صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحاضرة الرمضانية الأولى للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي
نشر في 26 سبتمبر يوم 24 - 03 - 2023

بدأ قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، بإلقاء أول محاضراته الرمضانية 1444ه بعنوان "التقوى" ضمن سلسلة محاضراته خلال الشهر الكريم فيما يلي نصها:
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
ومباركٌ لكم حلول شهر رمضان المبارك، نَسْأَلُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يَتَقْبَّل مِنَّا وَمِنْكُم الصِّيَام، وَالقِيَام وَصَالِح الأَعمَال.
مسيرة الحياة تتجه بنا جميعا نحو آجالنا، فوجودنا في هذه الحياة هو وجودٌ مؤقت، ووجودٌ نحن فيه في ميدان مسؤوليةٍ واختبار، نتحمل المسؤولية تجاه أعمالنا وتصرفاتنا أمام الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، الله هو ربنا، ومالكنا، وملكنا، وإلهنا المنعم علينا، وهو "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" الذي يجازينا على أعمالنا وتصرفاتنا، ونحن في هذه الحياة التي وهبها لنا نعيش على أساس فترةٍ محدودةٍ مؤقتة، وحتمية الرحيل لكُلٍّ منَّا من هذه الحياة مسألةٌ معروفةٌ ومعلومة، وإذا أدرك الإنسان شهر رمضان فهي فرصةٌ تجددت، فرصةٌ عظيمةٌ وثمينةٌ ومهمةٌ تجددت، ما يدريك، قد لا تدرك شهر رمضان من عامك القادم! أو ما يدريك، قد تعيش في واقع حياتك وتدخل في كثيرٍ من الإشكالات، وتتأثر بكثيرٍ من المؤثرات، فيأتي ذلك الشهر من عامك القادم وقد تغيرت نفسيتك كثيرًا، وأصبحت بعيدًا كثيرًا عن التمكن من إصلاحها، والتمكن من العودة إلى جادة الطريق، إلى جادة الصراط، إلى إصلاح النفس وتزكيتها، إلى الاستقامة وفق منهج الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأصبحت مسألة تزكية النفس والعمل لإصلاحها مسألة عسيرة جدًا! إذًا فينبغي ألَّا يسوِّف الإنسان.
أكبر المخاطر التي تؤثر على الإنسان، فيفوته بسببها الكثير من الفرص المهمة، وما هيّأه الله له، هو التسويف، الإنسان أحيانًا يسوِّف، تأتيه فرصة عظيمة هيأها الله له، فيؤجل الموضوع ويسوِّف، ويلهيه الأمل، يلتهي بالأمل، [لا زالت الحياة أمامي طويلة، لا زال العمر طويلًا، لا تزال عندي أولويات أخرى، اهتمامات أخرى...إلخ. فيفوِّت الفرصة، وهذه المسألة خطيرة جدًا على الإنسان، الإنسان لا يضمن حياته، ولا يتأكد ولا يتيقّن إلى متى هي، ولا يضمن نفسه.
البعض من الناس بتسويفه، ولامبالاته، وغفلته، يضيع نفسه؛ لأنه يتركها حتى تتأثر سلبًا، وتتغير عن فطرتها وعن حالة التقوى والإيمان كثيرًا، ثم قد لا يتمكن فيما بعد ذلك من إصلاحها، قد يُخذل والعياذ بالله، وهي حالة خطيرة حالة الخذلان التي حذَّر الله منها في القرآن الكريم.
أول ما يجب أن نلتفت إليه، عندما وفقنا الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وأدركنا شهره الكريم (شهر رمضان)، هو: ألَّا نفوِّت هذه الفرصة، وأن نحسن الاستثمار لها، والاغتنام لها، والاستفادة منها.
الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وهب لنا شهره الكريم، وأنعم علينا به، بما جعل فيه من البركات والخيرات، هيأ لنا فيه:
فرصة الاستقامة.
فرصة الصلاح للنفس.
فرصة التزكية للنفس.
