لم ينجح الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته الأخيرة إلى جدة في إقناع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تقديم مساعدات مالية عاجلة لمصر، حسب تقرير نشرته «وول ستريت جورنال» الأمريكية. وأوضح التقرير الذي نشر أمس، أن ولي العهد السعودي اشترط خفض قيمة الجنيه المصري، وتعيين مسؤولين جدد لإدارة الاقتصاد، قبل مشاركة بلاده في أي خطة إنقاذ مالية. وقالت الصحيفة التي نقلت عن مسؤولين سعوديين ومصريين، إن السيسي كان يأمل في الحصول على دعم من الرياض خلال زيارته لها الأحد الماضي، لكن زيارته لم تسفر عن أي وعود تمويل سعودية فورية. وأشارت إلى أن السعودية، ودول الخليج الأخرى، سبق وحذرت مصر من أن أي خطة إنقاذ مالية ستعتمد على خفض القاهرة لقيمة عملتها وتعيين مسؤولين جدد لإدارة اقتصادها، مشددين على انتهاء عصر «المساعدات السهلة». وبينما لم يصدر عن الجانبين المصري والسعودي أية بيانات رسمية بشأن الزيارة، اكتفى السيسي بكتابة تغريدة شكر فيها بن سلمان على حسن الضيافة وأكد على عمق العلاقة بين البلدين. ونقلت "وول ستريت جورنال" عن المسؤولين المصريين والسعوديين الذين لم تسمهم أن «جيران مصر الأثرياء يريدون عوائد أفضل لأموالهم الآن حيث يركزون على إعادة تشكيل اقتصاداتهم المعتمدة على الطاقة». ولفتت المصادر إلى أن اشتراطات السعودية وباقي دول الخليج تضمنت كذلك تقليص مشاركة الجيش في الاقتصاد لصالح دور أكبر للقطاع الخاص، بما يسمح بدور أكبر للشركات الخليجية في الاستحواذ على حصص في قطاعات النمو المصرية، وذلك جنبًا إلى جانب مع تخفيض قيمة الجنيه وتعيين مجموعة وزارية جديدة تراها دول الخليج تخدم مصالحها المالية. ودعمت دول الخليج وعلى رأسها السعودية وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، وزودت مصر في الفترة بين عامي 2013 و2020 بحوالي 97 مليار دولار ما بين ودائع بالبنك المركزي واستثمارات مباشرة ومنح وأشكال أخرى من المساعدات المالية. وتجاوز نصيب السعودية وحدها من تلك المساعدات نحو 46 مليار دولار، بحسب مراقبين. واستمرت دول الخليج في الدعم السخي لمصر حتى أوائل العام الماضي، عندما بدأت تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية تضر بالاقتصاد المصري حيث أودعت دول الخليج 13 مليار دولار في البنك المركزي المصري وأعلن صندوق النقد في ديسمبر الماضي موافقته على منح مصر قرضًا بقيمة ثلاثة مليارات دولار خلال السنوات الأربع المقبلة، مع صرف دفعة فورية قيمتها 347 مليون دولار، وذلك بعدما وافقت مصر على عدد من الإجراءات على رأسها التحول الدائم إلى نظام سعر الصرف المرن أو ما يعرف بالتعويم الخالص للجنيه. وتوقع المجلس التنفيذي للصندوق وقتها أن يساهم برنامج القرض بإتاحة تمويل إضافي لمصر بقيمة تقترب من 14 مليار دولار من حصيلة بيع الأصول المملوكة للدولة إلى دول الخليج وغيرها من الموارد وقنوات التمويل مع الشركاء الدوليين، إلى جانب تمويلًا إضافيًا بقيمة مليار دولار قد تحصل عليه مصر من الصندوق نفسه لدعم أهداف السياسات المرتبطة بالمناخ، وهو الأمر الذي سيبت فيه الصندوق خلال مراجعات مقبلة لم يحدد موعدها بعد. وذكرت الصحيفة الأمريكية نقلًا عن مسؤولين مطلعين أنه عقب تحديد صندوق النقد لشروط حزمة الإنقاذ الخاصة بمصر، رفضت الإمارات التصرف كضامن بتحويل أكثر من نسبة مئوية من إجمالي قيمة القرض كوديعة إلى البنك المركزي المصري، ما دفع القاهرة إلى اللجوء إلى السعودية والكويت ، لكنهما رفضا المساعدة أيضا. وأوضحت مصادر تحدثت ل«مدى مصر» سابقًا، أن توتر العلاقات المصرية السعودية الظاهر منذ نهاية العام الماضي، يعود لعدة أسباب، منها تخلي السعودية عن تقديم الدعم الاقتصادي لمصر في وقت الأزمة، رغم اقتراح القاهرة على الرياض أن يكون هذا الدعم عبر صفقات استثمارية، فضلًا عن عدم التوصل لاتفاق مصري سعودي حول تفاصيل عديدة متعلقة بآلية عمل منتدى البحر الأحمر، وهو ما تبعه بحسب المصادر، عرقلة استمرار التحرك للأمام في استكمال كل بنود اتفاقية «جزيرتي تيران وصنافير»، التي أعلنت مصر نقل السيادة عليهما إلى السعودية قبل خمس سنوات في لحظة تقارب بين السلطات التنفيذية في البلدين، وذلك رغم الغضب الشعبي المصري الرافض لهذه الخطوة، وقتها. الأسباب السابقة والتي أضاف إليها مصدر سعودي تحدث ل«مدى مصر» في وقت سابق خلال الشهر الجاري سببًا جديدًا، يتعلق باتصال بلاده بشخصيات سياسية لا تحظى برضا النظام في مصر، بالتزامن مع استعداد الرئيس السيسي للترشح لفترة رئاسية ثالثة وحاجته لأموال الخليج لتخفيف آثار الأزمة الاقتصادية. وخلال الفترة الماضية، ألقت الخلافات المصرية السعودية بظلالها على الخطاب الإعلامي، بعدما شن إعلاميون مصريون مقربون من السلطة هجومًا على السعودية، وصلت لنشر صحيفة الجمهورية شبه الرسمية مقالًا هاجم فيه رئيس تحريرها المملكة، قبل أن يُحذف لاحقًا متبوعًا باعتذار، بتعليمات مباشرة من مستويات تنفيذية رفيعة بعد أن نقلت البعثة الدبلوماسية المصرية في الرياض أجواء استياء شديد في البلاط الملكي السعودي. أما من الناحية السعودية؛ فقد عبّر وزير المالية السعودي عن استياء المملكة من طلب الدعم منها دون شروط، مشيرًا إلى اتجاهها لإيقاف ذلك، ما أعتبره مراقبون بمثابة رسالة لمصر. وقال الوزير السعودي خلال مشاركته في فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في يناير الماضي: «اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط، ونحن نغيّر ذلك، كما نحث دول المنطقة على القيام بإصلاحات. نحن نفرض الضرائب على شعبنا، ونتوقع من الآخرين أن يقوموا بدورهم. المساعدات التي ستقدمها المملكة للدول الأخرى ستكون مشروطة بإصلاحات... نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم».