خمسون عاما من الحب والاحترام والتقدير، والوفاء، والمودة والرحمة تربعتي على عرش قلبي الذي كان لك فيه قيمة كبيرة.. خمسون عاما لا أتذكر أبدا أنه حصل بيننا شجار أو خلاف أو مشكلة أو تعارض في الأفكار والرؤى.. خمسون عاما كنت لي الضوء الذي ينير حياتي، وينير دربي، ويمدني بالهداية للوصول إلى السعادة.. خمسون عاما ونحن توأمان وروح في جسدين.. خمسون عاما لم تفرقنا الظروف، ولم تغيرنا العواصف، ولم تستطع صعوبات الحياة الاقتراب من عمق علاقتنا.. خمسون عاما وأنت أجمل الأمهات ليس فقط لأولادك، ولكن كنت أجمل الأمهات لكل من عرفك. خمسون عاما وخبزك الجميل لم ينقطع يوما عنا، وعن كل من طرق بابنا. خمسون عاما من العشق والذوبان الصامت.. كانت أفعالك تعبر عن هذا الغرام. وكنت أنا أيضا أعيشه ، وأحس بكل تفاصيله وواقعه رغم زحمة الحياة والمشاغل. خمسون عاما وأنت منارة للحب، والرحمة والعطف ومساعدة الآخرين، ورمز للطيبة والقيم الرفيعة والكمال الأخلاقي حتى أصبحتي قبلة للكثيرين من أقاربي، وأقاربك، وكل من عرفني وعرفك وأغلب الطلبة من أبناء وأصدقاء أولادك ممن قست عليهم ظروف الحياة.. لقد تعلمت منك الصبر، والصبر الكبير الذي تعلمته منك كان عند مرضك، وإصابتك بالعمى منذ تسع سنوات. ثم إصابتك في السنوات الأخيرة بمرض الفشل الكلوي. هذا الصبر العظيم لا يرزقه الله إلا لعباده الصالحين.. وأنت واحدة من هؤلاء الصابرين، الحامدين، الشاكرين، الراضين بقضاء الله، وقدره.. وصدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم: عندما قال (عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير: إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له).. أااااااه كيف أستطيع بعد رحيلك، وبعد هذه العقود الخمسة أن أواصل رحلة الحياة بنصف واحد .. بعد أن رحل نصفي الآخر.. أااااه لو تعلمين يارفيقة الدرب ماذا فعل بي الفراق ، وماذا فعل بي رحيلك.؟!! وكيف جعل قلبي أكثر حزنا من الرحيل الحزين؟!! أحيانا أجلس مع نفسي وأسترجع حياتنا في ذاكرتي، وأعيشها بكل تفاصيلها منذ اللحظة الأولى، وحتى يوم الرحيل.. لا أزال أتذكر لحظاتك الأخيرة وأنت ترددي اسمي بلسانك الضعيف الذي أثقله التعب.. ولا أزال أتذكر قبل أن تختمي رحلتك بعد ذكر اسمي.. بقولك أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.. بعد هذه الكلمات انطفأ النور من روحي وقلبي، وحياتي، ورحل بعيدا عني وحتى الآن أكاد لا أجد نفسي.. أااااه كم كنت أتمنى أن يكون رحيلي إلى الرفيق الأعلى قبل رحيلك أنت.. وكم أصبحت اليوم أتمنى لو كنت أنت بقيت تشرقي في كل غرف بيتنا مع الأولاد، والأحفاد، وكنت أنا السابق إلى هناك.. أنتظر قدومك بكل سعادة.. أصبحت اليوم وحيدا أشعر بالغربة رغم وجود كل الأصحاب والأحباب حولي.. لكنهم لم، ولن يستطيعوا أن يملأوا فراغ غيابك عني.. بعدك أصبحت أكثر حزنا عليك، ولا أعتقد أبدا أن يجلب لي السعادة بعد رحيلك أحد.. فقدك كسر وحطم كل قلبي، وكل كياني، وترك بعدك إنسانا هو مجرد جسد لا روح له، ولا حياة. بعدك أصبحت الحياة لا طعم لها ولا لون، وأصبح القلب يعيش الضيق كله. أعود للبيت، وألتفت يمينا وشمالا، لعلي أراك أو أسمع نبرات صوتك فلا أجد غير الصمت، والحزن، وأشياء ومكان صامت يذكرني بكل سعادة كنا نعيشها..!! أحيانا أغالط نفسي، وأقول صحيح حضورها الجسدي رحل واختفى، ولكن روحها تسكن قلبي ولن تغيب طووول ما حييت.. ورغم ذلك تفضحني دموع العيون شوقا إليك، وحنينا إلى عودة جسدك إلينا بعمر جديد ليحيي قلوبنا بالسعادة كما كان دائما.. اعاهد الله، وأعاهد تلك الحياة التي عشناها معا أن يبقى حبك مغروسا في أعماق أعماق قلبي، ولن ينزع هذا الحب، وهذا الوفاء إلا من ينزع الروح. رحمك الله أيتها الراحلة الساكنة في روحي. أيتها القاطنة في كل مساماتي. وستظلين أنت الحب الأبدي، وستبقى ذكراك العطرة حية لا تموت.. وستبقين أنت وحدك من أحن إليها، وأشتاق إلى لقائها. وأسأل الله العلي العظيم أن يجمعنا بالجنة كما جمعنا في هذه الدنيا الفانية. وستبقى دعواتي لك دائما، ولن أنساك أبدا أبدا ما حييت.. إلى جنة الخلد.. وهناك أسأل الله أن يجمعنا معا. حتى نلقاه وهو راض عنا. أطلب من كل أحبابي وأصدقائي وكل من لي معزة في قلبه أن يدعو لزوجتي وأم أولادي، ورفيقة حياتي ودربي بالرحمة والمغفرة وأن يسكنها الفردوس الأعلى.. "إنا لله وإنا إليه راجعون". المكلوم اللواء الدكتور/ عبدالعزيز أحمد القدسي