في خضم التطورات السياسية والميدانية لملف الأزمة اليمنية، صدر السبت تقرير فريق الخبراء الأمميين، وهو الفريق المكلف باستقصاء الانتهاكات والتجاوزات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، ولكافة المجالات القابلة للتطبيق من القانون الدولي، والتي ارتكبتها جميع الأطراف في النزاع منذ أيلول/سبتمبر 2014، بما في ذلك الأبعاد الجنسانية المحتملة لتلك الانتهاكات. تصدرت جماعة الحوثيين موقعًا مرموقًا في التقرير الذي وثق نشاط الأزمة اليمنية منذ 1 يناير/ كانون الثاني، وحتى ال31 من ديسمبر/ كانون الأول 2021، حيث كشف الكثير من الانتهاكات والأنشطة المشبوهة للجماعة خلال الفترة المنصرفة. كما هو معروف تنوعت أشكال ومظاهر الانتهاكات، وتعددت أوجه الأنشطة المشبوهة التي تورطت بها جماعة الحوثيين، فمن جهة هناك مشاريعها التمزيقية، وأهدافها التي تسعى لا دلجة الهوية اليمنية وفقًا لمبادئ استراتيجية ولاية الفقيه في إيران، حيث اتخذت الجماعة طابعًا متطرفًا لترسيخ مفاهيمها وتثبيت مفردات فكرها الدموي في أذهان المواطنين. والحوثيون يواصلون حملتهم لإلزام السكان بأيديولوجيتهم وممارسة العنف والقمع . يتناول التقرير الحركة الحوثية المتطرفة، والقائمة على التمييز والاضطهاد لأسباب دينية، وما تعرض له اليهود والبهائيون اليمنيون من أشكال الاضطهاد، كما يتناول مشاريع الجماعة التي تهدف لطمس الهوية اليمنية واستبدال عوضًا عنها المذهب الشيعي . اضطهاد ممنهج. يستمر الحوثيون في السعي وراء أهداف ترمي لترسيخ أيديولوجيتهم القائمة على عقيدة طائفية عرقية لتثبيت حكم يقوم على السيطرة الشاملة، وهي المبادئ التي اعتمدت في سبيل تحقيقها مختلف الأساليب المشبوهة دون أدنى تحفظ. ولطالما تزايدت التحذيرات من نتائج السياسة الحوثية الممنهجة والرامية لتغيير الهوية الثقافية والاجتماعية لليمنيين في مناطق سيطرة الجماعة، حيث سارعت منذ لحظة خروجها من معقلها الرئيسي في صعدة للبدء بتنفيذ إجراءات تغيير المناهج الدراسية وإحلال كوادرها في مؤسسات التعليم والمؤسسات الأمنية والعسكرية، إلى جانب تكثيف ما يعرف بالدورات الثقافية التي يتم إخضاع الأطفال والشباب لها في معسكرات مخصصة لهذا الغرض. لم تكتف جماعة الحوثيين بالإجراءات الناعمة التي من شأنها أدلجة الهوية اليمنية المسلمة، بل اتخذت منذ أن سيطرت على العاصمة صنعاء اجراءات وصفت بالقمعية ضد يمنيين لأسباب دينية. حيث أورد تقرير الخبراء توثيق الفريق لحالة الإضطهاد الممنهج الذي يتعرض له اليهود في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وأشار التقرير الى أن "معظم السكان اليهود غادروا اليمن بعد عدة سنوات من الاضطهاد الذي بدأ في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح واشتد عندما استولى الحوثيون على السلطة". وأكد التقرير "الفريق على علم بسبعة أشخاص يهود ما زالوا في اليمن، من بينهم شخص لا يزال محتجزا رغم صدور أمر بالإفراج عنه في تموز/ يوليه 2019 ووثق الفريق أيضا حالتي مسيحيين احتجزهما الحوثيون على أساس انتمائهما الديني". لم يكن اليهود وحدهم ضحايا الفكر الحوثي المتطرف، حيث المسلمين من السنة لهم نصيبهم لصالح نشر الفكر الشيعي وعقائده، حيث برزت عدد من المظاهر المذهبية والثقافية في مناطق سيطرة الحوثيين والتي لم تكن معروفة من قبل مثل الاحتفاء بالمناسبات الدينية الشيعية ومنع الطوائف الأخرى من ممارسة شعائرها كصلاة "التراويح" على سبيل المثال. إضافة إلى التضييق على الأقليات الدينية وتهجير المنتمين إليها مثل البهائيين، والتي تؤكد حقيقة أهداف الممارسات الحوثية التي تندرج في سياق السياسة الممنهجة