كل الشعوب والأمم تحلم بالوحدة العربية بالرغم مما تعيشه الآن من صراعات مذهبية وعقائدية وعرقية وعراك سياسي وأيديولوجي مُنذ بدايات النصف الثاني من القرن الماضي.. فالشعوب المدجنة المعصوبة العينين عما يدور حولها والمنقادة بدعوى الوصاية الظلية الإلهية أو بدعاوى تسلطية أخرى ستدفع ثمن صمتها باهظاً عاجلاً أم آجلاً، فالأمة بحاجةٍ إلى توسيع مساحة ذاكرتها الجمعية لتعزيز وترسيخ روح الهوية الوطنية وأي عبث أو تحريف بالتاريخ من قبل أصحاب الأهواء والأمزجة المريضة فيه خطر داهم على الأوطان والشعوب، لأن فيه تفتيت للوحدة الوطنية وطمس لروح وجوهر الهوية الإيمانية والثقافية والتراثية.. فنحن في زمن الصراعات والتيارات المؤدلجة، وتجار الذاكرة والعبث بالتاريخ والقيم الثقافية والحضارية والقيمية حيث أصبح الكثير من الناس يبحثون عن قيم ومعالم ثابتة في هويتهم في زمن الحروب والفتن المذهبية مما أدى إلى صناعة تاريخ زائف وفق رؤى متطرفة ومذهبية متشددة.. لقد اصحبنا في زمن الفكر المؤدلج والجماعات المتطرفة فكرياً ودينياً ومذهبياً، وغاب عن حياتنا العنصر الإنساني بسبب الأوضاع المتردية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وبدأنا نبحث عن خزعبلات السياسة والجماعات المتطرفة، ونتخطى آلام الفقر والجوع والحرمان والمعاناة، هكذا تُعبر الشعوب والأمم عن واقعها المؤلم المأساوي، عن حلم لم تجد له مكاناً على أرض الواقع، بل تلاحقها المعاناة والبؤس والفقر في ظل الصراعات المؤدلجة والأفكار المتطرفة، وهذا ما أتاح الفرصة للشيطان الأكبر أن يهيمن على الكثير من دول المنطقة مما ضاعف من كراهية وحقد الشعوب العربية له.. هذا ما أتاح للقوى الدينية المتطرفة فكرياً وعقائدياً مبرراً لشيوع أفكارها بين الدهماء والسوقة وانتقل الصراع إلى عراك دام بين الإسلام والكفر، بالرغم من أن القضية لم تكن إسلاماً ولا ديناً، وإنما كانت مصالح مشتركة، ومنافع متبادلة وسياسة توازن قوى في المنطقة، ولكن أنصار الإسلام السياسي والمذهبي والطائفي جعلوها قضية دينية بحتة تمس جوهر العقيدة الإسلامية يستوجب من أجلها تقديم التضحية والفداء والاستشهاد. أما المؤشر الخطير الذي لاح خطره في سماء المنطقة هو التدخل الصهيوأمريكي في شؤون معظم الدول العربية، وبالأخص فلسطينولبنانوسوريا والسودان وليبيا والعراق والقائمة قد تطول.. كل هذا باسم أو مسمى مساندة الجماعات الدينية المتطرفة والجماعات المتشددة، هذا الواقع المؤلم الذي تخفيه كثير من الدول تحت ذرائع الدفاع عن الأرض والمقدسات، من هنا ندرك خطورة الموقف بكل أبعاده وانعكاساته السلبية على إمدادات النفط العالمية الذي يقود دول المنطقة إلى حرب مذهبية وطائفية شعواء تُهلك الحرث والنسل، وتدفع ثمنها كل شعوب المنطقة من المحيط إلى الخليج.. كل هذه السياسات الرعناء التي سادت معظم دول المنطقة هي نتاج التدخلات الصهيوأمريكية التي كانت بمثابة غطاء لصعود تيارات دينية متطرفة وجماعات الإسلام السياسي سواءً أكان في مصر أو العراق أو لبنان أو سوريا أو ليبيا أو السودان، وهي التي أضاعت الكثير من دول المنطقة وأغرقتها في بؤر الصراعات الدينية والمذهبية، وجعلتها بمثابة أسطورة مأساوية تعيشها معظم شعوب المنطقة بسبب انتشار الفكر الديني التكفيري المتطرف، وهذا ما أدى إلى شيوع سياسة البطش والسطو والقمع بعيداً عن بناء وتنمية ورقي الشعوب والأوطان. صفوة القول: لا يخفى على أحد أن سياسة البطش والقمع لا تُولَّد سوى الأحقاد والكراهية والانتقام، وأن سطوة القوة والبطش ليست هي الحل، وهذا تصور لا يخلو من الطوباوية، بل ستكون خاتمته مأساوية ومفزعة وكارثية.. لذا علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا وشعوبنا، وأن لا نضع على أعيننا نظارات سوداء، ونتجاهل احتياجات ومطالب الشعوب الضرورية والملحة.. فالطوفان قادم لا محالة طالما هناك حكام وزعماء عرب لم يحترموا شعوبهم، ويعاملونهم كالسوائم في البراري.. كل هذا تسبب في إيجاد منظومة عربية هشة غير قادرة على التأقلم مع الأحداث والمواقف التي تمر بها دول المنطقة. فالزمن الذي ينبغي أن يكون فيه العدل والمساواة وإعطاء كل ذي حق حقه لم يحن بعد، ولكن حتماً ستشرق شموسه رغم سواد السحب الداكنة.. ما يؤسف له أن هناك دولاً مازالت منبطحة أفرزت لنا تيارات تلتحف بالدين والأفكار المذهبية المتطرفة، وتقتل وتدمر وتسفك الدماء باسم الإسلام.. والإسلام منها براء.. كلمات مضيئة: أين دور علمائنا الأجلاء بل مفكرونا ومثقفونا لكي يوضحوا لنا خطورة وسلبيات تلك الأفكار المتطرقة على هوية الأمة وعقيدتها وقيمها وثقافتها وتراثها..؟! ما يسود دول المنطقة من سياسات قطرية حمقاء، وصراعات مذهبية متطرفة كان الأولى بهم أن يعدوا سياسات تنموية بديلة قادرة على انخراط الأمة والشعوب في برامج تنموية حافلة بالمنجزات المتباينة على كافة الصعد علمياً وتعليمياً وثقافياً وحضارياً واقتصادياً، فلا نجاة ولا فوز سوى الاعتصام بحبل الله المتين والتمسك بهدى نبينا الأمين، ونهج السلف الصالحين.. فالأمة في غفلة فإن لم تصحُ من غفلتها وسباتها العميق فإن القادم سيكون أدهى وأنكى..!!