فرصة التروُّض على الصبر.
والسيطرة على الشهوات والرغبات.
وفرصة الحصول على الأجر العظيم.
فرصة الارتقاء في إيماننا وأخلاقنا، والقرب من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أكثر.
فهي فرص عظيمة جدًا، ومهمة للغاية، إذ يتيسر في ذلك كله (في شهر رمضان) ما لا يتيسر في غيره، هي وسيلة تعين الإنسان وتساعده على تزكية نفسه، وإصلاح نفسه، والسيطرة على شهوات نفسه ورغبات نفسه، والتعوُّد على حالة الصبر والتحمل، وتكسبه قوة الإرادة، وقوة العزم، وترتقي بعلاقته مع الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فيُحِس بالقرب أكثر من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويحظى برعايةٍ أكثر من جانب الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، الإنسان كلما أقبل إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" يزيده من الخير والهداية والتوفيق، كما قال "جلَّ شأنه": {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}[محمد: من الآية17].
فلنتجه في شهر رمضان المبارك بكل جدية إلى استثمار هذه الفرصة، إلى اغتنام هذا الشهر المبارك، في مجال تزكية النفس، والأعمال الصالحة، والتقرب إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ولنحذر من حالة الهدر للوقت، والإضاعة للوقت، كما يفعله الكثير من الناس، الذين يمضون ليالي الشهر المبارك في السَمَرات الفارغة، في اللغو، واللهو، والكلام الفارغ، والانشغال بالأشياء التافهة، أو الانشغال الشديد بالأشياء الروتينية، التي ينشغل بها الإنسان في بقية عمره، مما لا يحتاج أن يُفَرِّغ كل وقته له، الحديث طوال الليل- مثلًا- عن أمور المعيشة، وهموم المعيشة، ومشاكل المعيشة...إلخ. لا يحتاج من الإنسان أن يعطي لذلك كل وقته، يستطيع الإنسان أن ينظِّم أوقاته في اهتماماته وشؤونه، واهتماماته المعيشية والحياتية، يستطيع أن ينظِّم وقته؛ حتى لا يضيع شهر رمضان، الإنسان منشغل طول عمره، طول حياته، فليأخذ بعين الاعتبار مستقبله عند الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأيضًا ما يعود بالخير والصلاح على حياته هذه.
التقوى، والإيمان، والاهتداء بهدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والاستقامة على منهج الله، لذلك كله الأثر المهم في حياة الإنسان؛ لأن حياتنا، ومستقبلنا، وحاضرنا، مرتبطٌ بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، هو ربنا، هو المنعم الكريم، هو الذي بيده رزقنا، وبيده كل شؤوننا، فإقبالنا إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وتنظيمنا لاهتماماتنا وشؤون حياتنا، لن يكون له تأثيرٌ سلبيٌ على حياتنا، بل تأثيرٌ إيجابي، هو لمصلحتنا ولمنفعتنا، فنحن بحاجةٍ إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
ثم أيضًا ليحذر الإنسان من المعاصي في هذا الشهر المبارك، ليحرص على أن يلتزم حالة التقوى لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في شهر رمضان، من خلال تجنب المعاصي، والحذر من المعاصي، والحذر من خطوات الشيطان، ومن الوسائل التي تجرُّ الإنسان إلى الخطايا، تجرّ الإنسان إلى المعاصي، تنزلق به نحو الجرائم والمفاسد والعياذ بالله، فليحرص الإنسان على أن يكون حذرًا متنبهاً في نهاره وليله من ذلك، ليلتزم حالة التقوى؛ لأن هذا غبنٌ كبيرٌ على الإنسان، عندما يمنحه الله فرصة لصلاح نفسه، لتزكيه نفسه، لتعزيز وترسيخ حالة التقوى التي فيها خيرٌ له، ثم لا يكتفي فقط بأن أضاع هذه الفرصة، من حيث عدم الاستفادة منها، بل أن يحوِّلها هي إلى معصية، أن يعصي الله فيها، أن يفرِّط في حالة التقوى فيها، فعلى الإنسان أن يحذر من ذلك، وأن يسعى لالتزام حالة التقوى، حالة التقوى ضرورية حتى لتقبُّل العمل؛ لكي يتقبل الله منك الصيام، ويتقبل منك ما تتقرب به إليه من العبادات، من الأعمال، فالإنسان بحاجة إلى التقوى لقبول العمل،
