قمة اجتماع ثنائي بين الرئيسين الأمريكي ترامب والروسي بوتين شهدتها ولاية ألاسكاالأمريكية بعد وصول بوتين إليها تلبية لدعوة موجهة له من ترامب.. رغم أنّ القمّة التي دامت نحو ثلاث ساعات، وكما كان متوقعاً، لم تصل إلى اتفاقٍ بشأن سيناريو إنهاء الحرب في أوكرانيا، فقد أكدت تصريحات الرئيسَين في المؤتمر الصحافي الذي تلا لقاءهما، أنّ اللقاء كان إيجابياً ومثمراً بالنسبة إليهما وأعلن الجانبان عن التوصل إلى تفاهمات أوليّة تفتح الباب أمام اجتماعات مقبلة.. للوقوف على تفاصيل المآلات والنتائج المستقبلية المحتملة للقمة نحاول الإجابة على سؤال ماذا بعد قمة ألاسكا ؟!! في سياق القراءة التحليلية التالية : طلال الشرعبي وفقا لرؤية الكثير من المتابعين والمحللين السياسيين والعسكريين ربما كانت القمة محكومة بالفشل منذ لحظاتها الأولى، بسبب التصريحات المتناقضة التي خرجت عن البيت الأبيض، حيث جاء انعقاد القمة بعد أسابيع فقط من تصريح لترامب في يوليو الماضي أعرب فيه عن استيائه مما أسماه "هراء" بوتين، قائلا: "إنه لطيف جدا طوال الوقت، لكن اتضح أن كلامه لا معنى له". رغم ذلك يمكن القول أن أفضل نتيجة ممكنة لقمة ألاسكا قد تكون هي التوصل إلى وقف طويل الأمد لإطلاق النار على امتداد خطوط التماس الحالية، مع تأجيل البتّ في القضايا الإقليمية إلى أجل غير مسمى، وربما لعقود، ولعل النموذج الأقرب لهذا السيناريو هو الهدنة غير المحسومة بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية. انتصار سياسي روسي هذه النتيجة المحتملة تمثل انتصارا سياسيا لبوتين ومضمونا هذا الانتصار يوضحه تصريح سابق لجورج بيبي، الرئيس السابق لقسم تحليل الشؤون الروسية في وكالة الاستخبارات المركزية، والذي يعمل حاليا في معهد كوينسي حيث قال: "إذا كنتم تتذكرون، قبل عام واحد فقط، لم تكن واشنطن مستعدة حتى لطرح فكرة تسوية دبلوماسية للحرب في أوكرانيا"، وأضاف: "كان ذلك يُعد من المحظورات، أما اليوم، فنحن على الأقل بدأنا الحديث عنه. بوتين يطالب وزيلينسكي يرفض ومع ذلك، وكما أظهرت مجريات القمة لا يبدو أن البدء في تنفيذ وقف إطلاق للنار دائم على خطوط تماس الحرب الروسية الأوكرانية سيبدأ بصورة فعلية قريبا، فالكثير من الدبلوماسيين الأمريكيين والأوكرانيين، وفي مقدمتهم زيلينسكي وكبار مساعديه، يعتقدون أن بوتين لن يلتزم بوقف إطلاق النار ما لم يحصل على ضمانات دائمة بشأن السيطرة على الأراضي، وهو تنازل يرفضه زيلينسكي بشدة، لا سيما في ظل غياب التزامات أمريكية صريحة بانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، أو بتوفير دعم أمني أميركي أو أوروبي لها. وما يعزز هذا الاحتمال هو أن بوتين لم يتخلَّ عن مطالب روسيا الأساسية وهي: استمرار السيطرة على شرق أوكرانيا، ورفض انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، والتخلص من زيلينسكي. نقاط إيجابية بالمقابل تبرز أهمية الإشارة هنا إلى أبرز النقاط التي تضمنتها تصريحات ترامب عقب لقاء القمة الذي جمعه ببوتين ومن ذلك قوله: "اللقاء كان بناء والاجتماع المقبل سيشمل بوتين وزيلينسك" وأضاف: "عقدنا اجتماعا مثمرا للغاية واتفقنا على الكثير من النقاط"، وأضاف: "أحرزنا بعض التقدم الرائع، علاقتنا كانت