عدوان 2015 م ما هو الا امتداد لخطأ تاريخي قاتل عبر التاريخ اليمني السياسي والعسكري ينتج عنه تدمير وتمزيق اليمن إرضا و إنسانا ترتكبه قوى يمنية في صراعها فيما بينها لتستجدي احدهما بأطراف خارجية مشرعنه وجود ذلك المحتل . فالقائمة بتكرار ذلك الخطأ تطول منذ صراع سبأ وحمير بالتاريخ القديم مرورا بالتاريخ الوسيط والحديث باستدعاء الايوبيين والغزو المملوكي والعثماني وغيرهما من القوى الخارجية . وما حدث في حضرموت في الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي الا صورة أخرى لذلك الخطأ والذي يتكرر بوقتنا الحاضر دون الاستفادة من تجارب الماضي المؤلمة . صراعات مستمرة فمع خروج حضرموت عن سيطرة الدولة المركزية بصنعاء بمنتصف القرن السابع عشر وتكوين أمارات وسلطنات متعددة ومع احتلال الإنجليز لعدن في سنة 1839م بقت حضرموت خارجه عن نفوذ الاستعمار لكن بعوده العثمانيون الى شمال اليمن وسيطرتهم على موانئ وسواحل البحر الأحمر سنة 1849م ودخولهم صنعاء عام 1872م وتطلعهم نحو حضرموت كارث سياسي شعرت بريطانيا بالخطر الذي يتهددها بعدن . ومع احتدام الصراع وتصاعده وتسارعه في حضرموت بين قبائلها إدي ذلك إلى دخول السلطات الاستعمارية البريطانية مباشرة في حلبة الصراع بهدف استغلال تلك الحوادث لبسط نفوذها في حضرموت ولإبعاد أي تدخل في هذا النزاع من قبل أي دولة أجنبية خاصة الدولة العثمانية التي كانت تدعى سيادتها على جنوب الجزيرة العربية . فالصراع بين القعيطي والكسادي استغلت بريطانيا تهديد النقيب عمر الكسادي بطلب الحماية العثمانية وإعلان ولائه لهم . لتقوم بريطانيا بالوقوف الى جانب القعيطي فقد ابحرت قوات بريطانية من ميناء بومبي بحيدر اباد بالهند نحو حضرموت كما اشترى القعيطيون الأسلحة من عدن بموافقة بريطانية وامام هذه التعبئة القعيطية والدعم العسكري البريطاني لهم سيطروا على مدينة المكلا وغيرها من المناطق التابعة للكساديين ليسلم النقيب عمر الكسادي نفسه للبريطانيين ويخرج من المكلا في نوفمبر 1884م وبذلك سيطر القعيطي سيطرة مباشرة وكامله على سواحل حضرموت .فالموقف البريطاني لم يكن انحياز إلى القعيطي بقدر ما كان انحيازا للمصالحهم الاستعمارية . فإمكانيات السيطرة على القعيطي من قبل بريطانيا أفضل وذلك عن طريق الضغط عليه وممارسة سياسة (لوي الذراع) في املاكه في حيدر أباد بالهند فيما لو حاول التمرد والعصيان على السلطة البريطانية . معاهدة الوصاية شكل انتصار القعيطى على الكسادي في ساحل حضرموت ضربة موجهه للسلطنة الكثيري وأضحت كل مصالحها واتصالاتها الخارجية تحت رحمة السلطنة القعيطية ولا شك أن وراء هذا النصر القعيطى المؤازرة العسكرية البريطانية و بفضل هذه المؤازرة وتطبيقا للمصالح الاستعمارية سارعت السلطات البريطانية إلى تكبيل القعيطى بمعاهدة صداقة في مايو 1882م وبموجبها فرضت بريطانيا لنفسها الوصاية على الحكام القعيطيين وعلى ما تحت سيطرتهم من أراضي وموانئ . فمع استيلاء القعيطيون على المكلا شعر الكثيريين بالخطر وارادوا الهجوم على ميناء الشحر ليجدوا