ولذلك من المهم أن يسعى الإنسان- وهو في بداية الشهر- إلى التخلص مما عليه من الذنوب والمعاصي، وأن يقيِّم واقعه، وأن يتفقد حال نفسه، في ما هي الجوانب التي قد يكون عاصيًا لله فيها، أو مقصرًا تقصير يصل به إلى حد المعصية، في أي جانب من الجوانب، في أي مجال من المجالات، في أي شيءٍ له علاقةٌ بأوامر الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، في ما أمرنا به، أو نواهيه، ثم ليحاول أن يتخلص من ذلك؛ حتى لا يكون عائقًا له، يبطل عليه أعماله، يحول بينه وبين قبول العمل، وقبول الدعاء، وقبول الذكر، وقبول ما يتقرب به إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" ذكر لنا في القرآن الكريم قصة ابني آدم: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة: الآية27]، كلاهما يَدِين بدين الله، وينتسب إلى مِلَّة التوحيد لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ولكن بعد أن قرَّبا قرباناً لم يُتَقَبَّل من أحدهما، لم يكفه انتماؤه إلى ملة التوحيد، انتماؤه إلى الدين الإلهي، لم يكفه ذلك في أن يقبل الله منه قربانه، ومعنى أنه لم يقبل منه قربانه: أنه لا يتقبل منه- أصلًا- بقية أعماله، يعني: هذا مؤشرًا حتى تجاه بقية الأعمال، وكانت مشكلته هي في ماذا؟ في انعدام حالة التقوى لديه، ولهذا كانت ردة فعله تجاه أخيه مبنيةٌ، أو منبعثةٌ من حالة الحسد، هذا يدل على بُعده عن حالة التقوى، فالإنسان ليحذر، فليحذر الإنسان من أن يكون بعيدًا عن حالة التقوى، التي يخسر بسببها قبول الأعمال، قبول صلاته، قبول صيامه، قبول ما يتقرب به إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وليحرص على تحقيق حالة التقوى؛ ليتقبل الله منه أعماله، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.
شهر رمضان في صيامه، الذي هو فرضٌ عظيمٌ وركنٌ من أركان الإسلام، وفرضٌ لازمٌ، يجب على الإنسان المستطيع أن يصومه، جاء في القرآن الكريم، وفي الشريعة الإسلامية، التسهيلات المتعلقة بالمريض، والمسافر، والشيخ الهرم، ومن يتضرر صحيًّا بشدةٍ من الصيام فلا يطيقه، بأحكام معروفة في الشريعة الإسلامية، لكن ما عدا ذلك، الإنسان ملزم، الصيام فريضةٌ من فرائض الله "عزَّ وجلَّ" في شهر رمضان، وهو أيضًا ركنٌ عظيمٌ من أركان الإسلام، وغايته الأولى- بالنسبة لنا في واقعنا العملي- هي غايةٌ تربوية، كما قال الله "جلَّ شأنه": {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: الآية183]، وهذا ما يجب أن نتذكره، وأن نستحضره في أذهاننا ووجداننا، أثناء أدائنا لهذه الفريضة العظيمة والمهمة، أن الغاية التربوية منها- وهي غاية مهمة جدًا- هي: تحقيق التقوى، تحقيق التقوى لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، أن نتعوَّد وأن نتروض على الصبر والالتزام العملي بطاعة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأن نسيطر على أهوائنا، وشهواتنا، ورغباتنا، التي قد تؤثر على الإنسان أحيانًا، فتكون هي دافعًا له إلى المعصية، والمخالفة، المخالفة لشيءٍ من أوامر الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، أو لشيءٍ من نواهيه "جلَّ شأنه". فتذكُّر هذه الغاية التربوية أمرٌ مهم، والتقوى شأنها عظيم، وأهميتها كبيرةٌ جدًا، والمشكلة التي يعاني منها المجتمع المسلم بشكلٍ عام هي: النقص في التقوى.
الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" منَّ علينا ووفقنا للانتماء للإيمان والإسلام، وهو يخاطبنا في تشريعاته، وتوجيهاته، وتعليماته المهمة والعظيمة، التي هي لمصلحتنا، ينادينا بهذا النداء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، نعمةٌ عظيمة انتماؤك للإيمان، أصبحت متجهًا من خلال هذا الانتماء، على أساس الالتزام بتعليمات الله وتوجيهات الله "جلَّ شأنه"، وأصبح هذا الانتماء ميثاقًا بينك وبين الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" على ذلك؛ لأن ثمرة انتمائك للإيمان: هي الطاعة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والاستجابة له، والتمسك بهديه، والالتزام بتعليماته، هذه هي ثمرة انتمائك الإيماني، فرق بين أن تكون مؤمنًا، أو كافرًا، منتسبًا للإسلام، أو خارجًا عن ملة الإسلام، إيمانك بهدي الله وتعليماته، إيمانك بالله وكتبه ورسله وأنبيائه، ثمرته ثمرةٌ عملية، هي في التزامك العملي، في طاعتك لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، تجاه أوامره، وتجاه نواهيه، فيبقى أن يكون هذا الانتماء الإيماني منطلقًا نحو العمل، نحو الالتزام بهدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وبتوجيهاته "جلَّ شأنه"، أن تبني مسيرة حياتك على أساس ذلك، هذا ما عليك أنت كمنتمٍ للإسلام، كمنتمٍ للإيمان، بحكم هذا الانتماء الإيماني.
التقوى فيما تعنيه للإنسان شخصيًا، وللمجتمع المسلم بشكل عام، هي ذات أهميةٍ كبيرة، ليست شيئًا هامشيًا يمكن للإنسان أن يستغني عنه، وألَّا يبالي به، وألَّا يحرص عليه، يقول: [شيء عادي، إن كنت أريد ذلك، وإلا فالأمر عاديٌ تمامًا]، التقوى تعنيك أنت في نجاة نفسك، في الوقاية لنفسك من عذاب الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، من الشقاء، من جهنم، فأهميتها للإنسان أهمية كبيرة، الإنسان الذي يريد لنفسه الخير، يحرص على نجاة نفسه، الوقاية لك من عواقب مخالفتك لتعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأوامر الله "جلَّ شأنه"، التي هي عواقب وخيمة، عواقب سيئة جدًا.
ننحن نؤمن بالجزاء، نؤمن بما وعد الله في القرآن الكريم، وما توعَّد به، نؤمن بالوعد والوعيد، فيما توعَّد الله به على المعاصي، على المخالفة لتعليماته، المخالفة لهديه، المخالفة لتوجيهاته "جلَّ شأنه"، وما يترتب على ذلك من العقوبات العاجلة في الدينا والآجلة في الآخرة، وكثيرٌ من المشاكل التي يعاني منها المجتمع البشري هي تعود إلى التفريط في التقوى، ما يتسبب به الناس من خلال أعمالهم: من جرائم، ومفاسد، ومظالم، وما ينتج عن ذلك من عقوبات في واقع الحياة، وما يترتب على ذلك من عقوبات في واقع حياتهم المعيشية وغير ذلك، هو يعود إلى تفريط في حالة التقوى، فالتقوى هي نجاة، هي فوز، هي فلاح، هي خيرٌ للإنسان، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[الطلاق: 2-3]، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ}[الطلاق: من الآية5]، {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[الزمر: الآية61]، يقول الله أيضًا عن الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران: من الآية133]، {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا}[مريم: من الآية63]، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}[الأعراف: من الآية96].
