وفقا لما تضمنه الإعلان عن دعم رواتب مسوؤلي حكومة معين وما يسمى بالمجلس الرئاسي، أعلنت المملكة السعودية عن إغراق اليمن المحاصر والمثقل بكافة صنوف وأشكال المعاناة طيلة ثماني سنوات ونيف بوديعة جديدة قدرها نحو مليار ومئتي مليون دولار، ليرتفع بذلك حجم الدين السعودي لليمن وبمعنى أدق وأوضح حجم الدعم السعودي لحكومة الارتزاق إلى أكثر من 21 ملياراً منذ بدء شن العدوان في مارس 2015م. يأتي ذلك في وقت باتت فيه الكثير من تطورات وقائع وأحداث اللحظة الراهنة تكشف بل تؤكد حقيقة السعي والتحرك السعودي لتحقيق حلم المملكة الأزلي "القديم- الجديد" المتمثل بفصل محافظتي حضرموت والمهرة وضمهما إلى أراضي المملكة.. المزيد من التفاصيل في السياق التالي: بعيدا عن الخوض في توضيح تفاصيل التحركات السعودية الراهنة لتحقيق حلم المملكة "القديم- الجديد" المتمثل في احتلال حضرموت والمهرة وضمهم إلى الأراضي السعودية منذ لحظة شن العدوان في ال 26 من مارس 2015م وحتى اليوم والتي كان آخرها الإعلان السعودي عن إغراق اليمن بوديعة جديدة قدرها مليار ومئتا مليون دولار.. تبرز أهمية إعادة قراءة التاريخ والاستفادة من تجاربه ووقائعه وأحداثه التي تؤكد للعالم أجمع أن التحرك والسعي السعودي الأمريكي المشترك اليوم لاحتلال محافظتي حضرموت والمهرة أو فصلهما أو إعلانهما إقليما مستقلا بغض النظر عن اختلاف المصطلحات وتعدد دلالاتها هو امتداد للتحرك والسعي السعودي لتحقيق ذلك الحلم الأزلي منذ تأسيس المملكة السعودية وكأن التاريخ يعيد نفسه ويكفي لإثبات هذه الحقيقة مجرد إعادة النظر إلى ما قبل استقلال جنوب الوطن من الاحتلال البريطاني، حيث تكشفت حقيقة المطامع السعودية القديمة لفصل حضرموت والمهرة من خلال وثيقة رسمية نشرتها صحيفة عربية مشهورة آنذاك نستطيع تسميتها مجازا وثيقة مكاوي. وثيقة مكاوي كانت صحيفة الجمهورية المصرية قد نشرت في عددها رقم 481 بتاريخ 23 فبراير 1967م، تصريحاً وصف بالناري لعبدالقوي مكاوي رئيس حكومة ما كان يسمى آنذاك اتحاد الجنوب العربي عام 1963م، حذر فيه من سعي (فيصل بن عبدالعزيز) ملك المملكة السعودية آنذاك إلى شراء الجنوب وفصل حضرموت لضمها إلى السعودية، حيث كشف مكاوي في تصريحه عما أسماه ب(مؤامرة إنجليزية سعودية لفصل حضرموت عن الجنوب وضمها للأراضي السعودية). وأشارت الوثيقة عن مكاوي قوله (إن المخطط يأتي بعد خروج القوات البريطانية من المنطقة، وهذا الدور يلعبه أيضا سلطان سلطنة الكثيري بحضرموت وشريف بيحان والمستشار البريطاني.) وتضمنت الوثيقة (تصريح مكاوي) قوله: هؤلاء الثلاثة قاموا بدور كبير لتجنيد عدد من أبناء القبائل والسلاطين في المنطقة وتدريبهم في نجران وضمهم إلى جيش المرتزقة.. والأسلحة التي اشتراها فيصل من أمريكاوبريطانيا موجهة ضد ثورة أكتوبر في الجنوب. وأشار باحثون إلى أن تلك التصريحات كانت السبب في تدبير السعودية جريمة اغتيال الأنجال الثلاثة لعبدالقوي مكاوي وشقيقته من خلال ( نسف منزلهم وقتل جميع من فيه). في السياق ذكر علي السلامي عضو مجلس قيادة جبهة التحرير آنذاك أن أحد السلاطين قام بزيارة السعودية وعرض على الملك فيصل أسماء أعضاء العصابة التي أشرفت على نسف منزل عبد القوي مكاوي مما أدى إلى استشهاد أبنائه الثلاثة وشقيقته.. حيث وافق الملك فيصل على تمويلها ومنح أفرادها المنفذين مرتبات ثابتة. سياسة احتواء ولتحقيق