كان للإعلام دور كبير في فضح الرواية الإسرائيلية ومبرراتها، وكانت الصور والتقارير والمشاهد التي ينقلها هؤلاء المراسلون أقوى بكثير من أن تغطي عليها رواية الاحتلال الإسرائيلي المجرم ولقد اشتهر صحفيون عبر العالم غطوا حروبا وكوارث إنسانية لم يصلوا إلى معشار شجاعة أنس، لقد تمسك برسالة الصحافة المهنية رغم الخطر المحدق وبث التقارير المباشرة من وسط النار ومن بين شظايا صواريخ الطائرات الحربية. الاحتلال الإسرائيلي قتل في غزة وحدها أكثر من 237 صحفيا منذ 7 أكتوبر 2023م، واستهدف بشكل مباشر كل رموز المجال الإعلامي وأيقوناته ومقراته، في محاولة لمنع وصول تأثيرهم في الوعي العالمي والإقليمي، وقد تعامل الاحتلال الإسرائيلي مع أنس الشريف، ومن قبله إسماعيل الغول، ووائل الدحدوح، وشيرين أبوعاقلة كأيقونات للإعلام في غزة والضفة، لا بد أن يتم إعاقتها سواء من خلال التهديد، أو الاستهداف المباشر. إن اغتيال دولة الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين في غزة، وعلى رأسهم أنس الشريف، ومحمد قريقع ينتمي لاستراتيجية ممنهجة لحجب الحقيقة ومنع رواية المظلومين من الخروج للعلن، وجعل الفضاء الإعلامي خاليا إلا من رواية مضللة لرئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو وائتلافه الحكومي، الذي يريد تبرير جرائمه، وإنهاء أي مصدر إزعاج لهذه الرواية. فبعد ذلك لجأ الاحتلال إلى حملة تحريض واسعة على أنس أشرفت عليها لجان استخبارية وإعلامية، وهو ما أطلق عليه أنس نفسه "محاولات إسكاته"، حيث وصف أنس الشريف اتهامات إسرائيل له بالإرهاب، بالتحريضية ومحاولة إسكاتي، في مسعى لوقف تغطيتي عبر شاشة الجزيرة، ومواقع التواصل الاجتماعي"، وفي تحدٍ واضح لسياسة الاحتلال وشجاعة مشهودة، كتب أنس حينها "رسالتي واضحة لن أصمت، لن أتوقف وصوتي سيبقى شاهدا على كل جريمة، حتى تتوقف هذه الحرب في أقرب وقت". اغتال جيش الاحتلال الإسرائيلي الصحفي أنس الشريف و5 آخرين في وقت متأخر من مساء يوم الأحد 10 أغسطس 2025م بعدما استهدف خيمتهم قرب مستشفى الشفاء في مدينة غزة. حاول الاحتلال طمس الحقيقة من خلال استخدام التهديد ضد أنس الشريف ورفاقه، واستخدام التحريض، ونشر الاتهامات الزائفة ضدهم، وقد نشر الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي تحريضا مباشرا على أنس في أغسطس 2024م مدعيا علاقة أنس بحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وأن أنس يمثل مسرحية إعلامية كاذبة لا تمت لسكان غزة بصلة، وحتى اللحظات الأخيرة من استشهاده ذكر أكثر من صديق له أن أنس كان على علم بجدية التهديدات الإسرائيلية، لكنه بقي محافظا على واجبه تجاه قضيته وشعبه، ودوره في نقل الحقيقة، فقد كان واضحا أن دور أنس الصحفي المهني يشكل مصدر إزعاج حقيقي وكبير لدولة الاحتلال الإسرائيلي التي لا تريد أن تخرج الحقيقة إلى الفضاء العام، فقد بقي في شمال قطاع غزة وغطى عملية إجبار آلاف النساء والأطفال على النزوح من شمال قطاع غزة وسط طرق محفوفة بالموت تنفيذا لخطة الاحتلال. فبعد أن أقر المجلس الأمني المصغر لحكومة الاحتلال الإسرائيلي خطة لاحتلال مدينة غزة، فإن دور أنس ورفاقه في تغطية الحقيقة ونقلها للعالم أريد له أن يغيب ويطمس، خاصة مع الدور الكبير الذي تم القيام به من أنس الشريف ومحمد قريقع خلال الأشهر الماضية التي ترافقت فيها حرب التجويع على قطاع غزة مع الضغط العسكري في عمليات عربات جدعون التي فشلت في تحقيق أهدافها، وكان يغطي الأحداث بمهنية عالية والتحام كامل مع البيئة التي كان يمثلها بشكل حقيقي وليس مجرد ناقل لها، لقد كان ينقل أحداث المجاعة وهو جائع وأحداث النزوح وهو مقيم في خيمة نزوح وينقل أخبار الشهداء وهو ابن الشهيد وصديق الشهداء. لقد أوصل أنس الشريف رسالته وكتب وصيته بفعله قبل قلمه ولهذا فإن تضحيته هي نموذج لكل الصحفيين الشباب في غزة وفلسطين والعالم، وهذه البطولة غير المسبوقة في فترة قصيرة من سيرة حياة صحفي تشكل مصدر إلهام لا يمكن إطفاؤه، ولن يزيد اغتيال أنس في الإيمان بهذا النموذج إلا اتساعاً وانتشاراً.