حالة التقوى يترتب عليها كل خيرٍ في عاجل الدنيا وفي آجل الآخرة، الفوز بما وعد الله به في الدنيا والآخرة مترتبٌ على مسألة التقوى، فهي مسألة ضرورية، لا يمكن أن يستهتر بها الإنسان، ويتصور أنه لا ضرورة لها، ولا حاجة إليها؛ لأنها تعنيه هو، تعني وقاية نفسه، الوقاية له من عواقب الأعمال السيئة، على المستوى الشخصي، وعلى مستوى المجتمع كمجتمع.
والتربية على التقوى، والأمر بالتقوى تكرَّر كثيرًا في القرآن الكريم، حتى لأنبياء الله، ولأوليائه، ولعباده المؤمنين، واقترن في كثيرٍ من الآيات مع أوامر الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، يأمرُ بأمرٍ، ويأمرُ معه بالتقوى؛ للحذر من المخالفة في ذلك الأمر، كما اقترنت أيضًا مع كثيرٍ من النواهي في القرآن الكريم، ينهى عن شيءٍ ويحذِّر منه، ثم يأمر بالتقوى؛ ليبيِّن العواقب للمخالفة في ذلك النهي، الذي ورد في القرآن الكريم، فالمسألة في غاية الأهمية، والتربية على التقوى والعناية بهذا الأمر أمرٌ مهمٌ جدًا؛ كي لا يتعود الناس بشكلٍ عام كمجتمع، أو الإنسان شخصيًا، على التمادي في المخالفة لأوامر الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والاستهتار بالمعاصي، والجرأة على التعدي لحدود الله وأوامر الله.
الفرق بين الحالة التي تترسخ لدى الإنسان فيها التقوى، وبين الحالة التي تنعدم فيها حالة الشعور بالتقوى وأهمية التقوى، هي هذا: الإنسان المتقي لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" يستذكر العواقب السيئة للمخالفة؛ فيحذر من المخالفة، ويكون بعيدًا عن الجرأة على المعصية، ويكون حريصًا على الالتزام العملي، ويكون جادًّا في طاعة الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وحريصًا على تنفيذ أوامر الله، على الاستجابة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فإذا فقد الإنسان هذه الحالة، كان مستهترًا، جريئًا على المعصية، جريئًا على المخالفة، سواءً تجاه شيءٍ من أوامر الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، أو تجاه شيءٍ من النواهي، وإذا فقد الإنسان حالة التقوى، أصبح جريئًا على العصيان، على المخالفة، على الرد لتوجيهات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فهي حالة خطيرة جدًا، توقع الإنسان في الذنوب والمعاصي الكبيرة، تبعد الإنسان عن حالة الالتزام العملي والطاعة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، يتحول إلى عاصٍ مُصِرّ على معاصيه، ومستهتر وجريء على التعدِّي لحدود الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" والعياذ بالله، وهذا يجرُّ الإنسان نحو الخُذلان، أن يخذله الله، أن يسلب منه التوفيق، فلا يتوفق، لا للتوبة، ولا للرجوع إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويصبح ممن حق عليهم القول، يعني: استحقوا الوعيد الإلهي، وابتعدوا تمامًا عن العودة إلى طريق الحق، ابتعدوا عن التوبة والإنابة والرجوع إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويسيطر عليهم الشيطان سيطرةً تامة، بعد زيغهم، وفسادهم، وانحرافهم، وقسوة قلوبهم؛ لأن لهذا آثار نفسية في قسوة القلوب، في الجرأة، في انعدام حالة الخشوع والتذكُّر، والحياء من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والاستذكار للعواقب الخطيرة في الدنيا والآخرة، والتذكر لمآل- ما يؤول إليه الإنسان- مآل عصيانه في الآخرة، وهو جهنم والعياذ بالله.
الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" ذكر لنا في القرآن الكريم قصةً مهمة، تبين لنا خطورة التمادي في العصيان، والاستهتار، وانعدام حالة التقوى، والجرأة على المعاصي، والمخالفة في الأمور العملية، وما يترتب عليها من عواقب في الدنيا والآخرة، هي قصة أصحاب السبت، يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}[الأعراف: الآية163]، تلك القرية كانت قريةً في الساحل (في ساحل البحر)، وكان أهلها يعتمدون في حياتهم المعيشية على الصيد، وكانوا من بني إسرائيل، في المرحلة التي كانوا هم فيها أمة الرسالة الإلهية، التي يجب عليها أن تقدم النموذج لبقية الأمم، في التزامها بدين الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وتشريعاته وأحكامه، وأن تكون هي القدوة لبقية الأمم في تلك المراحل، ما قبل بعثة الرسول "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِه"، فتلك القرية التي كانت حاضرة البحر، يعني: قرية ساحلية، ويعتمد أهلها في واقعهم المعيشي وكسبهم على الصيد، كانوا يستهترون بتوجيهات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ولا يلتزمون حالة التقوى لله، ويتجرؤون على معصية الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ فكانوا يفسقون، يخرجون عن تعاليم الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويتجاوزونها، ولا يلتزمون بها، فحصل لهم هذا الابتلاء الخطير، وهذا مما يحصل للإنسان شخصيًا، أو للمجتمع كمجتمع، إذا أصبح مستهترًا، لا يلتزم بتعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، جريئًا على المعصية، جريئًا على الفسق، جريئًا على المخالفة لتوجهات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" والرد لأوامره والتجاوز لمناهيه، فيُبتلى بما هو أخطر، يُبتلى بما هو أخطر، فإذا تورَّط في ذلك، كانت العقوبة عقوبة شديدة جدًا، فابتُلُوا في كسبهم المعيشي، كان محرمًا عليهم هم الاصطياد في يوم السبت، فكانت تخرج الأسماك في يوم السبت شُرَّعًا على ظاهر الماء وبكثرة، بحيث يسهُل اصطيادها، فإذا كان في غير ذلك اليوم- في بقية الأيام التي يحل لهم فيها الصيد- تختفي إلى أعماق البحر، ويتعسَّر عليهم جدًا اصطيادها، لماذا؟ يقول الله: {كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}.
في حالة التقوى يأتي اليسر من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، يأتي العون من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، تأتي البركات من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، كما قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، ويجعل الله بعد العسر يسرًا، لكن في حالة المعصية، والتجرؤ على المخالفة لتعليمات الله وهديه، يأتي الاختبار بشيءٍ عسيرٍ على الإنسان، كان اختبارًا خطيرًا لهم هذا، عندما كانت تظهر في اليوم الذي يحرُم عليهم اصطيادها على وجه الماء، وفي بقية الأيام تختفي في أعماق البحر، ويتعسر عليهم اصطيادها، فما الذي حصل؟ خالفوا، خالفوا وتجرَّؤا في مسالة عملية، يعني: لم تكن مخالفتهم- مثلاً- عبادة صنم من الأصنام، أو خروجًا من مِلَّة التوحيد، لكن مخالفة في التزامهم العملي، فخالفوا، وانتهكوا محارم الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وقاموا بالاصطياد في ذلك اليوم الذي يحرُم عليهم الصيد فيه، وكان هذا في شريعتهم، عندما حصلت منهم المخالفة، كان البعض يَعِظُهم، ويحذرهم، وينذرهم، ويذكرهم، ويحثهم على التقوى، فلم يكونوا يستجيبون، وكان البعض يتنصَّل عن النهي، والاستنكار عليهم لما هم فيه، والتذكير لهم، ويتجاهل ما يعملونه، فكانوا ثلاثة أقسام:
قسم يتجرأ على تلك المعصية.
قسم لا يُشارِكهُم فيها، ولا يحذرهم منها، ولا يُنكر عليهُم ما هم فيه.
وقسمٌ آخر يُحذرهم، يُنذرهم، يُذكرهم، ويتقي الله من الوقوع في ذلك المحذور.
