في مساء التاسع من سبتمبر 2025، قصفت إسرائيل قلب العاصمة القطريةالدوحة، مستهدفة قيادات في حركة حماس، خلال اجتماع دبلوماسي جرى تحت غطاء وساطة سياسية ترعاها قطر نفسها. وبطلب من الولاياتالمتحدةالأمريكية والتزامها بأنه لن يمسهم شيء على أرض قطر. الهجوم لم يكن "مباغتًا" فقط، بل كان صفعة مدوية في وجه كل من ظنّ أن "الحياد" و"المال" و"الوساطة" والانبطاح للغرب، تُنقذ من الحريق حين تشتعل النيران في بيت الجيران. هنا سقط الوهم. وسقطت معه ورقة التوت التي كان العرب، وبالأخص الخليجيين، يتدثرون بها منذ عقود. من جابوتينسكي إلى نتنياهو... ومن نتنياهو إلى كل عربي ومسلم لا يزال نائمًا في عام 1923 كتب الصهيوني المتطرف فلاديمير جابوتينسكي أحد أشهر مؤسسي الحركة الصهيونية مقالته الشهيرة "الجدار الحديدي"، واضعًا الأساس الأخلاقي والسياسي لفكر العدوان الصهيوني: "لن يرضخ العرب أبدًا إلا إذا واجهوا جدارًا من القوة التي لا تُقهر. بعدها فقط يمكن الحديث عن السلام." اليوم، وبعد قرن من الزمان، يجلس المجرم بنيامين نتنياهو فوق هذا "الجدار"، وقد بنى عليه جيشًا، وموسادًا، وشاباك، وتحالفات دولية، ومفاعلات نووية، وآلاف الطائرات، ومعها كل أنواع التبريرات. ما يفعله نتنياهو اليوم ليس إلا التطبيق الحرفي لفكر جابوتينسكي، مستندًا على قاعدة واحدة: "العرب لا يفهمون إلا لغة القوة، فلتكن القوة هي لغتنا الوحيدة." ومن خلف هذا الجدار، يظهر ترامب، الوجه الأمريكي للعبة ذاتها، رجل يؤمن أن الفوضى تصنعها أمريكا، والرعب تؤججه، ثم تعود لتبيعه للدول العربية بثمن خيالي، في شكل "صفقات سلاح"، أو "معاهدات سلام"، أو "ضمانات أمنية"، أو مسميات كاذبة ك"استثمارات"... وكلها مجرد وهم منمق. الانبطاح لا يصنع أمنًا... والمال لا يشتري السيادة على مدى سنوات، ظنّت بعض الدول العربية أن تقديم الأموال، وفتح القواعد للقوات الأمريكية والغربية، وشراء الأسلحة، والانبطاح السياسي أمام واشنطن وتل أبيب سيمنحها "حصانة سياسية". لكن ما جرى في قطر فضح كل شيء. قطر التي تحتضن أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط (العديد)، وفيها القيادة المركزية للقوات الامريكية في الشرق الاوسط، لم تُحمَ ،رغم ان الضربة كانت على بعد امتار منها . قطر التي قدّمت تسهيلات دبلوماسية وعسكرية ولوجستية للغرب، وترليونات، لم تُنقذ. قطر التي لعبت دور "الوسيط المتوازن" صارت مسرحًا لضربات إسرائيلية بإذن أمريكي مسبق. ولك ان تعرف بان قطر واحدة من اكثر دول الشرق الاوسط تحصينا فهي تمتلك 78 بطارية ومنصة دفاع جوي منها(11 بطارية باتريوت و40 منصة نتانز النرويجية الامريكية و 18 منظونة ريبير البريطانية و 9 منصات رونالد الفرنسية الالمانية) وكلها مرتبطة بشكل طبقي متناسق لحظية الاشارة ومبنية على التكامل مع بنية الدفاع الجوي والردارات الامريكية في قاعدة العديد وفيها احدث واقوى الرادارات في العالم تعمل على 360 درجة ومدى يصل الى 5000 كيلو متر، مقارنة بمساحة قطر التي لا تتعدى مساحة مديرية في اليمن، كل هذا ولم تستطيع اكتشاف 15 طائرة إسرائيلية، بينها اف 15 غير الشبحية، وحتى طائرات اف 35 لا يمكن لاسرائيل تشغيلها الا بكود من البنتاجون متغير في كل مرة وهي غير شبحية بالنسبة للرادارات الامريكية. فهل من مزيد من الأدلة على أن أمريكا لا تحمي أحدًا؟ بل هي من تصنع الخطر، وتصدر الفوضى، وتزرع الرعب، ثم تبتز وتتقاضى ثمن "الحماية الوهمية"؟! وهذا يعني ان جميع دول الخليج باتت مكشوفة وغير محمية من قبل القواعد الامريكية المنتشرة فيها. والاكثر وقاحة تصريح ترمب بانه غير مرتاح لمكان الضربة التي نفذتها إسرائيل، فهل هذا رد فعله تجاه استهداف اكبر واقرب حليف لامريكا في الخليج. وبعدها... اليمن يقصف والإعلام يُستهدف لم تمر 24 ساعة على جريمة الدوحة، حتى وسّع العدو الإسرائيلي رقعة عدوانه ليمتد إلى اليمن، حيث نفذ هجومًا إرهابيًا غادرًا يوم الاربعاء، استهدف فيه العاصمة صنعاء، وبشكل مباشر مقر صحيفة 26 سبتمبر وصحيفة اليمن، في قصف وحشي أدى إلى استشهاد كوكبة من الصحفيين والإعلاميين الذين لم يكونوا يحملون سلاحًا سوى أقلامهم. نعم، استهدف الإعلام كما هو نهجه الدائم. استهدف الكلمة. استهدف الحقيقة التي يخشاها ويرتعب منها. والمفارقة أن الكيان نفسه أعلن، بكل وقاحة، أنه استهدف "معسكرات إرهابية"، في محاولة بائسة لتبرير استهداف الصحافة الحرة. لكن اليمن، الذي لم ينتظر بيانات الشجب، ولم يرفع شعارات الاستنكار، ردّ على طريقته الخاصة. ردًّا صاعقًا، خلال ساعات فقط، عبر قصف أهداف إسرائيلية بالطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، مثبتًا للعالم أجمع أن هناك في هذه الأمة من لا يزال يفهم المعادلة: "الردع لا يُكتب في البيانات... بل يُكتب بالنار." اليمن لم يختبئ خلف المؤتمرات ولا انتظر ضوءًا أخضر من أحد، بل كتب بيانه بلهيب النيران، ووجه رسالته للعدو: دماؤنا ليست رخيصة... ولن تمر جريمتكم دون عقاب. أيها العرب... الدور سيصلكم جميعًا إن اعتقدت أيها الحاكم العربي، أيها الزعيم المسلم، أن نيران هذا المشروع التوسعي الصهيوني لن تصلك، فاعلم أن الدور قادم. الأمس كانت فلسطين وإيران، ثم لبنان وسوريا . اليوم قطرواليمن. وغدًا... دولتك. ولن تنفعك القواعد، ولا المؤتمرات، ولا البيانات، ولا شراء الأسلحة بمئات المليارات. فكل هذا لن يساوي شيئًا أمام قنبلة إسرائيلية تسقط على عاصمتك حين يقرر صانع القرار في تل أبيب أو واشنطن أن "مصلحتهم" تقتضي ذلك. إما أن تبني "جدارك الحديدي"... أو سيُدفنك جدارهم الحل ليس في الشجب، ولا في "ضبط النفس"، ولا في انتظار "رد المجتمع الدولي". الحل هو: تحالف عربي-إسلامي حقيقي، عسكري وسياسي، بعيد عن أوهام المصالح الضيقة. جبهة موحدة، تردع إسرائيل وتواجهها بمنطق القوة ذاتها، لغة الردع، لا الاستجداء. تفكيك التبعية لأمريكا، ورفض الهيمنة الغربية على القرار العربي. تطوير الردع الاستراتيجي العربي، سيبرانيًا، وعسكريًا، واستخباراتيًا، وصاروخيًا. العالم لا يحترم الضعفاء، ولا يكترث للمنبطحين. ونتنياهو يراكم الإنجازات لأن العرب ما زالوا يفاوضون على "الهدنة"، في الوقت الذي يخطط فيه هو ل"الضربة التالية". رسالة أخيرة إلى كل عربي ومسلم إن لم تُفيقوا اليوم، فغدًا لن تجدوا بلادًا تدافعون عنها. إن لم توحدكم الدوحة، فستُقسَّم عليكم العواصم الأخرى. إن لم تتعلموا من فكر العدو، وتبنوا ما يوازيه، فأنتم أدوات في مشروعه، لا عقبات في طريقه. افهموها جيدًا: نحن لسنا أمام دولة تبحث عن السلام... بل أمام مشروع يبحث عن "متى" يُسقطكم جميعًا ويبني دولته الكبرى.