يا أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، أيها القادة العرب والمسلمون المجتمعون في الدوحة، إن اجتماعكم اليوم ليس مجرد لقاء دبلوماسي عابر، بل هو فرصة تاريخية لا تتكرر، لحظة فارقة قد تحدد مصير أمتنا لمئات السنين القادمة. إن ما تعرضت له دولة قطر الشقيقة، من استهداف مباشر لجهودها النبيلة في الوساطة، لم يكن مجرد اعتداء على دولة أو حركة، بل كان إهانة صريحة لسيادة كل دولة عربية وإسلامية، وصفعة في وجه كل مسعى سلمي، وتأكيدًا صارخًا على أن العدو لا يكتفي بإبادة شعبنا في غزة، بل يسعى لعرقلة أي حل، ساخرًا من قيمنا ومواثيقنا. إن هذا الواقع الأليم، الذي تتداعى فيه الأمم علينا وتُستباح فيه مقدساتنا، ليس قدرًا مكتوبًا، بل هو نتاج طبيعي لابتعادنا عن مبادئنا وتنافرنا وتشرذمنا. لقد حانت اللحظة لتكونوا في مستوى التحدي، وأن تتحولوا من حالة التفرج إلى موقع الفعل الحقيقي. إذا كنتم جادين في انتشال الأمة من هذا النفق المظلم، فإن الأجندة يجب أن تتجاوز الإدانة والشجب إلى اتخاذ قرارات حاسمة، ترتكز على محاور ثلاث أساسية: أولاً: إعادة بناء الذات وتوحيد الصف إن قوتنا الحقيقية تكمن في وحدتنا، فكيف لنا أن نواجه عدوًا متماسكًا ونحن أمة ممزقة؟ إن مليارًا وستمائة مليون مسلم ليسوا مجرد أرقام، بل هم قوة هائلة إذا ما اعتصموا بحبل الله. عليكم أن تجعلوا من وحدة الموقف العربي والإسلامي هدفًا استراتيجيًا لا يمكن التنازل عنه. عودوا إلى منابع قوتكم، واجعلوا من الأخوة والتكامل أساسًا لمواجهة التحديات المصيرية. ثانيًا: تحرير الإرادة وبناء القوة الشاملة لقد أمرنا الله بإعداد العدة: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ". والقوة لا تقتصر على الجانب العسكري، بل تشمل القوة الاقتصادية، والعلمية، والصناعية، والزراعية. إن تبعيتنا للغرب الذي يناصر عدونا، ويتحكم في قرارنا، يجب أن تنتهي. مواردنا وثرواتنا الهائلة يجب أن تُسخر لخدمة قضايانا، لا لتمويل أعدائنا. لقد آن الأوان لنوحد جبهتنا السياسية والاقتصادية. عليكم أن تدركوا أن مصالح الولاياتالمتحدة وحلفائها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمنطقة العربية والإسلامية. ذكروا صناع القرار في واشنطن أن العالم الإسلامي يسيطر على أهم المضائق والممرات المائية الاستراتيجية في العالم، من مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس ومضيق جبل طارق إلى مضيق البسفور والدردنيل ومضيق ملقا الذي يربط المحيط الهندي بالمحيط الهادئ. إن هذه الأهمية الجغرافية والاقتصادية تمنحكم أوراق قوة لا يمكن تجاهلها. تخاذل المسلمين هو ما سمح لأولئك القتلة المجرمين بالهيمنة على أرضنا، وقطع جزء من قلب الأمة. يجب أن نرفض حالة "الوهن" التي أصابتنا، وأن نتحلى بالشجاعة التي تليق بتاريخنا. ثالثًا: فرض شروط وقف الحرب بقرارات رادعة لا يمكن أن يمر هذا العدوان دون ثمن. يجب أن يخرج مؤتمركم بقرارات عملية وفورية: * وقف فوري وشامل لإطلاق النار في غزة والضفة الغربية. * انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة. * فتح جميع المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية وعلاج الجرحى بدون قيد أو شرط. * تحديد مهلة زمنية قصيرة للتطبيق الكامل لهذه المطالب. إذا لم يستجب الكيان، وكما عودنا على عدم الاستجابة، يجب أن تكون الخطوة التالية فورية وحاسمة: قطع العلاقات السياسية والاقتصادية، وطرد السفراء، أو على الأقل تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع دولة الاحتلال. لا مجال اليوم للعب بالنار أو للاكتفاء ببيانات الشجب. فالعالم اليوم يتغير، وتعدد الأقطاب يفرض علينا البحث عن مصالحنا مع من يحترم سيادتنا. في الختام، إن المسؤولية عظيمة، والوقت لا يرحم. إن الأمة تنتظر منكم قرارات تاريخية، لا مجرد بيانات إدانة خجولة. كونوا قادة لهذه الأمة، وانتشلوها من حالة الضعف إلى العزة والكرامة. لو وقفتم وقفة جادة لما وجد العدو موقع قدم ولما وجد منفذًا ينقله إليه عن طريق الجو ولا منفذًا ينفذ منه عبر البحر ولا مكانًا ينفذ منه عن طريق البر، ولما استمر نتنياهو يتغطرس ويستعرض قوته هنا وهناك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. *القاضي الدكتور حسن حسين الرصابي