{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}[الأعراف: الآية164]، المُقصِّرون والساكِتون كانوا ينتقِدون على الذين يُذكِّرون ويستنكِرون ذلك المُنكر، يذكِّرون قومهم، ويستنكرون عليهم تلك المخالفة العملية، فهم يبيِّنون لهم أن هذا أداء لواجب، أننا نعمل ما علينا مسؤولية أن نعمله أمام الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، نؤدي واجبنا تجاه الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}، وتذكيرٌ لهم، إقامةٌ للحجة عليهم، تنبيهٌ لهم؛ لربما يتذكر منهم مَن يتذكر، ولكن دون جدوى، استمر أولئك وتمادوا، تمادوا في المعصية، في المخالفة، والتمادي في المخالفة والمعصية أمرٌ خطير، خطيرٌ جدًا على المجتمع كمجتمع وعلى الإنسان شخصيًا.
{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}[الأعراف: الآية165]، عندما أصبح ما ذُكِّروا به، من هدي الله، من تعليمات الله، لا قيمة له عندهم، لم يعودوا يبالون به، ولا يلتزمون به، ولا يستجيبون له، أتى العذاب، وكانت النجاة لمن؟ للذين كانوا ينهون عن السوء، {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ}، عذاب شديد عُذِّبوا به، {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}، كذلك الإشكالية هي هذه: حالة الفسق، الجرأة على معصية الله، على مخالفة أوامر الله، على الرد لتوجيهات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
مع ذلك، لم ينفع فيهم بعد أن ذُكِّروا بالعذاب، {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}[الأعراف: الآية166]، لمَّا لم ينفع فيهم التذكير من هدى الله، لم ينفع فيهم حتى العذاب البئيس، عقوبة معينة تأتي قبل العقوبة الكبرى، لتكون هي ذكرى لهم، فلم ينفع معهم ذلك، أتت لهم العقوبة الكبرى، وكانت- هذه كعقوبة عاجلة- كانت عقوبةً رهيبة، مُسِخوا إلى قِرَدَة، مُسِخوا إلى قِرَدَة والعياذ بالله، أمر رهيب عندما مُسِخوا من حالتهم البشرية إلى قِرَدَة؛ والسبب هو ماذا؟ تلك المعاصي، تلك المخالفات في الواقع العملي، لم تصل بعد إلى حالة أن عبدوا صنماً، أو خرجوا من ملة التوحيد، لكن التمادي في المعصية لله، في المخالفة لله، من جانب أمةٍ قد أنعم الله عليها بنعمة الهُدى، ووصلت إليها تعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأصبحت من حيث الانتماء بينها وبين الله ميثاق على الالتزام بهديه، والاتِّباع لكتابه وتعليماته "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
هذا الدرس يبين لنا الخطورة الرهيبة للتمادي في المعاصي، والمخالفة لتوجيهات الله، والمخالفة لأوامر الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، أنه يترتب على ذلك عقوبة، والعقوبات كثيرة ومتنوعة، فليحذر الإنسان عندما يتيقَّن ويؤمن أن المخالفة لتعليمات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وتوجيهاته وهديه، يترتب عليها حتمًا عقوباتٌ عاجلةٌ في الدنيا؛ أمَّا في الآخرة فنار جهنم والعياذ بالله، سوء الحساب ونار جهنم والعياذ بالله.
هذا يبين لنا ما تعنيه لنا التقوى، أهميتها لنا؛ لأن بها نجاتُنا، سلامتُنا من عذاب الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" من عواقب أعمالنا في هذه الحياة وفي الآخرة.
نتحدث- إن شاء الله- عن العواقب الرهيبة في عالم الآخرة، التي تنتج عن التفريط في حالة التقوى، والعاقبة الإيجابية للتقوى في الآخرة- إن شاء الله- في المحاضرات القادمة.
نَسْأَلُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يَتَقبَّل مِنَّا وَمِنْكُمُ الصِّيَام، وَالقِيَام، وَصَالِحَ الأَعْمَال، وَنَسْألُهُ "جَلَّ شَأنُه" أَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.