لهم رئة للتنفس التجاري مع العالم الخارجي وحتى لا يكونوا حبيسين دولة داخلية ستموت ببطيء سياسيا واقتصاديا لذلك وقبل اقدامهم على ذلك ارادوا جس نبض السلطات الاستعمارية في عدن فبعثوا سنة 1883م عبدالله بن صالح الكثيري لزيارة المقيم السياسي بعدن للتأكد من الموقف الذي ستتخذه الحكومة البريطانية في حالة هجوم آل الكثيري على حضرموت الساحل فجاء اليهم الرد في مارس 1884م حينما اسرت حكومة الهند للمقيم السياسي في عدن أن يحذر الكثيريين بأنها لن تنظر بعين الرضا لأي هجوم على الشحروالمكلا بل وعند الضرورة ستتدخل لمساعدة القعيطي . ولقد لقى التحذير البريطاني استجابة وخضوع من الكثيريين فانصرفوا مرغمين عن دق طبول الحرب وظلوا في حدود سلطتهم الصغيرة بحضرموت الداخل مما جعل القعيطي يتحكم في تجارتهم الخارجية وكذا في رعاياهم المسافرين عبر البحر بل وتطور الأمر أن منعهم من السفر أو من عودة المهاجرين من الكثيريين في المهجر إلى أهليهم . - فالتاريخ بأخطائه يعيد نفسه - . وبازدياد المنافسة الأوروبية على اقتسام افريقيا زادت مطامع بريطانيابحضرموت وذلك لقربهما من ميدان الصراع الاستعماري الأمر الذي دفع السلطات الاستعمارية إلى الإعلان عام 1886م عن مخطط للسيطرة الكلية على حضرموت والمهرة بل على جنوب الجزيرة العربية عن طريق اتفاقيات حماية مع القعيطي في عام 1888م وبموجبها تعهدت بريطانيا بحماية حكومة القعيطي وأن تمتنع القعيطي عن الدخول في مراسلات أو اتفاقيات مع أي دولة بدون معرفة وموافقة الحكومة البريطانية بذلك . حرب بالوكالة وكان الكثيريون يعلقون الآمال على الدولة العثمانية التي كانت لهم بها علاقات تاريخية كما كان بعض العلويين في الحجاز والأستانة يشجعون على ذلك . ولقد كانت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م فرصة للمتنازعين في حضرموت لتأكيد ولائهما فالقعيطي سارع إلى الأفصاح عن موقفه المؤيد للحكومة البريطانية في تلك الحرب في حين تحرك السلطان منصور بن غالب الكثيري لصالح الدولة العثمانية ورغم صراع القوى والأطراف الدولية لم يحدث اقتتال كبير خاصة من جانب الكثيريين لشعورهم أن الدولة العثمانية غير قادرة في تقديم مساعدة عسكرية لهم تجابه المساعدة المحتملة من بريطانيا للقعيطي فيما لو حاولوا مهاجمة القوات القعيطية في سواحل وموانئ حضرموت . ومما يؤكد ذلك الشعور الرسالة التي بعثها السلطان الكثيري عام 1916م إلى قائد الحملة العثمانية في لحج علي سعيد باشا جاء فيها : ( بأنهم أي الكثيريين ليس بهم جبن ولا فشل ولا عجز ولا كسل ولكنه مادام الساحل مهدد بإسطول الإنجليز فالحرب ليست من مصلحتنا ) وفي خضم ذلك فكرت الدولة القعيطية في اصدار جوازات سفر للمسافرين من أجل حضرموت لأضافه الصبغة الشرعية لهم وقد وافقت السلطات البريطانية على ذلك - إذ لم تكن هي من اوعزت للقطيعيين بالفكرة - واشترطت موافقتها باعتراف السلطة الكثيرية بالسيادة الغعلية في حضرموت وهذا ما رفضه الكثيريين . ونتيجة لذلك اشتدت الخصومة بينهم وتطورت الى مناوشات استمرت سنة كاملة وهي ما