من أمطار الصيف إلى غيوم الخريف ، يستمر العدوان الإسرائيلي على كافة الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، ويركز ضرباته الأساسية في قطاع غزة، التي يتعرض شماله وتحديداً مدينة بيت حانون، ومنذ آسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت ازدادت الضربات الإسرائيلية والهمجية ضد المدنيين حتى أن القصف استهدف الإنسان وكل ما يمس بصلة للإنسانية. وفي مجزرة بيت حانون التي وقعت الاسبوع الماضي كسرت قوات الاحتلال وتجاوزت كل الخطوط عن سابق تعمدٍ وإصرار، فهي بالإضافة إلى وسائلها وأساليبها المعهودة لا تتورع عن أن توجه نيرانها التدميرية للمساجد والمستشفيات والصحافيين، وكل ما يتحرك على الأرض، فيما تواصل تجميع الشبان والتنكيل بهم واقتياد الكثيرين منهم إلى جهاتٍ مجهولة داخل إسرائيل. قناصة وقوات خاصة وفي هذه الجولة استخدمت قوات الاحتلال قواتها الخاصة على نطاقٍ واسع، والقناصة المحترفين، لاصطياد الشباب والمقاومين من بين الأزقة، ومن داخل البيوت، وقامت بمنع دخول المواد التموينية والطبية، بل ووجهت نيران أسلحتها للطواقم الطبية والصحافيين، فيما تغلق كافة السبل على الجرائم البشعة التي تقوم بارتكابها دون توقف. حملة غيوم الخريف تزامنت مع حضور أفيغدور ليبرمان أول اجتماعٍ له في الحكومة، والذي أدلى في يومه الأول بتصريح يدعو فيه الجيش الإسرائيلي إلى التعامل مع الفلسطينيين كما يتعامل الروس مع الشيشان، وبعد ثلاثة أيام على ذلك أعلن أنه يجب على إسرائيل تطبيق النموذج القبرصي للفصل بين الفلسطينيين وإسرائيل، وهو يقصد بذلك الفصل الفلسطينيين المقيمين على أراضيهم في مناطق 1948. وعد بلفور والحملة العسكرية وتزامنت الحملة أيضاً مع الذكرى التاسعة والثمانين لوعد بلفور الذي صادف الثاني من تشرين الثاني الجاري، ربما لتؤكّد إصرار إسرائيل على مواصلة ما تسمّيه حرب الاستقلال التي تشمل كل أرض فلسطين التاريخية. وقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن سبب قيامها بشنّ هذه الحملة الشرسة مدعية أنه يتمثل في رغبتها بوقف إطلاق صواريخ القسام من القطاع ومن بيت حانون بالذات، لكنها تناست متعمدةً أنها تستهدف مواقع مدنية محضة. تجاوز عدد الشهداء خلال خمسة أيامٍ فقط الاثنين وخمسين شهيداً، بينما تجاوز عدد الجرحى المائتين والخمسين، ولكن أحداً لا يعرف كم عدد البيوت المدمرة، وكم عدد المعتقلين، وما هو حجم الدمار الذي تخلفه الحملة. اسطورة جديدة في المقاومة الفلسطينية وقد تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن المجزرة بإسهاب، فكتب المعلق العسكري لصحيفة هآرتس عاموس هرئيل على موقف النساء قائلاً: "إن المعارك في بيت حانون، ولا سيما الحصار الذي ضرب على مسجد النصر في البلدة، ستصبح أسطورة تأسيسية في الرواية الفلسطينية لتاريخ الانتفاضة الثانية؛ فعلى نحو يشبه المعركة في مخيم اللاجئين في جنين والحصار على كنيسة المهد في بيت لحم، سيستمع في السنوات القادمة الكثير من الأطفال في المناطق الفلسطينية عن عملية الإنقاذ الرائعة؛ وكيف أن عشرات النساء انطلقن نحو المسجد، وألبسنَ 60 مسلحاً اختبأوا فيه ملابس النساء وخمارهن، وهربّنهم