مؤسسة الاتصالات تعلن بدء بيع وتوزيع أجهزة وباقات الإنترنت الفضائي "ستارلينك"    إصابات إثر تصادم باصين للنقل الجماعي بمحافظة حضرموت    دولة هائل سعيد انعم.. نهبت الأرض والثروة ومعاقبتها مطلب شعبي    أوساخ وقاذورات سجن الأمن السياسي في مأرب تسوّد صفحات وسائل التواصل الاجتماعي    عدن.. البنك المركزي يحدّد سقف الحوالات الخارجية للأغراض الشخصية المُرسَلة عبر شركات الصرافة    البنك المركزي يوقف تراخيص أربع شركات صرافة لمخالفتها الأنظمة    من شبوة بدأت الدولة    شوقي هائل سعيد انعم يقتل الشعب ويشرب دمائهم لحصد المليارات    أصحيح هذا.. قائد عسكري كبير يسخر طقم مسلح لحماية مطعم متمرد على الأسعار    مليشيا الحوثي تختطف ثلاثة معلمين بينهم مدير مدرسة في إب    جراء الهجمات الحوثية.. "ميرسك" ترفع رسوم الشحن في البحر الأحمر    جريمة مروعة.. مواطن يقتل 4 من عائلة زوجته في إب ويصيب آخرين ويلوذ بالفرار    أيادي العسكر القذرة تطال سينما بلقيس بالهدم ليلا (صور)    النائحات المستأجرات    إب.. جريمة قتل مروعة أسفرت عن سقوط سبعة ضحايا    الدكتور الترب يعزي اللواء معمر هراش في وفاة والده    تهديدات ترامب للهند تهوي بأسعار النفط    نيمار يوجه رسالة إلى أنشيلوتي بعد ثنائيته في الدوري البرازيلي    اكتشاف حياة غريبة في أعماق المحيط الهادئ    «سيدات النصر» .. لياقة وسرعات    57 مليونا تفصل «روشن» عن دخول نادي الدوريات المليارية    اختفاء قيادي في حزب البعث وسط ظروف غامضة في صنعاء    مودريتش: بطولات الريال لم تخمد حماسي    اليمنيون.. أسياد البحر والجو في زمن الخنوع العربي    حمدان: العدو الصهيوني يتحمل مسؤولية حياة أسراه    ( ليلة أم مجدي وصاروخ فلسطين 2 مرعب اليهود )    توجيه الرئيس الزُبيدي بتكريم أوائل الثانوية.. تقدير واحتفاء جنوبي بالعلم والتفوق    الحكومة تجدد تأكيدها: الحوثيون حوّلوا المساعدات الدولية إلى أداة تمويل لحربهم    التفتيش القضائي يقر نزولا لمتابعة القضايا المتعثرة    جهود خليجية للإفراج عن بحارة محتجزين في صنعاء    غدا الثلاثاء .. انطلاق المعسكر الإعدادي لمنتخب الناشئين    اتحاد إب يتعادل إيجابيا مع أهلي تعز في ختام الأسبوع الأول في بطولة بيسان الكروية الأولى    الحديدة: فريق طبي يقوم بعمل معجزة لاعادة جمجمة تهشمت للحياة .. صور    عدن.. البنك المركزي يوقف تراخيص أربع كيانات مصرفية    رئيس الوزراء: الأدوية ليست رفاهية.. ووجهنا بتخفيض الأسعار وتعزيز الرقابة    الجماعي يطلع على سير أداء اللجنة المشتركة واللجان البرلمانية الدائمة    ميسي يغيب عن الملاعب لمدة غير محددة نتيجة إصابة عضلية    تضامن حضرموت يتعاقد رسميا مع المدرب السعودي بندر باصريح    تضهر على كتفك اعراض صامته..... اخطر انواع السرطان    الأمم المتحدة تعلن ارتفاع حصيلة ضحايا غرق قارب مهاجرين باليمن    سلطة التكنولوجيا هي الاولى    حضرموت التاريخ إلى الوراء    تدشين فعاليات وانشطة الاحتفاء بالمولد النبوي بذمار    رئيس هيئة الإعلام والثقافة يعزي في وفاة المخرج الإذاعي سعيد شمسان    الأرصاد الجوية تحذّر من أمطار رعدية في عدة محافظات    رئيس جامعة إب يتفقد سير الأداء بكلية العلوم التطبيقية والتربوية والكلية النوعية بالنادرة والسدة    تعز تتهيأ مبكرا للتحضير للمولد النبوي الشريف    مناقشة الإعداد والتجهيز لإحياء فعاليات ذكرى المولد في إب    صومالي وقواذف وقوارير المشروبات لإغتصاب السجناء وتعذيبهم في سجون إخوان مأرب    عدن .. البنك المركزي يحدد سقف الحوالات الشخصية    رجل الدكان 10.. فضلًا؛ أعد لي طفولتي!!    توظيف الخطاب الديني.. وفقه الواقع..!!    إعلان قضائي    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    مرض الفشل الكلوي (15)    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غزة؟
نشر في 26 سبتمبر يوم 02 - 08 - 2025

في خضم تزايد الضغوط الدولية على إسرائيل بشأن تفاقم أزمة الجوع في قطاع غزة، بدت زيارة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف إلى رفح جنوبي القطاع وكأنها محاولة مرتّبة بعناية لالتقاط الصورة لا لمعالجة الكارثة.