دائما جيدة مع بوتين، عقدنا اجتماعات عصيبة مع بوتين اتفقنا بشأن الكثير من النقاط، ما زالت نقاط قليلة باقية وواحدة منها مهمة، لم نصل إلى ما نريد لكن لدينا فرصة جيدة لتحقيق ذلك، سأجتمع مع بوتين مجددا على الأرجح قريبا والاجتماع المقبل سيكون في موسكو". عدم تعويل في السياق يمكن القول أن سببا آخر من الأسباب التي تجعل باب استمرار الحرب الروسية الأوكرانية مفتوحا على مصراعيه هو عدم التعويل على التصريحات الإيجابية للرئيس الأميركي ترامب عقب انتهاء القمة فقد تنفيها تصريحات لاحقة له بعد ساعات أو أيام وذلك أمر معهود بالنسبة له، خاصة في الفترة الأخيرة، ولكن يُستشف مما قاله أنّ قناعته السابقة بضرورة تقديم أوكرانيا تنازلات لا بدّ منها لحلّ الصراع قد تعزّزت، وقد تجلى ذلك بوضوح حين قال بعد اللقاء "إنّ الكرة باتت في ملعب الرئيس الأوكراني لإبرام اتفاق سلام"، مشيراً إلى أنّ روسيا قوّة كبيرة من الصعب هزيمتها، وزاد على ذلك هذه المرّة قوله "إنّ روسيا مهتمّة بصدق بوضع حدّ للصراع"، داعياً إلى أخذ "مخاوفها المشروعة" بعين الاعتبار، وهي أقوال حظيت بقبول واستحسان بوتين ، وأعاد تأكيدها في المؤتمر الصحافي المنعقد عقب انتهاء القمة بقوله: "قلتُ أكثر من مرّة إنّ الأحداث في أوكرانيا بالنسبة لروسيا مرتبطة بتهديدات أساسية لأمننا القومي". طريق طويل وفي ضوء ما تقدم يبقى الأمر الثابت أنّ الطريق نحو وقف دائم للحرب الروسية الأوكرانية لا يزال طويلا، إلّا إذا نجح ترامب في حمل الأوروبيين، وزيلنسكي معهم، على قبول التسوية التي يراها هو واقعية، وإلّا فالبديل استمرار الحرب سنوات أخرى وتكبّد مزيد من الخسائر في الأرواح والأموال، وهو ما لا ينسجم مع رؤية ترامب الذي يقدّم نفسه في أميركا وخارجها على أنّه رجل الصفقات الرابحة، ويشغله في اللحظة الراهنة هوس أن يقدّم نفسه صانعاً للسلام، ومستحقاً لجائزة نوبل التي تحمل الاسم نفسه. ترجيح أقرب للصواب وأيا كان مضمون تصريحات الرئيسين وحقيقة الأهداف والنوايا المبيتة سواء فيما يتعلق بوقف الحرب الروسية الأوكرانية أو ما يتعلق بتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين ( أمريكاوروسيا) فإن الترجيح الأقرب إلى الصواب هو الخروج بتفاهمات جزئية تشمل هدنة محدودة وفتح مسار لمفاوضات نووية، مع تلميحات لتخفيف بعض القيود الاقتصادية. وهناك احتمال آخر يتمثل في الاكتفاء بأجواء إيجابية . وعلى صعيد الأمن الدولي، يمكن أن تشكل القمة فرصة لتخفيف حدة المواجهة بين القوتين، خصوصًا إذا أبدى ترامب استعدادًا لمناقشة ملفات اقتصادية أو استراتيجية أوسع من أوكرانيا، لكن هذه الخطوة قد تثير قلق العواصم الأوروبية التي تخشى من إبرام "صفقة فوق رؤوس الحلفاء الأوروبيين". الخلاصة وتبقى الخلاصة هي أن علينا أن ننتظر الأيام، أو حتّى الأسابيع، المقبلة لنرى إلى أي مدى تصبح الاتفاقات التي جرى التوصل إليها نقطة انطلاق نحو البدء في تسوية الصراع في أوكرانيا واستعادة العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، مع تزايد الحديث، مع عودة ترامب الثانية إلى البيت الأبيض، عن إمكانات هائلة للبلدين لبناء شراكة تجارية واستثمارية في مجالاتٍ مثل الطاقة والتكنولوجيا واستكشاف الفضاء وفي القطب الشمالي.