مأرب وتعز.. نموذجان استثنائيان    الرئيس الزُبيدي يصل إلى مطار عتق لافتتاح محطة شبوة الشمسية    إنزال جوي اسرائيلي في سوريا بعد غارات جوية على موقع عسكري    تقرير خاص : صنعاء اليمنية تحترق وعدن الجنوبية تغرق    في احتفالية ذكرى المولد النبوي الشريف تدشين البطولات الرياضية بصالة أهلي صنعاء    "الإعاشة" أصبحت حقًا مكتسبآ لثكالى السياسة والجالسات على أرائك الفنادق    العليمي: جماعة الحوثي باتت حالة ميؤوس منها كشريك لصناعة السلام    البنك المركزي يسحب تراخيص ست منشآت صرافة مخالفة خلال يومين    رئيس الوزراء: الإصلاحات الاقتصادية خيار وطني لا رجعة عنه    مساء اليوم.. المنتخب الوطني للشباب يواجه نظيره السعودي في افتتاح بطولة كأس الخليج    وفاة 6 أشخاص وتضرر أكثر من 1200 أسرة في الحديدة جراء السيول    صحيفة عبرية: اليمن عصيّ على الردع والمعركة المفتوحة جنون    السعودية تهين الأحزاب الموالية لها وتبقي مجلس العليمي في حالة شلل    60 مليار دولار ما نهب عفاش.. كيف سرق الخائن صالح خزينة اليمن؟    قائمة لأغلى 5 لاعبين قيمة سوقية في العالم    فريق درجة رابعة يطيح بمانشستر يونايتد من كأس الرابطة الإنجليزية    أبرز ميزات iPhone 17 Air القادم من آبل    العثور على أحفورة غريبة على ضفاف نهر الفولغا    لمريض ارتفاع ضغط الدم.. ما لا يجب أن يكون على مائدتك    فرق بين من يبني لسعادة البشرية وصعمر متقطع يعيش على فتات النقاط    معاهد الحجوري وأمام معبر امتداد لدور المعاهد العلمية الاصلاحية    دوري ابطال اوروبا: بنفيكا يطيح بفنربخشة    الخامري: كشف الإعاشات نزيف مستمر يهدد حاضر اليمن ومستقبله    أبو شوارب: إغلاق باب الحوار كارثة سياسية.. والتاريخ يحذر من الضربة القاضية    مصدر يكشف ل"يمنات" تفاصيل محاولة اغتيال الصحفي والناشط الحقوقي مجاهد القب    "حماس" ترحب ببيان اعضاء مجلس الأمن ماعدا امريكا لوقف فوري للنار في غزة    وزير الشؤون الاجتماعية يدشّن أنشطة رعاية جرحى العدوان بمبلغ 2.4 مليار ريال    اشتراكي تعز يقدم مبادرة لإصلاح قطاع المياه وإنقاذ المدينة    من النوادر التاريخية.. صدق المواقف    الإفراج عن أكثر من 900 سجين في الحديدة بمناسبة المولد النبوي    البنك المركزي يسحب تراخيص ست منشآت صرافة مخالفة خلال يومين    وزيرا الشباب والتربية يناقشان جوانب التنسيق لإحياء ذكرى المولد النبوي    الأرصاد ينذر من العواصف الرعدية وانجراف التربة وينصح بالابتعاد عن المنحدرات غير المستقرة    الجيش الإسرائيلي يعلن وصول صاروخ من اليمن    اكتشاف سلالة بشرية غير معروفة من قبل في كولومبيا    وفاة 3 أشخاص بصواعق رعدية في ريمة والحديدة وقطع طريق رئيسي في المحويت    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يعقد لقاء موسع حول التعليم بالضالع، يفضي إلى تعليق الإضراب واستئناف الدراسة    مجلس الشورى يحيي ذكرى المولد النبوي الشريف    دائرة التوجيه المعنوي تحتفي بذكرى المولد النبوي الشريف    تسليم خمس معدات زراعية لهيئة تطوير تهامة بتكلفة 240 مليون ريال    الحوثيون يضيئون مقابر قتلاهم ويغلقون المتحف الوطني بذريعة فواتير الكهرباء    25 دولة تعلق خدمات البريد مع الولايات المتحدة إثر رسوم ترامب    منظمات إغاثية: أكثر من 100 ألف يمني تضرروا من السيول    منتخب المغرب يضرب موعداً مع مدغشقر في نهائي كأس أمم إفريقيا للمحليين    أصبحت منطقة منكوبة..