أهدافها في حضرموت والمهرة اعتمدت المملكة السعودية آنذاك سياسة الاحتواء من خلال احتضان ودعم رابطة أبناء الجنوب وعلى وجه الخصوص فرع الرابطة في حضرموت، وأيضا الاهتمام بالمهاجرين الحضارم داخل المملكة العربية السعودية وإعطاء التسهيلات لاستقبال أعداد جديدة من المهاجرين الحضارم ما بين الفترة 1960م وبعدها، والقيام بالضغط وبدعم أمريكي على بريطانيا لمنع دخول محمية عدن الشرقية حضرموت والمهرة فيما كان يسمى اتحاد إمارات الجنوب العربي الذي أسسته بريطانيا سنة 1959م ، والتحضير لفتح فرع للبنك الأهلي التجاري السعودي في مدينة المكلا، وتنفيذ مشاريع خدمية لبعض مدن حضرموت بتمويل سعودي، وإرسال بعثة تعليمية إلى حضرموت مكونة من ثلاثين مدرسا نهاية عام 1964م تدخل أمريكي ولتعزيز تلك العلاقات حقق الأمريكيون نصرا اقتصاديا في حضرموت بالضغط على بريطانيا والسلطتين الكثيرية والقعيطية لإلغاء الامتياز الممنوح للشركة البريطانية للتنقيب عن النفط في حضرموت واستبدالها بشركة (بان أمريكان) وقد تمت المفاوضات الأولية بين وفد الشركة الأمريكية وسلطنتي الكثيري والقعيطي في يونيو 1961م، وبعدها بشهر وقعت الاتفاقية النهائية في المكلا، ويعتبر إلغاء عقد التنقيب عن النفط للشركة البريطانية واستبدالها بشركة أمريكية عملا لصالح السعودية في حضرموت لما سوف يترتب عليه من عدم جدية الشركة الأمريكية في التنقيب عن النفط في حضرموت. استقلال ذاتي ومع اندلاع ثورة 14 أكتوبر 1963م ضد المحتل البريطاني وتسارع الأعمال العسكرية والفدائية للجبهة القومية ضد الإنجليز سعت المملكة العربية السعودية إلى الاستحواذ على حضرموت بإقامة علاقات سياسية واقتصادية مع سلاطينها ومحاولة فصلها وإعطائها استقلالاً ذاتياً وتمثل ذلك بزيارة وفد سعودي للمكلا عام 1965م ولقائه وزير السلطنة القعيطية والاتفاق معه للضغط على بريطانيا لإعطاء حضرموت والمهرة استقلالاً خارج إطار ما كان يسمى اتحاد الجنوب العربي وأن تكون هناك علاقات خاصة ومتميزة مع المملكة العربية السعودية. وفي ذات المنحى حاولت الرياض مطلع ستينيات القرن الماضي إلحاق ثمود النفطية بأراضيها ، بعد أن أثبتت شركة "بان أمريكان" عام 1961م، تواجد كميات كبيرة من النفط في صحراء ثمود ، وهو الأمر الذي أثار رغبة السعودية في ضم المديرية إليها حينذاك ، وعلى إثرها توقفت شركة "بان أمريكان"، إلا أن الرياض لم تتوقف عن محاولات ضم وإلحاق المديرية إليها بهدف الاستحواذ على الثروة النفطية ، ووفقاً للمصادر التاريخية فقد أوعزت الرياض لأحد تجار حضرموت الحاملين الجنسية السعودية القيام بعملية شراء أراض واسعة في ثمود ، وبعد ذلك حاولت الرياض فصل منطقة ثمود عن حضرموت وضمها إليها، إلا أن تلك المحاولات أفشلتها الجبهة القومية عام 1967م. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المملكة السعودية على مدى العقود الماضية قد استطاعت عبر أياديها الخفية المختلفة منع استخراج الثروة النفطية في ثمود ، كما استطاعت منع كافة أعمال التنقيب عن النفط في الشريط الحدودي بين شرورة وحضرموت طيلة العقود الماضية باخرة سعودية حينما كان المحتل البريطاني يلفظ أنفاسه الأخيرة في جنوب الوطن كانت السعودية تسابق الزمن لتحقيق أطماعها السياسية والاقتصادية بحضرموت والمهرة، ففي سبتمبر 1967م وصل سلاطين حضرموت والمهرة إلى المملكة العربية السعودية بعد أن شاركوا