محور التصهين العربي واضح المعالم والملامح، فمكوناته تنحصر -بطبيعة الحال- في الأنظمة العربية المرتبطة بدولة الكيان بعلاقاتٍ واسعة المجال، بالإضافة إلى النظام الذي عرقل عقد القمة العربية-الإسلامية أكثر من شهر مفسحًا المجال أمام «نتنياهو» لكسب المعركة وحسم القتال. وعلى مدى عقود زمنية يقف هذا المحور في السرِّ مساندًا للدولة الصهيونية مساهمًا في تصفية القضية الفلسطينية، ومن أهم مظاهر انحيازه إلى دولة الكيان وصمه أكبر فصيل فلسطيني -في مرحلة شديدة الالتهاب- بالإرهاب. تحريض اليابان على مساندة الكيان اليابان من أشد البلدان الآسيوية تضرُّرًّا من وحشية الإمبريالية الغربية، ومن هذا المنطلق تحرص على اتخاذ مواقف محايدة إزاء القضايا الخلافية الدولية المتزايدة، أما في ما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني، فإنَّ رغبتها الكامنة في الانتقام من المنظومة الصهيوصليبية تحملها على تأييد الحقوق العربية. وعند ما نفذت كتائب القسام في ال7 من أكتوبر الماضي عملية «طوفان الأقصى» ملقنةً «كيان العدو» درسًا هو الأقسى فقد آثارت «طوكيو» انتظار ما قد يتبلور من ردود أفعال على ذلك الحدث الذي لم يكن -لاستثنائيته- يخطر على بال. وفي الوقت الذي أوشكت أن تنحاز -ما وسعها المجال- إلى جانب مطالب الشعب المعاني من ويلات الاحتلال تعرضت اليابان لضغوط أنظمة عربية ربطت استمرار مصالحها معها بالوقوف في صفِّ «دولة الكيان»، وقد تأكد هذا الموقف المستنكر -في سياق الخبر المختصر المعنون [باحث عماني: دولة عربية نصحت اليابان بالوقوف إلى جانب "إسرائيل"] الذي نشره «عربي21» يوم الأربعاء ال3 من يناير الحالي- بما يلي: (قال الباحث العماني الدكتور «عبدالله باعبود» في برنامج "كل الأسئلة" الذي يبث على قناة "هلا أف أم" العمانية، إنه استغرب الموقف الياباني من الحرب على قطاع غزة، رغم أن مواقف اليابان فيما يتعلق بالنزاع العربي الإسرائيلي إما محايدة أو مع الحق العربي. وأضاف أستاذ كرسي دولة قطر لدراسة المنطقة الإسلامية-جامعة واسيدا-اليابان، أن اليابان صوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة في بداية الحرب ضد القرار الداعي لوقف إطلاق النار في غزة، فاستغربت الموقف الياباني، وأخذت أتساءل عن سر اتخاذه، فاضطررت -خلال تواجده في اليابان- إلى سؤال بعض المسؤولين في وزارة الخارجية اليابانية عن سر تصويت «طوكيو» إلى جانب "إسرائيل". بيد الجواب جاء مزعجًا وصادمًا، فقد قيل لي: "نحن في اليابان لم ننطق بكلمة في بداية الأزمة {7 أكتوبر}، وكنا سننتظر ماذا ستؤول إليه الأزمة، وكيف سيكون موقف الدول العربية، ولكن أتانا الرد من بعض الدول العربية، خصوصًا تلك الدول التي نحن بحاجة لها، بأنهم مع إسرائيل، ولهذا اتخذنا هذا الموقف"). تصريحات «لافروف» والتآمر المكشوف من المسلم به أنَّ تحيز أمريكا وأخواتها الفجّ إلى جانب الكيان الصهيوني في حربه الظالمة ضد سكان غزة على خلفية قيام كتائب القسام بعملية «طوفان الأقصى» قد حمل روسيا على إظهار التعاطف مع الشعب الفلسطيني الذي عُبِر عنه بتبني مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار أسقطه في ال17 من أكتوبر «فيتو» أمريكي، وباستقبال الرئيس بوتين -في 26 أكتوبر- وفدًا من حركة «حماس» تسبب بسحب سفير «كيان العدو» من «موسكو». إلَّا أنّ تصريحات «سيرغي لافروف» وزير الخارجية الروسي في ال28 من ديسمبر الفائت التي اعتبرت "طوفان الأقصى" عملًا إرهابيًّا، واعتبرت «حماس» منظمة إرهابية، وشبهت ما يقوم به «نتنياهو» في غزة بما تسعى روسيا إلى القيام به في أوكرانيا، وأشادت ب"جهود" إسرائيل ومصر لإطلاق سراح الإسرائيليين من حملة الجنسية الروسية لدى حماس، دون الإشارة إلى مبادرة الحركة بهذه الخطوة، وذكَّرت بالتأريخ والشفرة الجينية المشتركين بين كل من روسيا والدولة اليهودية، مستدلةً بأحداث «الهولوكوست» المزعومة، كلها تدعو إلى التساؤل حول تبدل الموقف الروسي من الشيء إلى نقيضه في أقل من ثلاثة أشهر، بيد أنَّ الوقوف على الأسباب يبدد الاستغراب. والحقيقة أنَّ تصريحات «لافروف» التي لا تعكس وجهة نظر فردية جاءت نتاج ضغوطٍ {إماراتية-سعودية}، وقد تأكد هذا المعنى في احتواء مقال الكاتب الأمريكي «توماس فريدمان» المعنون [بعد رحلتي للدول العربية.. هذا ما يقلقني بشأن الحرب على غزة] الذي نشر ترجمته موقع «نون بوست» في ال14 ديسمبر على ما يلي: (إنَّ السعودية والدول الموقعة على اتفاقيات إبراهيم ليست متعاطفة مع حماس؛ وعلى هذا درك «بوتين» -في زيارته الأخيرة للخليج- أنَّ «حماس» لا تمتلك غطاء سياسيًّا عربيًّا، وأنَّ هناك أطرافًا عربية تخشى صعودًا جديدًا لتيار الإسلام السياسي، فعدل موقفه الأول إلى ما يتناسب ورغبة هذه الدول).