فالزيارة التي وصفت بأنها لمنح الرئيس الأميركي دونالد ترامب فهما واضحا للوضع الإنساني تحولت في نظر محللين إلى فصل جديد من فصول هندسة الرواية الأميركية الإسرائيلية، التي تعيد إنتاج الأزمة كخلفية لإظهار "الجهود الإنسانية" في ظل صمت مطبق عن مسؤولية الاحتلال الفعلية في تجويع الغزيين وقتلهم أثناء انتظار المعونات.
المشهد بدا من البداية أقرب إلى "مسرحية ميدانية" منها إلى تفقد ميداني حقيقي، كما وصفها الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني وسام عفيفة، الذي رأى في الجولة الخاطفة لوفد يتقدمهم ويتكوف والسفير الأميركي لدى تل أبيب استعراضا صوريا يراد به تأثيث السردية الأميركية لا تفكيك الواقع.
فغزة، كما قال ليست بحاجة إلى من "ينقل مشاهد الجوع"، بل إلى من يعترف بأن التجويع سياسة ممنهجة ومقصودة تُدار عبر "مؤسسة غزة الإنسانية"، التي تحولت بنظره من جهة توزيع إلى أداة حرب ووسيلة تهجير عبر أقفاص الموت.
هذه المؤسسة التي امتدحها السفير الأميركي مايك هاكابي بوصفها تقدم "مليون وجبة يوميا"، لم تسلم من الانتقادات الدولية، بل كانت محور اتهامات موثقة من منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش، التي أكدت أن المساعدات توزع في مناطق تتحول إلى مسارح دم يومية بفعل إطلاق النار الإسرائيلي.
ويبدو أن صمت ويتكوف وتجاهله لهذه الحقائق في زيارته لم يكن عفويا، بل جزءا من سردية رسمية تتجاهل جذور المأساة، وتبحث عن سرد جديد يدير الأزمة دون معالجتها.
في المقابل، لم تخلُ مواقف الإدارة الأميركية من التناقض، فالرئيس ترامب، وفي تعليقات تالية للزيارة، عاود تكرار اتهامه لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالمسؤولية عن "نهب المساعدات"، في حين ظل صامتا بشأن التقارير الدولية المتزايدة التي تحمّل إسرائيل مسؤولية التجويع المتعمد.
هذا التناقض، بحسب الدكتور مهند مصطفى، الخبير في الشأن الإسرائيلي، يندرج في إطار "تسييس أخلاقي مفرغ من المضمون"، إذ يجري تحويل النقاش من مسؤولية الاحتلال إلى ادعاءات بلا أدلة تُوظّف لنزع الشرعية عن الفلسطينيين ومقاومتهم..ما يعزز هذه القراءة هو أن الرواية الأميركية الرسمية لا تزال تعوّل على مؤسسة وحيدة تموّلها واشنطن وتل أبيب في توزيع المساعدات، في وقت تُقصى فيه منظمات الأمم المتحدة والمساعدات الدولية من المسار.
واللافت أن تصريحات ويتكوف لم تُشر من قريب أو بعيد إلى اللقاء بأي جهة فلسطينية، سواء من الأهالي أو مؤسسات المجتمع المدني، وهو ما رأى فيه عفيفة تجسيدا لعقلية استعمارية حديثة تعيد مشهد "الرجل الأبيض الذي يوزع الطعام على الجياع" في إطار من الفوقية والإذلال.
