الأمة اليوم في غفلة من أمرها في حالة بطر توهان وضياع، ومما يؤسف له أن الخطاب الديني باختلاف مصادره ومشاربه قد أسهم وبشكل غير مسبوق في خلط الأوراق، وتناسى إشاعة قيم الرحمة والمحبة والسلام والتسامح والتعايش والحوار الجاد، وتهافت الإنسان وراء مغريات الدنيا الفانية، وحبه الجم للجاه والمال والثروة، ونزعة التسلط والقهر والاستعباد فهم فرحين بما آتوا، متباهين بما ملكوا من قوة ولسان حالهم يقول: (من أشد منا قوة) وتناسوا قول المولى القدير: (أو لم يروا أنَّ الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوةً وكانوا بآيتنا يجحدون) فصلت (1). فالله عز وجل توعد المتجبرين الفاسدين في الأرض بعذاب أليم، كما جاء في قوله تعالى: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) سورة هود (102).. فالمؤمن يعلم علم اليقين أن الله أقام هذا الكون على نواميس ثابتة راسخة، وقوانين ماضية بها ينتصر للضعيف من القوي، وللمظلوم من الظالم، وصدق المولى القدير: (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون)، ومن حكمة الله عز وجل أن جعل هؤلاء المتجبرين العصاة في الأرض بغير الحق إنما هو شأن إلهي يمضيه على أهل الأرض بإرادته وقدرته وما كانت أمريكا وحلفاؤها وأهل الأرض جميعاً ليعجزوا الله في أرضه، وصدق المولى عز وجل: (وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير)، فليفعل المتكبرون والفاسدون في الأرض ما شاءوا من ظلم وفساد وتنكيل بعباد الله من المستضعفين في الأرض، فإنهم لن يستطيعوا أن يغيروا قدراً من أقداره، أو أمراً من أوامره، مصداقاً لقوله تعالى: (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون)، وإننا على يقين من عدل الله ورحمته، ونعلم علم اليقين أن الله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب أو حسب، وأن أحداً لم يكبر في ميزانه مهما كان إلا بالتقوى والعمل الصالح، ولنا في قصص الأمم السابقة دروس وعبر عندما غدروا وخانوا وحرفوا أنزل الله عليهم غضبه وعذابه، وصب عليهم نقمته وسلط عليهم من أعدائهم من يسومهم سوء العذاب ومن هنا حقت عليهم كلمة الله فأزال دولتهم وكسر شوكتهم واستبدل بهم قوما آخرين، وهكذا سنة الله في خلقه.. وفي ظل هذا النموذج الإيماني فتحت المدائن، ودانت لهم الرقاب، وألقت الأرض بين أيديهم بكنوزها وخيراتها وثرواتها، فانشغلوا بزخارفها وزينتها، وتحولت من أيديهم إلى قلوبهم، فتنازعوها حتى دب فيهم داء الأمم السابقة، وصارت ولأية المسلمين مغنماً وصارت الزكاة مغرماً، إن الأمة اليوم تدفع ثمن تفريطها في دينها وتعطيل منهج ربها، وما يقع لها اليوم من مآسِ وخطوب وفتن على أيدي أعدائها من ابتلاء ومحن، إنما هو تمحيص وتنقية لشوائبها وتصفية من أدعيائها الخائنين العملاء مصداقاً لقوله تعالى: (ولنبلونكم حتى يعلم المجاهدون منكم والصابرون). والمتأمل اليوم لواقع الأمة واقع كارثي، وما تدفعه الأمة اليوم من دماء زكية وأرواح طاهرة وجوع وحصار وتعذيب كل ذلك بمثابة وصل لتيار الإيمان ليسري في الأبدان ليبعثها من جديد بروح أقوى وإيمان راسخ في القلوب. صفوة القول: قال أحد الصالحين: أصلحوا أموالكم التي رزقكم الله، فإن إقلالاً في رفق خير من إكثار في خرق وقال حكيم: إن في إصلاح الأموال سلامة الدين وجمال الوجه وبقاء العز، وصون العرض، وقال: عبدالله بن عباس: "أطلبوا الغنى بإصلاح ما في أيديكم فإن الفقر مجمع العيوب".. من هنا نحن مطالبون بالعمل القرآني الرشيد بعيداً عن ثقافة الإقصاء والتطرف والغلو وإلغاء الآخر استجابة لقول المولى القدير: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلك وصاكم به لعلكم تتقون) الأنعام (4).. إذن على مسؤولينا تنمية الناشئة وفق القيم الدافعة إلى الحق والخير، وليس غرس الكراهية والشحناء بين أبناء الأمة.. كلمات مضيئة: القرآن الكريم وضع بين أيدينا منهجاً قويماً متكاملاً للحضارة الراقية والعيش الكريم، فالحضارة تعني الإنسان والكون والحياة، فالإنسان ذلك المخلوق المكرم على سائر المخلوقات والكائنات قد شرفه الله بالخلاف ة على هذه الأرض، فالإنسان محور عمارة الكون في هذا الحياة، وذلك بما أوتي من نعمة العقل والفكر والبصيرة، وإن ديننا الحنيف يدعو إلى وحدة الصف والأمة، ونبذ الخلاقات أياً كانت، ورفض ثقافة الإقصاء مصداقاً لقوله عز وجل: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) الأنبياء" 92"..