سيول مدمرة تضرب جبل حبشي    حين غسلت الغيوم وجه صنعاء    شباب مخدوعون بثقافة ترى أن أوروبا هي الجنة    السفير الأصبحي يستقبل رئيس الاتحاد العربي للرياضات المائية خالد الخليفي    إعلان القائمة النهائية للمنتخب الأولمبي المشارك في تصفيات كأس آسيا    الحوثيون يضيئون مقابر قتلاهم ويغلقون المتحف الوطني بذريعة فواتير الكهرباء    إغلاق 18 منشأة صحية وصيدلية مخالفة للتراخيص والأسعار بشبام    محافظ عدن يناقش تنفيذ مشروع الممر الآمن لتصريف السيول    مصر تعلن عن اكتشاف استثنائي وتاريخي تحت الماء    أطعمة تمنع تكون الحصى في الكلى    يا مُسَلّي على خاطري..    هيئة الأدوية تبدأ العمل بالتسعيرة الرسمية الجديدة لضبط الأسعار وضمان توفره    -    زاوية صحية: التهاب الجهاز التنفسي (العلوي )    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محور الجهاد والمقاومة يفرض نفسه لاعباً في ساحة الكبار
نشر في 26 سبتمبر يوم 23 - 06 - 2025

لم يكن الوطن العربي في أي مرحلة من تاريخه الحديث مجرد مسرح للصراع بين القوى الدولية، بل كان على الدوام عنصراً فاعلاً في صياغة التوازنات العالمية، سواء من خلال موقعه الجغرافي الفريد،
أو من خلال دوره في معادلات الطاقة والتجارة الدولية، أو من خلال مكانته الرمزية في وعي شعوب العالم الإسلامي. وفي ظل التحوّلات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، يبرز الوطن العربي مجدداً كلاعب مركزي في رسم ملامح نظام دولي جديد يتسم بالتعددية القطبية وتراجع الهيمنة التقليدية.
خلال العقود الماضية، سعت الولايات المتحدة إلى فرض نظام أحادي القطب، تمحور حول إحكام السيطرة على الممرات البحرية والثروات الاستراتيجية، وجعل "أمن الكيان الإسرائيلي" محوراً ثابتاً في السياسة الأمريكية بالمنطقة. غير أن العقود الثلاثة الأخيرة، رغم ما شهدته من اجتياحات عسكرية وفرض وقائع سياسية عبر القوة، كشفت في النهاية حدود هذا النموذج وأبرزت هشاشته أمام قوى صاعدة غير تقليدية تمتلك أدوات مختلفة للصراع، تعتمد على العقيدة والصبر والتكتيك غير المتماثل، أكثر مما تعتمد على السلاح المتفوق.
ما بعد "طوفان الأقصى" مثّل نقطة تحوّل تاريخية في هذا السياق. فقد أظهرت المواجهة أن قوة الكيان الإسرائيلي تآكلت، وأن الردع الذي لطالما ارتكزت عليه عقيدته الأمنية قد تم تحطيمه من الداخل. نجاح فصائل المقاومة في إدارة المعركة بمرونة فائقة، وتمكنها من فرض قواعد اشتباك جديدة، واستخدامها المتقن للوحدة الجغرافية للمواجهة من غزة إلى الضفة، ومن لبنان إلى اليمن كشف عن جبهة متماسكة تملك من وسائل التأثير ما يُربك حسابات القوى العظمى قبل الإقليمية.. أما سقوط النظام السوري، الحليف التقليدي لروسيا، فقد كشف عن حدود القدرة الروسية في حماية شركائها، وأعاد طرح سؤال محوري: ما مدى استعداد موسكو للانخراط في صراع طويل ومعقّد في منطقة لا تملك فيها القدرة على التفوق النوعي؟ الغياب الروسي عن الرد أو الحسم، ترافق مع انشغالها في صراعاتها الأوروبية، عزز من صورة انكفاء الدور الروسي في الشرق الأوسط، وأعاد تموضع بعض الدول الإقليمية في خانة البحث عن بدائل ضامنة.
