وما كُنتُ أحسبُ أن النظام السعودي سيمضي به غَيِهِ وبَغْيِهِ ومرُوقه عن الحق , قُدماً وتذهبُ به حماقاته وعدوانيته , وسوء مُنقلبه وغروره , وإستكباره بعيداً , ويزداد عُتُواً ونُفُورا , ويدفعه صلفه وعنجهيته وساديته لتدمير كل ماهو مُشيد ومعمور في اليمن ويقتل بدم بارد أبناء شعبه ويذبحهم ذبح النعاج بلا شفقة ولا رحمة , ضمن حربه العدوانية الظالمة التي يشنها بالتعاون مع حلفائه المشتركين معه في جريمة العدوان على اليمن واليمنيين , والتي دخلت عامها السابع , غير مُكترثٍ ولا آبه بما سببته هذه الحرب من كوارث ومآس كبرى تلقي بظلالها القاتمة على كل شيء هنا وستبقى شاهد عيان على جرائم ذلك النظام القمعي المتخلف ولن تسقط بالتقادم . ولم يك في الحُسبان أيضاً أن يُنفق نظام آل سعود وبكل سخاء مايربو على ال850 مليار دولار تقريباً على عدوانه وحربه الحالية على اليمن وكان الأحرى أن يُخصص منها مائة مليار دولار لحل مشاكل اليمن وتأمين حدوده الجنوبية وتجسيد التعاون والتكامل بين الأشقاء والجيران. ولم يكن أحد يتصور أو يتوقع على الإطلاق قبل سبع سنوات أن يأتي نظام آل سعود هذا, مستعيناً بمُرتزقة الأرض من عرب وأعاجم ويستهدف بلداً عربيا هو اليمن لاذنب لأبنائه إلا أن قالوا : ربنا الله جبار السموات والأرض ويعلنون ثورتهم التحررية وخروجهم عن عباءة الوصاية الخارجية عليهم وعلى بلدهم , والتي كانت المملكة أحد أطرافها وأضلاعها الرئيسة . بيد أن الرياض , لم تكن لترضى عن اليمن و اليمنيين إلا بإستمرار الوصاية عليهم والتدخل الفج في شؤونهم الداخلية وفرض املاءاتها عليهم كما أعتادت من قبل , وتصر على أن تبقى وصية عليهم , مُتدخلة في كل شأن من شؤونهم , والأخطر أن تبقى مصدر قلق وإشغال لهم وجزء من مشكلتهم التاريخية المُزمنة المستعصية على الحل . وبالعودة إلى موقع اليمن الإستراتيجي , فإن باب المندب يشكل أحد أضلع مايُسمى " المثلث الذهبي " إلى جانب مضيق هرمز ومضيق ملقا , وإن كان مضيق هرمز يحوز أهمية كبيرة لدوره في تدفق النفط إلى دول العالم , فإن باب المندب الذي لطالما كان من أبرز أسباب الصراع الذي عاشه اليمن عبر التاريخ , يمثل اليوم أيضاً واحداً من أهم عوامل النزاع , ولا سيما بالنظر إلى حجم القوات الدولية التي تم الدفع بها إلى المنطقة بحجة حماية خط الملاحة الدولي في هذا الممر , ومنطقة البحر الأحمر وخليج عدن . ومن المعلوم أن اليمن يُصنف على أنه دولة بحرية , حيث يمتلك هذا البلد شريط ساحلي بطول 2500 كيلو متر , يحيط به من الغرب والجنوب وعلى امتداده موانئ مهمة وعشرات المدن الساحلية والجزر الحيوية في بحري العرب والأحمر , وهو بذلك يشكل ممرا وجسر للتجارة الدولية بين الشرق والغرب . وكون اليمن يشرف على أهم الممرات المائية بين آسيا وأفريقيا وصولاً إلى أوروبا وأمريكا وحتى أستراليا فلا غرو ولا عجب أن يكون بهذا الموقع الإستراتيجي الهام الذي يتوسط العالم مقصد وهدف الغزاة والطامعين فيه عبر التاريخ . ولعل ما يشهده اليمن حالياً على أرض الواقع أعظم شاهد ودليل على مدى استهدافه من قبل القوى الإقليمية والدولية الطامعة فيه وفي خيراته وثرواته , ولأنهُ كما سبق وأشرنا يمتلك أهم موقع استراتيجي على مستوى العالم فقد ساقهُ القدر مع ذلك إلى أن يكون هو والأخطار المُحدقة به وجها لوجه , وفي مواجهة مستمرة لها , ولا يملك بلد كهذا خيار آخر إلا خيار المواجهة والتحدي والثبات في وجه تلك الأخطار والعمل على أن يدرأها عنه بشتى الصور والسبل وفي كل الأحوال والظروف , وإلا كان لقمةٌ سائغة لها ولمن يقفون ورائها . وما يُعرف اليوم بكيان " المملكة العربية السعودية " , وهي الدولة السعودية الوهابية الثالثة التي تأسست في عشرينيات القرن الماضي على أيدي الغرب ممثلاً بالاستعمار البريطاني البغيض , وبسطت سيطرتها ونفوذها على كل نجد والحجاز واقتطعت أجزاء أخرى من اليمن والدول العربية الأخرى المجاورة لتضمها لأراضيها , شأن هذه الدولة التوسعية والكيان الفوضوي السياسي الهجين شأن كل الغزاة والمحتلين الطامعين في أرض اليمن وخيراتها . ولم تكن السعودية تترك اليمن وشأنه دون أن تحشر أنفها في قضاياه وتنغمس في مشاكله وأزماته المتعاقبة وتكون حاضرة فيها بقوة , بدافع الأطماع فيه وحب التملك والسيطرة وفرض الوصاية على هذا البلد العربي الذي ابتلاه الله بجوار تلك المملكة الشريرة لتتآمر عليه وتقلق أمنه واستقراره وتحول بينه وبين تفرغ أبنائه لبنائه وتطويره والمضي به إلى مصاف الدول المتقدمة . وتصر السعودية دوماً وأبداً على أن تُقلق اليمن وتشغله وتلهيه بمشاكله وأزماته ولا ولن تسمح له بالتفرغ للبناء والتنمية والنهوض الشامل عملاً بوصية الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود الذي قيل إنه أوصى أولاده بقوله :" خيركم وشركم من اليمن". وقد عمل أبناء مُؤسس المملكة بوصية والدهم تلك وطبقوها بالحرف الواحد , بل وما زالوا حريصين على المضي قُدما في تنفيذ ما تضمنته حتى النهاية. وما الحرب السعودية الحالية على اليمن وحيلولة الرياض ورفضها السماح لليمن باستخراج واستغلال ثروته النفطية في أكثر من حقل ومنها وأهمها حقلي الجوف ومأرب إلا جزء لايتجزأ من وصية الملك السعودي المؤسس الهالك واستراتيجية مملكته ونظامها التآمري العميل للغرب . وليس أمام اليمن واليمنيين أمام خطر وتحدٍ حقيقي كهذا إلا المواجهة له بكل حزم وثبات , والدفاع عن حقهم في الحياة بعزة وحرية وكرامة , ولو كرهت السعودية ومن معها ذلك , ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله !. ..... يتبع .....