منذ تشكل هياكل السلطة الفلسطينية وهي مضطلعة بمهام أمنية استخباراتية تهدف إلى إفشال العمليات المقاوماتية، بيد أنَّ فشل القوات الصهيونية -على مدى 15 شهرًا من المواجهة- في كسر شوكة المقاومة حملها على دفع هذه السلطة العميلة والأنانية إلى الواجهة بنية وضعها مع المقاومة في أخطر مواجهة فلسطينية بينية. تقديمها المقاومين للاحتلال قرابين لم يعد يخفى على أحد ما هو حاصل -منذ الانطلاقة العباسية الدحلانية- بين أجهزة السلطة الفلسطينية والسلطات الصهيونية من تنسيقات أمنية دائمة للحدِّ من نجاحات العمليات المقاوِمة، وتبادل المعلومات الاستخبارية التي من شأنها تسهيل الاغتيالات التي أودت بحياة العديد من قيادات المقاومة ذات المكانة الاعتبارية، بيد أنَّ مهامها الآخذة على الدوام في الاتساع والتطور باتت من الشمول -منذ حدوث «طوفان الأقصى» في ال7 من أكتوبر- تُلحق بالمشروع الوطني الفلسطيني أفدح الضرر بتجسسها المستمر على المقاومين الفلسطينيين من كافَّة المستويات وموافاة السلطات الصهيونية بأسمائهم، فتسارع -بدورها- إلى اعتقالهم أو قتلهم بصورةٍ تزرع الرعب في قلوب أهلهم، فضلًا عن أنَّ تلك السلطة تتكفل -في بعض الأحيان- بقتلهم نيابةً عن سلطات الكيان، متقدمة إليها بذلك العمل الجبان بما يشبه القُربان، وليس أدلّ على ذلك من تأكيد القيادي بحركة حماس «عبد الرحمن شديد» -بحسب ما ورد في مستهل الخبر الصحفي المعنون [حماس: لدينا أدلَّة على أنَّ السُّلطة سلَّمت الاحتلال معلومات عن مقاومين أدَّت لقتلهم] الذي نشره موقع تليفزيون «عينك على الوطن» يوم الثلاثاء ال24 من ديسمبر- (أنَّ لدى الحركة إثباتات كثيرة جدًّا تدل على أنَّ السلطة الفلسطينية قدمت معلومات حساسة جدًّا عن مقاومين، وسلمت هذه المعلومات للاحتلال الذي قام بمهاجمة المدن الفلسطينية واعتقالهم وقتلهم، مضيفًا -في حوار صحافي- أنَّ "15 شهيدًا سقطوا على يد أجهزة أمن السلطة"، منذ 7 أكتوبر 2023). سلطة مهتمة بنزع سلاح المقاومة ولأنَّ هذه السلطة العميلة تتأثر سلبًا بكل ما تلحقه المقاومة بكيان الاحتلال من ضرر، فهي لا تقل حرصًا عن ذلك الكيان على تجريدها من كل ما يعينها في مواصلة نضالها وكفاحها واضعةً في صدارة اهتماماتها نزع سلاحها الذي يقلق سلطة «أوسلو» بالقدر الذي يقلق سلطات «العدو». فبالرغم من أنَّ سلاح المقاومة موجه دائمًا وأبدا إلى نحور الأعداء، تتذرع هذه السلطة بذرائع شتى لانتزاع ذلك السلاح وتحييده عن ميادين القتال، كما لو كانت هي المستهدف الأول من أيِّ عمل فلسطيني محتمل، فقد حاصرت أجهزة أمن تلك السلطة -بحسب نصِّ الخبر الذي سبق الاستشهاد بشيءٍ منه- (مخيمَ جنين مدةً زمنية تجاوزت 20 يومًا وسط اشتباكات مع المقاومين الرافضين فكرة نزع سلاح المقاومة). ونقلًا عن المصدر ذاته قال «نور البيطار» قائد كتيبة جنين: (كنا قد أرسلنا للأجهزة الأمنية شخصيات من قبلنا للمناقشة والتوصل مع مسؤوليها إلى حل، لكنهم ردوا بعنجهية، مطالبين إيَّانا -بإلحاح- بالتخلي عن السلاح، زاعمين أنهم لن تسمحوا بسقوط أيِّ قتيل في صفوف «إسرائيل»). اضطلاع السلطة باغتيال مقاومي الاحتلال مع أنَّ الفلسطينية التي تطلق على نفسها صفة «الوطنية» تحتكر -قسرًا- تمثيل الشعب العربي الفلسطيني، وتدعي أنها الجهة المخولة بالتحدث باسمه، إلَّا أنها -في حقيقة الأمر- الجهة المساهمة مساهمةً فاعلة في ظلمه وتدجينه أمام سلطات العدو الصهيوني الاحتلالية الغاشمة التي تحرمه من حقوق المواطنة وتسعى جاهدةً لحرمانه من حقِّ الحياة بصفةٍ عامة، بل إنَّ تلك السلطة المتورطة في العمالة للاحتلال لا تألو جهدًا في تتبع حركات المقاومين الفلسطينيين ورصد كافة أقوالهم وأفعالهم مسخِّرةً جلَّ جهودها للعمل على اغتيالهم خدمةً للسلطات الاحتلالية الصهيوإسرائلية التي لا تحفظ لها أيَّ عهد ولا تفي لها بوعد، ولا تتورع عن إظهارها -في أكثر من حالة- مسربلة بثوب العمالة متوجةً بإكليل الخساسة والنذالة. والملاحظ من خلال المواجهات الأخيرة بين أجهزتها الأمنية وبين المقاومين في مخيم «جنين» المتواصلة منذ أكثر من شهرين أنَّ معظم من تصفهم أجهزة السلطة بالخارجين على القوانين وتستهدفهم بالاعتقال والاغتيال هم أشبال المقاومة المطلوبين لسلطات الاحتلال. ترسمها في أكثر من مجال خُطا الاحتلال من نافلة القول أنَّ مهام أجهزة سلطة «محمود عباس» ومهام أجهزتها الأمنية بالتحديد محصورة في التنكيل بالمقاومين الفلسطينيين الذين يمثلون للمصالح الاحتلالية الصهيونية أكبر تهديد، فإنَّ الأكثر لفتًا للانتباه حرص سلطة الحسرة والندامة في مواجهتها الأخيرة مع أبطال المقاومة في «جنين» على تقليد الاحتلال وترسم خُطاه واتباع أساليبه من التنكيل بالمقاومين، فمثلما استخدمت سلطات الاحتلال التجويع ومنع الغذاء والدواء وتدمير المرافق والمنشآت الصحية سلاحًا إباديًّا ضدَّ سكان القطاع، استخدمت «سلطة عباس» ذلك السلاح الإبادي قدر المستطاع، فمنعت وصول الغذاء والدواء إلى الجرحى بقصد الإهلاك والإفناء، كما اتخذت أجهزتها من مستشفى «جنين» ثكنة عسكرية، واعتقلت ما فيه من أطباء اقتداءً منها بسلطات الكيان في ممارساتها الوحشية في كافة مستشفيات القطاع وفي مقدمتها «مجمع الشفاء».