ها قد أقبل مولد أفضل مخلوق، وأكرم مولود، مولد المصطفى وهادي الأمة، محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، جاء بالنود المبين، والحق المتين هدىً ورحمةً للعالمين، جاء مولده ليضيء الدنيا، وينير القلوب والبصائر، ويبدد عتمات الظلام والضلال، ويبشر بإشراق يوم جديد تسعد فيه الإنسانية بأسرها بالهدى والنور والرحمة، مصداقاً لقوله عزوجل: (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين) الأنبياء- "107".. ما أحوج الأمة اليوم ونحن نحتفي بمولد المصطفى عليه وعلى آله الصلاة والسلام في زمن كُثر فيه أهل الباطل، وقلّ فيه أهل الحق، وما أشد الفتن التي تعيشها الأمة اليوم في مشارق الأرض ومغاربها، أقبلت الدنيا على أهل الباطل والفساد والمفسدين، تسنموا فيها أرقى المناصب والمراتب، وهتفت لهم الدنيا، وصفق لهم الرعاء والدهماء، وصاغت لهم الأمجاد، ودالت لهم القصور والنفوذ، وتيسرت لهم الأسباب، وفتحت لهم الأبواب، في الوقت الذي يتعرض فيه أهل الحق والهدى بالأذى والتنكيل والإيذاء.. ما أحوجنا اليوم في زمنٍ قست فيه القلوب، وكُثرت فيه الذنوب، وانصرف الناس فيه عن الحق، فعظم بذلك المصاب، واستحكم الداء، وعز الدواء، فالناس في غفلةٍ عما يُراد بهم، فاعدلوا هو أقرب للتقوى، قبل أن ينزل البلاء، وينزل العذاب، ويعم الصالح والطالح، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.. وليعلم القاصي والداني أن الثقة المطلقة في نصر الله وتأييده لأهل الحق والهدى واليقين ليس بكثرة العدد والعدة والعتاد، وإنما بالإيمان والثبات على الحق، ولذلك ما ذكر الله الكثرة إلا وذمها، قال عزوجل: (وإن تطع اكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) الأنعام- "116".. وذكر الله عزوجل القلة ومدحها في كثير من آياته، قال عزوجل: (وقليل من عبادي الشكور).. وقال المولى القدير: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ماهم).. لذا علينا ألا نغتر بالكثرة الهالكة، ونحتقر القلة السالكة طريق الحق والهدى والرشاد، قال الحسن البصري- رضوان الله عليه-: "السنة المطهرة والله الذي لا إله إلا هو بين الغالي والخافي، فاصبروا عليها- رحمكم الله- فإن السنة وأهلها كانوا أقل الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقى".. وأهل الحق دائماً في كل عصرٍ وأوانٍ هم الفئة المنصورة بإذن الله على أعدائهم قال جل جلاله: (كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله والله مع الصابرين) البقرة- "249".. لذا علينا أن نستغل أوقات حياتنا فيما ينفعنا في الدار الآخرة، ونتوب الى الله قبل أن يحال بيننا وبين التوبة، ثم نبعث للجزاء والحساب، ولنعتبر بمن مضى قبلنا من الأمم والأجيال التي اغترت بقوتها وجبروتها وعتادها، وعتت عن أمر ربها، واتبعت أهواءها، فأخذها الله أخذ عزيز مقتدر قال جل وعلا: (وكأين من قريةٍ عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حساباً شديداً وعذبناها عذاباً نكرا فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خُسراً) الطلاق- "8- 9".. صفوة القول: من هنا ندرك أن السعادة كل السعادة تكمن في الإقتداء برسولنا الأعظم عليه وعلى آله الصلاة والسلام، في كل أقواله وأفعاله وتقريراته، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والسير على نهجه ومنهاجه، واقتفاء آثاره، والتمسك بسيرته العطرة، والتأدب بآدابه وشمائله وخصاله.. ولنا في قصص الأنبياء السابقين عظات وعبر عندما سُئل سيدنا نوح عليه السلام- كم لبثت في قومك؟!.. قال ألف سنة إلا خمسين عاماً، قيل كيف رأيت هذه الدنيا؟!.. قال: كداخل من باب، وخارج من آخر.. من هنا نخلص أن خير الزاد التقوى والعمل الصالح، وبها نتحرك الى خالقنا عزوجل من منطلق فهم صائب، وعقل واعٍ، وقلب مطمئن، كما جاء في قوله عزوجل: (قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرةٍ أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين).. هؤلاء الصادقون الذين لا يدعون الناس الى قوميةٍ أو عصبيةٍ أو جهويةٍ، ولا الى مصلحة أو مغنم، ولا جاهٍ ولا سلطان، بل الى القرآن والسنة المطهرة، وإمامهم هو إمام الهدى، ومصباح الدجى محمد رسولنا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.. فلا عذر لمؤمنٍ في ترك العدل واتباع الهوى مصداقاً لقوله تبارك وتعالى: (اعدلوا هو أقرب للتقوى).. كلمات مضيئة: وصدق رسولنا الأعظم القائل: "إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلةً، حل بها البلاء والوباء والفتن، قيل وما هن يا رسول الله؟!.. قال: إذا كان المغنم دولاً، والأمانة مغنماً، والزكاة مغرماً، وأطاع الرجل زوجته، وعق أمه، وبر صديقه، وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وشربت الخمور، ولبس الحرير، واتخذت القينات والمعازف، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء، أو خسفاً ومسخاً".. احذروا عواقب المعاصي، فإن عواقبها خطيرة مدمرة مهلكة.. وصدق المولى القدير القائل: (واتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصةً واعلموا أن الله شديد العقاب) الأنفال- "25".