تعرف بحرب ( قسيل) ولم يستطع خلالها رعايا آل كثير السفر إلى الخارج أو قدوم المهاجرين إلى داخل حضرموت . واعتبرت هذه الحرب شكل مصغر لحروب القوى المتحالفة مع طرفي النزاع في الحرب العالمية الأولى لتأكيد الولاء والتضامن . - انها حرب الوكالات التي يمارسها اليمنييون طيلة تاريخهم السياسي والعسكري عبر التاريخ - . ولم تؤدي حرب قسيل إلى نتيجة حاسمة لطرفين فطلب من السلطات البريطانية في عدن أن تقوم بدور الوساطة لأستتباب الأمن في حضرموت - وكأن الإنجليز مبرؤون من كل ذلك ولم يكونوا هم السبب بما حل بحضرموت وأهلها - وخاصة وإن الحرب العالمية الأولى قد قاربت على الانتهاء لصالح الحلفاء . اتفاقية عدن تحرك الإنجليز في سياستهم الخاصة باليمن في ضوء التقارير السياسية التي قدمها الخبراء في عدن اثناء فترة الحرب العالمية الأولى وعقب نهايتها ويؤكد ذلك تقرير جاكوب المساعد الأول للمقيم السياسي الانجليزي أن لدى الإنجليز في عدن مجالا هاما للغاية على نشر النفوذ البريطاني في البحر الأحمر وخليج عدن متسائلا عن سبب عدم قيامهم بزيارة سواحل حضرموت خاصة وأن المنطقة دائما تحت انظار الأتراك والإمام يحيى في الفترة الأخيرة من المعارك في سنة 1915م كما ظهرت بوادر نشاط منهم هناك ولذلك يجب التصرف بسرعة من قبل السلطات الإنجليزية لإحكام سيطرتها على هذه المناطق وعدم خلق مشاكل جديدة ويرى جاكوب أن على الإنجليز تأكيد وجودهم في هذه المنطقة خاصة وأن الدلائل كلها تشير إلى وجود امكانيات تعدينية هائلة على ساحل حضرموت وخاصة النفط فضلا عن أهمية المكان تجاريا وهذه العوامل كلها يجب أن تدفع الإنجليز إلى التصرف السريع والعمل وإلا فات الوقت . وفي خضم تلك المنازعات والحرب التي اشعلها المحتل الإنجليزي في حضرموت بين القعيطي والكثيري وتماشيا مع سياستة (فرق تسد) وافق المقيم الإنجليزي ( ستيوارت) على التوسط وطلب من الطرفين المتنازعين أيقاف القتال وارسال ممثلين عنهما للتفاوض حول اتفاقية يقبلها الطرفين لأنهاء النزاع . وبعد اجتماعات بينهما في عدن والوسيط المحتل الإنجليزي الذي بدأ بالترغيب ثم بالتهديد وافق الجانبان على اتفاق بينهم والتي عرفت باتفاقية عدن 1918م ولقد كان الكثيري الطرف الأضعف فيها وبهذه المعاهدة تمكنت السلطات الاستعمارية من فرض حمايتها على كل حضرموت فبموجبها التزمت الدولة الكثيرية ضمنيا بمعاهدة الحماية المبرمة بين القعيطيين والبريطانيين لعام 1888م واعطت هذه المعاهدة الجديدة الحكومة البريطانية حق التدخل في حالة قيام أي خلاف بين السلطتين ومنحت هذه المعاهدة امتيازات واسعة للسلطنة القعيطية ورغم ذلك شعر الكثيريون بنوع من الأمتنان تجاه بريطانيا التي لم تفعل شيئا ضدهم رغم مواقفهم المعلنة ضدها اثناء الحرب العالمية الأولى . ولكن الحقيقة الثابتة في السياسة الاستعمارية البريطانية يكمن حيث توجد مصالحها الاستعمارية وتتجلى تلك المصالح في الأبقاء على تجزئه مناطق الجنوباليمني إرضا وإنسانا كسياسة استعمارية وعرقلتها لوجود حكومة مركزية قوية ذات مشروع وحدوي وطني تحرري .