من الحصار الإسرائيلي في ظل مسيرةٍ نسائية، إن هذه المقاطع الدراماتيكية ستجسّد في كتب التاريخ الطريقة التي تجنّد فيها السكان المدنيون لإنقاذ حُماتهم، وفي كل بحثٍ في دور المرأة الفلسطينية في الانتفاضة ستُذكر قصة المعركة كنموذجٍ على التجنّد في صالح الكفاح الوطني". لكن هرئيل أفاد أيضاً أن عمليةً كتلك، ومهما كانت كبيرة فإنها لن توقف انهمار صواريخ القسام على المستعمرات الإسرائيلية، حيث قال: "لم يسأل أحد لماذا عرّضت عشرات النساء حياتهن من أجل مجموعة نشطاء مسلحين، لها (مسؤولية مباشرة) عن الكارثة التي تحل هذه الأيام بسكان بيت حانون، ولكن المشكلة ليست فقط في الجانب الفلسطيني، بل في إسرائيل أيضاً يكاد لا يطرح هذا السؤال: ما هي الجدوى من هذه الحملة العسكرية؟ واضحٌ أن نار صواريخ القسام لن تتوقف، وفي أفضل الحالات ربما تتقلّص، وعدد القتلى الفلسطينيين في الحملة تجاوز الأربعين حتى الآن، ولكن (منظمات الإرهاب) لم تتراجع عن نواياها في مواصلة إطلاق نيران الصواريخ نحو سديروت". كما أشار هرئيل إلى احتمال أن تقوم القوات الإسرائيلية في غضون الأشهر القادمة بحملةٍ أخرى في حنوب القطاع لمكافحة أنفاق تهريب السلاح على حدّ زعمه: "إن القتل الكثير في بيت حانون، يكاد لا يسجل في الوعي الإسرائيلي، ورغم التهديد الملموس بنار القسام على سديروت، فإن القتل لا يقف في أي توازنٍ مع الخسائر في الجانب الإسرائيلي، ويحتمل أن تكون هذه المعطيات تقوّض هدف الجيش، الذي يسعى إلى إعداد التربة في غضون بضعة أشهر لحملةٍ أوسع بكثير، هذه المرة في جنوب القطاع ضدّ أنفاق تهريب السلاح في رفح". كما اعترف الكاتب بالأوضاع المتردية للفلسطينيين هناك؛ واعترفت بأن 30 ألفاً من سكان بيت حانون يقبعون تحت القصف الإسرائيلي الذي نادراً ما يتوقف وللحظات، في ظل قطع المياه عن المنطقة، حيث ادّعت الصحيفة أن قوات الجيش أصابت بالخطأ –على حد زعم الكاتب- صنابير المياه التي توصل المياه للسكان هناك، وبذلك بدأت مياه المجاري تتدفق داخل منازل الفلسطينيين بدل المياه النظيفة. من جهة أخرى أشار جدعون ليفي في صحيفة هآرتس إلى أن عملية الجيش الإسرائيلي لن تستطيع وقف صواريخ القسام بل على العكس زادت من حدتها، حيث قال: "الجيش الإسرائيلي يعمل في بيت حانون منذ عدة أيام وعملية "غيوم الخريف" تهدف كما يزعمون إلى ضرب قواعد إطلاق القسام، إلا أنها جلبت المزيد من القسام على سديروت إلى جانب القتل والدمار والرعب الذي يزرعه الجنود في قلب هذه البلدة ذات الثلاثين ألف نسمة". وانتقد ليفي ما تقوم به القوات الإسرائيلية في بيت حانون قائلاً: "البلدة تشتعل؛ هناك حمام دماء في بيت حانون والجيش الإسرائيلي يعربد ويقتل 37 شخصاً على الأقل خلال أربعة أيام، والرأي العام الإسرائيلي يتثاءب لامبالياً، قائد كتيبة قام جنوده بقتل 12 شخصاً في يوم واحد؛ فيقول لهم: "لقد فزتم ب 12: صفر"، والجنود يبتسمون ابتسامةً كبيرة، هذا هو الحضيض الأخلاقي الذي هبطنا إليه الآن بعد تدهورٍ طويل في منزلق سحيق.. حياة الناس أصبحت رخيصة في نظرنا". كما انتقد ليفي صمت الإعلام الإسرائيلي عن هذه الجرائم فيقول: "كيف تغطي الصحافة الإسرائيلية "غيوم الخريف"؟ يمكنك أن تجد فقط في معاريف الصادرة يوم الخميس خبراً صغيراً عابراً حول قتل عشرة فلسطينيين في يوم واحد، أما يديعوت أحرونوت فلم تتصرف بصورةٍ مغايرة، الصحيفتين الكبريين في البلاد تُظهران نهجاً ينزع الشرعية بصورة مثيرة للفزع والقشعريرة، كما أن قول المحلل العسكري ل يديعوت أحرونوت أليكس فيشمان بأن أحد أهداف العملية العسكرية هو تدريب القوات استعداداً للعملية الموسعة الكبرى، لم يُثر هنا أي احتجاجٍ هو الآخر، الجيش الإسرائيلي يخرج في "عملية تدريبية" في منطقةٍ مأهولة في قلب بلدةٍ مكتظة بالسكان زارعاً القتل والدمار، أو ليس هذا تبخيساً مخيفاً بحياة بني البشر؟" ويقول ليفي منتقداً صمت المستويات الإسرائيلية على هذه الأفعال وعدم التحقيق في مجرياتها، ومشيراً إلى قول رئيس شعبة القوى البشرية، الجنرال يوآف شتيرن في لقاء مع القناة الإسرائيلية السابعة: "الحساسية الزائدة لحياة الناس تسببت في جزء من الإخفاقات العسكرية في لبنان"، إن أقوال الجنرال تلك كانت مصابة بالنفاق والمداهنة؛ فمن يقتل خلال عدة أشهر أكثر من ألف لبناني، و300 فلسطيني لا يملك حق التحدث عن الحساسية لحياة بني البشر، حقيقة إن الاحتجاج ضدّ الحرب لم يجد أصداءً ملائمةً تبرهن على أننا قد فقدنا الحساسية لحياة الآخرين بصورة نهائية، نحن نبدأ في فقدان الحساسية تدريجياً لحياة أبنائنا الذين يُقتلون عبثاً، رُخص حياة الناس يبدأ بالعرب وينتهي بحياة اليهود.. أي طريقٍ طويلة اجتزنا منذ الشعارات المنافقة حول "طهارة السلاح" إلى أن زال هذا الشعار تماماً من قاموسنا. وأي دربٍ شاقٍ قطعناه منذ أن اعتدنا على التفاخر بأننا نحاول -خلافاً للعرب- عدم المس بالأبرياء، والآن جاءت حرب لبنان بأرقامها المفزعة ليتبين أن إسرائيل قتلت عشرة أضعاف من قتلهم حزب الله، لا بل إن عدد الجنود الذين قتلهم حزب الله كان ثلاثة أضعاف المدنيين على عكس إسرائيل تماماً.. سلاح منْ الأكثر طُهراً هنا إذن؟". بينما رأى المعلق العسكري المعروف زئيف شيف أن إسرائيل وقعت بعمليتها الموسعة في بيت حانون في خطأ استراتيجي موضحاً بأن: "الوضع الاستراتيجي الذي علقت فيه إسرائيل سيء، ولكنه ينطوي على نوع من الانفراج، والسيء هو أن إسرائيل قد تورطت في فراغ سياسي-استراتيجي خطير؛ فهي تواجه أربعة أطراف متطرفة: إيران، وسوريا، وحزب الله، وحماس، ومع اثنين منهما؛ إيران وحزب الله، لا توجد حتى فرصة ضيقة للتفاوض والتسوية الإيجابية، أما مع سوريا وحماس فقد أدخلت إسرائيل نفسها في فراغ سياسي استراتيجي، قيل لسوريا المستعدة للتفاوض مع إسرائيل إنه لا يوجد ما يمكن التفاوض حوله، أما حماس التي لا ترغب في الاعتراف بإسرائيل وبالاتفاقات معها، فقد عُزلت من قبل الأسرة الدولية، وبدلاً من التفاوض تحولت إسرائيل إلى مراقب يستخدم سلاح المدفعية، إسرائيل تتملص منذ أشهرٍ من أي مفاوضات مع محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، وهي بذلك تقوم بتعزيز موقع المتطرفين في صفوف الفلسطينيين، وما يحدث في غزة هو صبٌ للزيت على النار". تفاصيل إعدام شابين وكشف تحقيق أجرته منظمة "بتسليم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان عن قيام الجيش الإسرائيلي بتنفيذ عملية إعدام بحق فلسطينيين بعد إصابتهما بجراح. ووفقا للتحقيق فأن جنود إسرائيليين أجهزوا على الجريحين وهما ينزفان. ووقعت هذه الحادثة الأسبوع الماضي في بلدة اليامون قرب مدينة جنين بالضفة الغربية. وقالت بتسيلم في تحقيقها أن إسرائيل قتلت في الثامن من الشهر الجاري خمسة فلسطينيين في بلدة اليامون وأنها أعدمت اثنين منهم بدم بارد وهما سليم أبو الهيجا ومحمود أبو حسن. وفي بيان للمنظمة الإسرائيلية قالت بتسيلم أنها أجرت تحقيقا بخصوص ملابسات قتل اثنين من بين القتلى في الحادثة وإن ملابسات قتل الاثنين، كما يتضح من التحقيق، تختلف بصورة جوهرية عن الموصوف في بيان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي. وقد أفاد شهود العيان وأبناء عائلة قبالة من اليامون، بأنه في حوالي الساعة 01:30، اندفع إلى باب بيتهم شابان مطلوبان من قبل قوات الأمن الإسرائيلية، وهما مصابان بجروح. وقد تم إدخال الشابين إلى بيت العائلة وقدم لهما الأب وابنه الإسعاف الأولي وقامت الأم بتغطيتهما بالأغطية. وبعد مرور 15- 20 دقيقة، وصلت قوة عسكرية إلى بيت العائلة. طلب الجنود عبر المُكبرات من سكان البيت فتح بوابة البيت وقاموا بإلقاء قنبلة صوتية في ساحة المنزل. وقام الأب وأحد أبنائه بفتح البوابة، بينما أمر الجنود الذين كانوا في الآلية العسكرية أفراد العائلة بالخروج من الغرف إلى الساحة الداخلية الخاصة بالبيت. خرج جميع أفراد العائلة وجلسوا ملاصقين للحائط المواجه لمدخل البيت، طبقاً لأوامر الجنود. في هذه المرحلة كان سليم أبو الهيجا مستلقياً في مدخل إحدى الغرف بمحاذاة بوابة البيت، بحيث كان القسم العلوي من جسمه داخل الغرفة ورجلاه خارج الغرفة، وقد كان مصابا في فخذه. وفي مقابله، قرب بوابة الدخول إلى البيت، كان محمود أبو الحسن مستلقيا وهو جريح في بطنه. ويتابع التحقيق:"دخل ثلاثة جنود إلى البيت، وتجاوزا جسم محمود أبو الحسن، ودخلوا فورا إلى الغرفة التي كان سليم أبو الهيجا مستلقيا في مدخلها. بعد دقيقتين على أقصى تقدير، سمع أبناء العائلة طلقة أو طلقتين. وقد اتضح فيما بعد أن هذه النيران أصابت سليم أبو الهيجا وقتلته. بعد ذلك مباشرة، شاهد اثنان من سكان البيت، وهما بشار ومهند قبالة، أحد الجنود وهو يطلق النار على الجريح الثاني، محمود أبو الحسن: شاهد مهند فوهة البندقية أثناء إطلاق النار ورآى أبو محمود أبو الحسن يُصاب، بينما شاهد بشار الشرارة التي لمعت أثناء إطلاق النار. وقالت المنظمة:" إن التحقيق الذي أجرته بتسيلم يثير الاشتباه الكبير بأن سليم أبو الهيجاء ومحمود أبو حسن قد أُعدما من قبل الجنود، وهما جريحان مستلقيان على الأرض، دونما سلاح ودون أن يشكلا أي خطر على الجنود". واكد البيان على إن حقيقة عدم قيام الجنود باطلاق النار على الشابين الجريحين فور دخول الجنود إلى البيت، ولم يقوموا بتفتيشهم ولم يقيدوا أيديهم، تُعزز الفرضية بأن الجنود لم يعتبروهم مصدرا للخطر. وبدلاً عن هذا، وكما ذُكر، فقد تجاوز الجنود جسم محمود أبو الحسن، ودخلوا إلى إحدى الغرف، وفقط بعد مرور حوالي دقيقتين على ذلك، أطلقوا النار على الجرحى من مسافة قصيرة.