حرب الكيان الصهيوني على «قطاع غزة» الفلسطيني هي -بحسب نزوع الشخصيات الاحتلالية- حرب استئصالية إحلالية تهدف إلى اقتلاع الشعب الفلسطيني من جذوره ورميه إلى أيّة بقعةٍ من بقاع المعمورة، لذا سيظل كيان العدوان ينفث عبرها حقدهُ وفجوره، حتى يمنى بهزيمة كبيرة تسحق من تبقى من كبرهِ وغروره. فبخلاف المواجهات الدائرة الآن بين مقاتلي حزب الله والجيش الصهيوني في جنوبلبنان التي توشك أن تتوقف بصفقةٍ سياسية يرعاها الغرب الإمبريالي الذي يولي الوجود المسيحي في البلد الثنائي الديانة اهتماماتٍ ذات معايير قياسية، لا يلوح في الأفق ما يعكس أية جهودٍ منجزة من شأنها التوصل إلى إيقاف وقف العدوان الإسرائيلي الوحشي على «قطاع غزة»، ففي الوقت الذي يسعى الغرب عن بكرة أبيه -وبجدية غير معهودة عنه- إلى وقف المعركة الناشبة في جنوبلبنان خشية أن تتطور إلى حربٍ شاملةٍ تتورط فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤها في مواجهةٍ مباشرةٍ مع إيران التي لا يستبعد أن تجتذب إلى جانبها -عن طريق الإغراءات الاقتصادية- العديد من الحلفاء أو الأعوان الثقيلي الأوزان، لا يولي الغرب الصليبي وقف المجازر الوحشية الصهيونية في حق التجمعات السكانية الفلسطينية التي طوت العام بالتمام الحدَّ الأدنى من الاهتمام، لأنَّ تلك المجازر تتوافق مع أجندته الرامية -على الدوام- إلى استئصال شأفة الإسلام. وبالرغم من أنَّ اتساع رقعة المواجهات بين القوات الصهيونية والمقاومة اللبنانية جاء نتيجة موقف «حزب الله» المساند للمقاومة الفلسطينية وربطه بوقف رشقاته الصاروخية المتواصلة على شمال الأراضي المحتلة -طيلة سنةٍ كاملة- بإيقاف الإبادة الجماعية الآخذة في الحدة والاتساع التي يتعرض لها أطفال وشيوخ ونساء القطاع، فقد تسببت -من ناحية ثانية- بصرف انتباه العالم عن تواصل تلك المجازر بكل ما عهد عنها من وحشية ومن حدة عالية، وقد أشار إلى ذلك -بصورةٍ إجمالية- الكاتب «محمود الريماوي» في مستهل سرديته الرؤيوية المقالية المعنونة [لن يغفر لنا أهل غزّة] التي نشرها في «العربي الجديد» يوم أمسٍ السبت بالفقرات النصية التالية: (مع بدء الحرب على مناطقَ واسعة في لبنان، تشمل قرى الجنوب وبلداته، ومدنًا وبلداتٍ في البقاع، والضاحية الجنوبية لبيروت، وما يتصل بها من مناطق أخرى، مع هذه الحرب الجديدة منذ الأسبوع الثاني من الشهر الماضي {سبتمبر/أيلول}، حرصت دولة الاحتلال في الأثناء على إدامة حربها التدميرية على قطاع غزّة، والتركيز على الكتلة البشرية فيه، ولم يكن ذلك جديدًا في السلوك الإسرائيلي المتوحّش، غير أنَّ الفرق هذه المرّة أنَّ الأضواء اتجهت إلى المسرح اللبناني، بتطوّراته الدامية المتسارعة، مع انحسار الاهتمام بما يُكابده قطاع غزّة المنكوب وأهله المحاصرين بدائرة من النار ومن التجويع والتعطيش، فيما جاءت المواظبة الإسرائيلية على تدمير القطاع والإبادة المنهجية اليومية لأهله بمنزلة رسالةٍ بأنَّ المُستجدَّات النوعية في الجبهة اللبنانية لا تعيق حكومة بنيامين نتنياهو عن مواصلة حربها الكُبرى على الوجود الفلسطيني، بما فيه الوجود البشري. وإذ انشغل العالم أكثر فأكثر بتطوّرات الحرب على لبنان بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، فإنّ الأنظار بعدئذ ومع الردّ الإيراني بمئات الصواريخ على تلّ أبيب، وعلى مراكز عسكرية وأمنية، قد أخذت تتوزّع بين لبنانوإيران، وإلى داخل الكيان الإسرائيلي، وفي المحصّلة، وحتّى تاريخه، فقد توسّعت الحرب إلى حدٍّ كبير، إذ شملت استهداف ميناء الحديدة اليمني، من غير أن تتحوّل حربًا شاملةً. والآن فإنّ الاهتمام يتّجه إلى الخطوة الإسرائيلية المرتقبة ضدّ إيران، وفي ذلك تقول تلّ أبيب إنّ خطوتها اللاحقة تجاه طهران ستكون أكبر من خطوات سابقة، ولكن من دون الاندفاع إلى حرب إقليمية كبيرة، فيما تتواصل الحرب الأولى الأصلية ضدّ قطاع غزّة، وفي نموذج صارخ لإرهاب الدولة، الذي يستهدف المدنيين والمرافق المدنية قبل أيِّ هدفٍ آخر. ويُفسِّر السفير الإسرائيلي السابق في مصر «تسفي برئيل» هذا الجنون المسعور تجاه غزّة وأهلها -مقارنةً بإمكانية قائمة لوقف الحرب على لبنان- بأنَّ "الفرق بين الساحتين أنّ سياسة إسرائيل في غزّة تمليها أيديولوجية، بينما السياسة في لبنان تمليها الاحتياجات العسكرية". فلبنان ليس ذخرًا صهيونيًّا، بل هو ميدان معركة تقليدية يمكن للنصر العسكري فيه أن ينتهي بحلّ سياسي". ويضيف في مقالةٍ له في "هآرتس": "في غزّة، لن يمحو أيُّ نصرٍ عسكريٍّ المهانة التاريخية، وكلّ حديث عن تسوية سياسية يُعَدُّ استسلامًا، فالشرف الضائع فلن يعاد إلَّا بطريقةٍ واحدة هي احتلال غزّة إلى الأبد، وجعلها إقليمًا إسرائيليًّا". وبينما تنشط الدبلوماسية الفرنسية {بدعم أوروبي}، لضمان وقف إطلاق النار والانطلاق إلى تطبيق قرار مجلس الأمن رقم {1701} الدّاعي إلى وقفٍ كاملٍ للعمليات القتالية في لبنان، ووضع نهايةٍ للحرب الثانية بين إسرائيل وحزب الله، مع ترحيب الحكومة اللبنانية بهذه المساعي، فإنّه لا يبدو في الأفق المنظور ما يمكن معه وقف السعار الدموي في استهداف المدنيين العزل في غزّة).