في المقابل، برزت اليمن كقوة صاعدة ذات طابع إقليمي، قادرة على فرض معادلات ردع بحرية وسياسية وعسكرية في آن واحد، العدوان الثلاثي (الأمريكي- البريطاني- الإسرائيلي) على اليمن، ورغم كثافته واستمراره لأسابيع، انتهى دون تحقيق أهدافه الاستراتيجية، بل فرضت صنعاء معادلة جديدة: وقف العمليات ضد السفن الأمريكية مقابل وقف العدوان، دون المساس بالعمليات الموجهة ضد الكيان الإسرائيلي، وهي سابقة نوعية في طبيعة الاشتباك الإقليمي، تؤكد أن اللاعبين غير التقليديين باتوا اليوم من يصنعون "الخطوط الحمراء"، ويحددون شروط التهدئة والمواجهة.
العدوان الإسرائيلي على إيران بدوره شكّل اختباراً لقدرة طهران على الصمود والردع، الردّ الإيراني لم يكن تقليدياً، بل كسر كل التوقعات الغربية: صواريخ دقيقة، كثيفة، وصلت إلى عمق الأراضي المحتلة، أربكت الدفاعات الإسرائيلية وكشفت عن خلل استراتيجي في منظومة الردع التي بنت عليها تل أبيب تفوقها طوال العقود الماضية، هذه المواجهة لم تُسقط فقط صورة "إسرائيل التي لا تُقهر"، بل أجبرت واشنطن والعواصم الغربية على التريّث، بعدما تبيّن أن التدخل العسكري المباشر بات محفوفاً بمخاطر حرب شاملة يصعب التحكم بمسارها.
وسط هذا المشهد المتغيّر، يبدو أن ميزان القوى الإقليمي لم يعد بيد القوى التقليدية، بل بات يتوزع بين قوى مرنة وعقائدية، تمتلك شبكات دعم وتحالفات ممتدة من طهران إلى صنعاء، ومن بغداد إلى بيروت، ومن غزة إلى البحر الأحمر، محور الجهاد والمقاومة، الذي طالما قُدّم بوصفه هامشياً أو فوضوياً، يتقدم اليوم إلى واجهة التأثير الإقليمي والدولي، لا بوصفه حركة رفض فحسب، بل كمشروع ردع واستراتيجية متكاملة تفرض حضورها على طاولات القرار الدولي.
في هذا الإطار، تبدو الهيمنة الأمريكية في تراجع بنيوي، لا لأسباب داخلية فقط، بل لأن أدواتها القديمة لم تعد مجدية في التعامل مع واقع عربي- إسلامي تغير جذرياً. لم تعد واشنطن قادرة على ضمان أمن الكيان الإسرائيلي، ولا على تطويع القوى المحلية، ولا حتى على حشد توافق دولي في حروبها المستعجلة، أما إسرائيل، التي كانت تُقدّم باعتبارها القوة الإقليمية الأهم، فهي اليوم تعاني أزمة ثقة داخلية وارتباكاً استراتيجياً بعد انكشاف حدود قوتها أمام صواريخ المقاومة وطائراتها المسيّرة.
أما إيران، فقد أثبتت أنها لم تعُد لاعباً إقليمياً فقط، بل قوة مرشحة لتكون فاعلاً دولياً وازناً، تملك من المقومات الاقتصادية والاستراتيجية والعسكرية ما يؤهلها لذلك، كما تملك شبكة من الحلفاء أثبتت أنها أكثر تأثيراً من الجيوش النظامية في بعض المناطق، تطورها في مجالات الصواريخ والمسيّرات والقدرة النووية، يجعل منها دولة ردع إقليمي، بينما تحالفاتها مع روسيا والصين تفتح لها أبواباً إضافية في النظام العالمي المتعدد الأقطاب.
لقد أثبتت التطورات الأخيرة أن الوطن العربي ليس هامشاً جغرافياً في صراع الكبار، بل ساحة إنتاج موازين القوة الجديدة، فكما كان مركز الصراع، هو أيضاً اليوم أحد روافع التحول في النظام الدولي، والمقاومة التي طالما نُظر إليها باعتبارها اضطراباً مؤقتاً أصبحت اليوم جزءاً أساسياً من معادلة الاستقرار والتغيير، وباتت اليوم تُدير مصالحها من موقع قوة.
التحول الجاري ليس نهائياً، ولا يخلو من التحديات، لكنه واضح في ملامحه: الهيمنة الأميركية تتآكل، النفوذ الإسرائيلي يتراجع، الدور الروسي يتضاءل، فيما يتقدم محور الجهاد والمقاومة ببطء ولكن بثبات، ليعيد صياغة المعادلات من جديد، وفي كل ذلك، تبقى المنطقة العربية هي قلب الصراع، ومفتاح التوازن، وساحة إعادة التشكيل الكبرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.