وبينما تنشغل واشنطن بتجميل صورتها من بوابة "إيصال الغذاء"، تبرز أصوات من داخل أميركا وإسرائيل ذاتها تتهم تل أبيب بارتكاب إبادة جماعية، وتصف سياسات التجويع بأنها وصمة عار أخلاقية.
الروائي الإسرائيلي البارز ديفيد غروسمان، الذي فقد نجله في حرب لبنان عام 2006، عبّر عن ذلك بوضوح حين قال إن "ما يجري في غزة لا يمكن لشعب مرّ بالمحرقة أن يقبله"، بينما تظاهر في نيويورك، يهود أميركيون للتنديد بسياسة تجويع الغزيين، مؤكدين أن هذه المجاعة لا يمكن تبريرها باسم اليهودية أو إسرائيل.
هذا التململ في الداخل اليهودي لا يُغيّر كثيرا من المعادلة على الأرض، كما يشير مهند مصطفى، لكنه يسهم في تفكيك الخطاب الذي طالما وظّف معاداة السامية لقمع أي انتقاد لسياسات الاحتلال.
فحين تنتقد أصوات يهودية من الداخل سياسات التجويع والقتل، تفقد إسرائيل تدريجيا القدرة على شيطنة خصومها بوصمهم باللاسامية، وتُدفع نحو مواجهة أسئلة أخلاقية عميقة باتت تتردد في المنابر الدولية.
وفي هذا السياق، يرى المستشار السابق للأمن القومي الأميركي مارك فايفل أن زيارة ويتكوف لن تُسفر عن تحول جذري، لأنها افتقرت للخبراء وللخطة الواقعية، مشددا على أن الولايات المتحدة بحاجة إلى فرق متخصصة وليس إلى دبلوماسيين يلتقطون الصور.
فايفل لم يتنكر للرواية الأميركية الإسرائيلية بتحميل حماس المسؤولية عن بعض الحالات، لكنه أكد أن المشكلة الجوهرية هي استمرار المأساة دون مبادرات حقيقية لأجل وقف إطلاق النار أو إنشاء آليات فعالة لإيصال الغذاء والدواء.
تحت هذا الواقع، تظهر المبادرة الأميركية كجزء من "إدارة للأزمة" لا لإنهائها، وهي إدارة تتوازى مع إستراتيجية إسرائيلية تقضي بالإبقاء على الوضع في غزة تحت الحد الأدنى للحياة، عبر تقييد دخول المساعدات وإدامة الفوضى المجتمعية، كما أشار عفيفة.
فالجوع هنا ليس عرضا، بل أداة لإعادة تركيب البنية الاجتماعية، وإنتاج مشهد من الفوضى المنظمة التي تضعف تماسك الفلسطينيين، وتخلق ما سماه ب"تجار الحرب" و"العصابات"، مما يُحوّل المجاعة من كارثة إنسانية إلى مشروع سياسي كامل.
هذا "المشروع" يرتبط، بحسب تصريحات مشاركين في الحلقة، برؤية إستراتيجية أميركية-إسرائيلية تسعى لتثبيت منطقة عازلة تتحكم بها منظومة أمنية وإنسانية هجينة، لا تخلو من الطابع العسكري، بل تُبنى على تكنولوجيا السيطرة الميدانية من دون احتلال مباشر.
وهو ما عبّر عنه لاحقا مفوض الأونروا فيليب لازاريني حين قال إن الحل الحقيقي ليس في الإسقاط الجوي الباهظ عديم الجدوى، بل في فتح المعابر وإغراق القطاع بالمساعدات، وهو المطلب الذي تتجاهله تل أبيب وتلتف عليه واشنطن بمؤسسات بديلة مشبوهة التمويل والدور.
على المدى القصير، لا تبدو إسرائيل مقبلة على مراجعة جذرية، كما يرى مهند مصطفى، حتى في ظل أصوات معارضة داخلية متزايدة، فالمجتمع الإسرائيلي، برأيه، لا يعترف أصلا بشيء اسمه النكبة الفلسطينية ولا بمسؤولياته التاريخية.
لكن على المدى البعيد، فإن إسرائيل والولايات المتحدة معا قد تدفعان ثمنا باهظا في ميزان الشرعية الدولية، بعدما أصبحت سردية الضحية تواجَه بتساؤلات العالم حول من يصنع الجوع، ومن يلتقط الصور فوق الركام، حسب تقديره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.