لتغيير هوية الشعب اليمني وفرض رؤية حوثية أحادية متشددة. حيث قال التقرير "ما تزال الإجراءات القضائية ضد العديد من البهائيين جارية رغم طرد العديد منهم من اليمن، ويتمثل أحد الأهداف في استكمال مصادرة أصولهم وممتلكاتهم". وأشار الى أن "عبد الملك الحوثي اتهم في خطاب ألقاه في آذار / مارس 2021، الأمريكيين بالسعي إلى نشر البهائية والأحمدية والإلحاد في اليمن، من أجل تقويض الإسلام" مؤكدًا أن ذلك "يبين دعما لسياسة الاضطهاد المنهجي". مناهج مزورة. يتواصل عبث جماعة الحوثيين بالمناهج التعليمية في مناطق سيطرتها، ويأتي ذلك في سياق مساعيها لتزييف وعي الأجيال القادمة، وتعبئتهم بالأفكار الطائفية الدخيلة على بلادنا ومجتمعنا، وهي الطريقة التي تضمن لها امتلاء معسكراتها بأطفال وشباب ترمي بهم في محارق الموت. تعد هذه الممارسات المؤدلجة تهديدًا خطيرًا للسلم الأهلي والنسيج الاجتماعي اليمني، ونسف لفرص الحوار وإحلال السلام والتعايش بين اليمنيين. ولطالما كان عبث الجماعة بالمناهج امتداد لنهج الحركة الحوثية منذ انقلابها على الدولة في توظيف العملية التعليمية في الصراع، وتحويل فصول ومقاعد الدراسة إلى مصائد لمسخ عقول الأطفال واستدراجهم وتجنيدهم في جبهات القتال، وتحويلهم إلى أدوات لقتل اليمنيين ونشر الفوضى والإرهاب في المنطقة. تسعى جماعة الحوثيين إلى إحداث تغيير جذري على كافة المستويات الثقافية والاجتماعية والسياسية في اليمن، بهدف ترسيخ أيديولوجيتها القائمة على عقيدة طائفية عرقية لتثبيت حكم يقوم على السيطرة الشاملة وهيمنة ما يسمونه السيد العلم والفئة التي تنتمي إلى عرقه. يصب سلوك الجماعة الحوثية في اتجاه تركيز الثروة والسلطة والنفوذ الديني الطائفي والثقافي لصالح فئة، وتحويل اليمن وكل من فيه إلى أتباع خانعين، ولذلك يتم التركيز على البعد الثقافي لإحداث استلاب شخصية اليمني لصالح ما يطلق عليه الحوثيون الهوية الإيمانية. أن مسارعة الحوثيين في هذا المجال، تفسر إصرارهم على الحرب ورفض أي مبادرة تعيد بناء التوازن وتمكن اليمنيين من بناء دولة المواطنة. ولطالما سعت جماعة الحوثيين لتحقيق أهداف متعددة منها، بناء تنظيم مواز للدولة والمجتمع يكون المتحكم بكل مداخل القوة وبناء تحالفات لصالح التنظيم، بما يمكنه من التحكم والسيطرة وفرض رؤيته الشمولية وجعل الباقي أتباعا للتنظيم الموازي أو حلفاء لشرعنة وجوده، وهذا الأمر يمكنهم من التحكم بالدولة وجعلها خادمة للتنظيم وأهله. فيما تسعى الجماعة المدعومة من إيران بشكل حثيث لتحويل اليمن إلى جغرافيا معادية للعرب لصالح إيران وجعلها بؤرة للتشيع الخميني. وعن جذور سياسة التحويث سعت جماعة الحوثيين منذ اليوم الأول لسيطرتهم على العاصمة صنعاء، ووفق خطة ممنهجة للتغيير الثقافي في البلاد، قائمة على فكرة اجتثاث الخصوم وسياسة حرث الأرض التي تقوم على اقتلاع الأفكار السابقة وزراعة أفكار جديدة غير يمنية وليست لها علاقة باليمنيين. ومن أجل تحقيق أهدافها عملت الحوثيين على عدة محاور في مقدمتها التجويع إلى جانب التركيز على منظومة التعليم ودعم ذلك من خلال نشاط إعلامي واسع عبر وسائل الإعلام والمنابر الدينية والثقافية، بالتوازي مع استهداف الإرث التاريخي اليمني. ليس هناك جهد لمواجهة هذا النوع من الاجتثاث الثقافي، عدا نشاط خجول وبسيط جدا عبر وسائل الإعلام، بالنظر إلى حجم الخطر الحوثي في مجال تجريف الهوية اليمنية والذي يعني إلغاء وجود الشخصية اليمنية، حيث أنك عندما تجتث هوية شعب معين وتستبدل ثقافته بثقافة أخرى فهذا يعني أنك تقضي على وجوده، لذلك يجب أن يكون هناك تحرك حقيقي لمواجهة هذا النوع من الاستهداف الوجودي.