تُقضِّيَ ما تبقَّى من سنينَ العُمْرِ –يا نفسي- بقُرْبِي لئلا أنزلنَّ عليكِ هجْوًا لا يُطاقُ فإن الشعرَ والشعراءَ ليس لهُم من الأخلاق –إن جُرِحُوا- خَلاقُ فلن تسطيعَ كبحَ جماحِ هجوي جثَّةٌ مسلوخةٌ ودمٌ مراقُ وهاكِ نموذجًا ممَّا أخصُّ به الأحبَّةَ –دون غيرهمُو- من الهَجْو الحَنونِ: لأنِّي –وافقهي معنى (لأنِّي)- أنا مَنْ لم أحُزْ ما حُزتُ يومًا بالتمنِّي أنا مَنْ بات إنجازي لدى صحبي فضاءً للتفاخُر والتغنِّي أنا لا أنتِ يا من لم تكوني كما لن تصبحي شيئًا لهُ معنًى بدوني أنا لا أنتِ – يا نفسُ – المفدَّى، فاحفظي سرَّ الأولى هلكوا لأجلي وافتدوني أنا لا أنتِ يا من لستِ مُدركةً لما قد يعتري (فصل الخطابْ) أنا لا أنتِ يا مَنْ تملكين لكلِّ مسألةٍ –ولو بالزور والبهتان– أكثرَ من جوابْ أنا لا أنتِ يا من لم تُراعي أيَّ عهدٍ للصِّحابْ أنا لا أنتِ يا من لم تؤمني حقًّا بأنك قد خُلقتِ من الترابْ أنا لا أنتِ يا من لستِ أهلاً للتجادُل والعتابْ أنا لا أنتِ فانتقبِي –بعكسِ تنقُّب الأنثى- بريشِ النسرِ من تحتِ النِّقابْ أنا لا أنتِ فالتحفي السَّحابْ أنا لا أنتِ فارتشفي السَّرابْ أنا لا أنتِ فافترشي الصَّحارى والهِضابْ وذوْبِي في مُعانقةِ الأفاعِي والسحالي والذُّبابْ ولا تتأفَّفِي أن تلعقي ما قد تراكمَ بين أشداقِ الفحولِ الهائجاتِ من الرِّضابْ أنا لا أنتِ يا مَنْ لم تفِي يومًا، ولم تتخلَّقِي –مُذْ عِبْتِ بِي- حتى بأخلاقِ الكلابْ أنا لا أنتِ يا مَنْ أتْقَنَتْ غدر الثعالب والذئابْ أنا لا أنتِ من لا زالَ –فعلاً- في الطليعةْ ويأنفُ أن يصنَّفَ ضمن من حُسبوا على الفئة الوضيعةْ أنا لا أنتِ من لا زالَ منفردًا يقاومْ ويأبَى أنْ يُداهِنَ في المبادئ أو يُسَاوِمْ ويُلحِق بالعدى -تبًّا لهم- أقسى الهزائمْ برُغْمِ سقوطِ قلعتِه المنيعةْ أنا لا أنتِ من لا زالَ يحتلُّ الصَّدَارةْ أنا لا أنتِ من نالَ احترامَ الأصدقاءِ مع الأعادي عن جدارةْ أنا وحدي الذي -من أجلِ أنْ أحيَا فتًى عفًّا– تجرَّعتُ المرارةْ وحسبُكِ أنني –بمبادئي- سأظل –دومًا- في جبينِ الدهرِ شارةْ