في مؤتمر لندن الدستوري ولقاء جنيف بشأن استقلال الجنوب ، حيث قابل السلاطين أكثر من مسؤول سعودي وعاد السلاطين إلى مدينة المكلا على ظهر باخرة سعودية ومعهم مساعدات مالية سعودية لتعينهم على مواصلة الحكم في الفترة القادمة. فشل المخطط لكن الأحداث السياسية سارت في اتجاه مغاير للرغبات والمطامع السعودية وكذلك الأمريكية، ففي أثناء غياب السلاطين وقبيل وصولهم بليلة واحدة سيطرت الجبهة القومية وبمساعدة جيش البادية الحضرمي على السلطة في مدينة المكلا وضواحيها في 17 سبتمبر 1967م. وعند وصول الباخرة السعودية ميناء المكلا المقلة لسلاطين حضرموت والمهرة منعت الجبهة القومية بمساعدة جيش البادية الحضرمي السلاطين من النزول من الباخرة، بل وطُلب منهم عبر وفد أرسلته الجبهة القومية للسلاطين على ظهر الباخرة التوقيع على تنازلهم عن الحكم، ولم يكن أمام السلاطين سوى خيارين إما التوقيع على وثيقة التنازل والعودة إلى المملكة العربية السعودية، أو الموت على ظهر الباخرة، فاختاروا الخيار الأول، ووقعوا على وثيقة التنازل، وعادت الباخرة بهم إلى مدينة جدة السعودية كلاجئين سياسيين وليس سلاطيناً لحضرموت والمهرة، واستلمت الجبهة القومية مقاليد السلطة في كل من حضرموت والمهرة، لتتبخر المطامع السعودية في حضرموت والمهرة وتدخل العلاقات مرحلة جديدة ومغايرة بعد نيل الاستقلال وجلاء المستعمر البريطاني في 30 نوفمبر 1967م. التاريخ يعيد نفسه أمام هذا العرض التاريخي لحقيقة الأطماع السعودية القديمة في حضرموت والمهرة واستعراض وضعهما السياسي الحالي ومطامع القوى الخارجية والاستعمارية المعاصرة المتربصة بالمحافظتين ندرك حقيقة وأسباب المطامع السعودية ومن خلفها الأمريكية المستميتة في سلخ حضرموت والمهرة ومحاولاتهما المتعددة بشتى الطرق والوسائل لإيجاد موطئ قدم لهما في أهم جزء استراتيجي واقتصادي في الوطن اليمني إضافة إلى سعي السعودية بكل ما تملك من قوة لإيجاد منفذ لها على ساحل بحر العرب. لا سيما بعد صدور دراسة جيولوجية قبل نحو 20 عاما باسم (الكنز المخفي في اليمن) عن شركات مسح عالمية متخصصة في الاستكشافات النفطية، حيث كشفت الدراسة عن وجود بحيرة نفطية هي الأكبر في الجزيرة العربية تقع ما بين محافظاتمأرب والجوف وحضرموت وشبوة وأبين وتضم ثالث أكبر حقل نفطي في العالم وإذا تم استثمار هذه المنطقة فإنه بإمكان اليمن أن يصدر ما مقداره (5.2) مليون برميل من هذه المنطقة وحدها. وبإعادة النظر أيضا في طبيعة سير الوقائع والأحداث وتطوراتها الدراماتيكية منذ بدء العدوان في العام 2015م، لا سيما تلك الوقائع والأحداث الجارية على مسرحي محافظتي حضرموت والمهرة وأبرزها حرص مملكة العدوان السعودية على إبقاء حضرموت، الوادي والصحراء، بعيدة عن الصراع، لإدراكها أن القوات الموجودة هناك موالية لها، وأن لا صعوبات بالنسبة إليها في نشر أية قوات عسكرية لها هناك، على عكس محافظة المهرة التي ترفض الوجود السعودي وتصفه بالاحتلال. بإعادة النظر في طبيعة تلك الوقائع والأحداث تتجلى لنا حقيقة أن كل ما نشاهده اليوم هو دليل واضح وشاهد حي على أن المطامع السعودية الأمريكية الجديدة التي تظهر الآن واضحة وجلية في محاولة السيطرة على حضرموت والمهرة، هي ذاتها المطامع القديمة التي كشفتها وثيقة تصريح مكاوي المنشور في صحيفة الجمهورية المصرية في عددها رقم 481 الصادر بتاريخ 23 فبراير 1967م.