في منعطفات تاريخ الشعوب والجغرافيا فأننا نصل الى مفهوم ان السمات الذاتية والعامة لأي شعب سواء كانت في شجاعته أو في أنفته أو في كرامته أو في عدم قبوله للضيم ورفضه للظلم وكذا شدة مراس جغرافيته من تضاريس مهلكة ووديان وجبال وصحاري وبحار . من هذا المفهوم تقرأ حقائق تاريخ المناطق والشعوب .. ونجد أن فقهاء الجغرافيا السياسية والجيوبولتيك يعرفون الدولة على أنها تعبير سياسي لا يوجد إلا بتوفر أربعة أركان أساسية هي : الأرض والسكان والسلطة والسيادة . ويتوقف ازدهارها واضمحلالها وقيامها وسقوطها على القرارات الواعية لأصحاب القرار , وهذا يتطلب فهماً عميقاً لجغرافية الدولة وتاريخها , واستغلال مواردها بأفضل الطرق, ويمكن للجغرافيا أن تكون بمثابة البوصلة التي توجه متخذي القرارات نحو الاتجاه الصحيح من خلال بناء قاعدة بيانات متكاملة عن موارد الدولة (الطبيعية والبشرية والاقتصادية). وحين نأتي لنقرأ بعضاً من ملامح القوة التي تميز اليمن سواء في السمات أو في الموارد فأننا نجد هذا البلد قد امتلك ارادة القوة واستأثر بعوامل التفوق رغم أهوال العدوان والحصار الخانق الا ان تللك نتائج الانجاز وقد أصبحت اليمن برغم الحرب والحصار الظالم منذ العام 2017 وتحديداً بعد شن ما يسمى بعاصفة الحزم بثلاثة اعوام دولة قوية تحيز وتمنع بذاتها مؤثرة في محيطها (المحلي والاقليمي) فماهي العناصر التي ساعدتها وماهي العوامل الجغرافية التي ساعدة على ذلك ؟ وكيف استطاعت صنعاء أن تغير المعادلة في الشرق الأوسط لصالحها بعد أن كانت ضدها تماماً في بضع سنوات فقد تعرضت اليمن آنذاك لضغوطات أمريكية إقليمية محلية حربية واقتصادية عدوانية الطابع نظراً لرفض الخنوع والنزعة الاستقلالية وتحرير القرار .. والآن تتكالب عليها الاعادي إقليمياً ودولياً سبب مواقفها القومية تجاه حرب الإبادة في غزة والمساندة بقدر اتها الحربية لدفع العدوان الاسرائيلي عن الأخوة الغزاويين وقد تبنت اليمن مواقف عروبية أخوية ضمن محور المقاومة برغم ما تواجه من مصاعب سبب مخلفات حرب تسع سنوات وحصار اكل الشحم واللحم وكد في العظم ومع ذلك تجاوزت اليمن المعوقات والصعاب وساهمت في أطباق الحصار بحرياً على الكيان الصهيوني الغاصب وسيطرت سيطرة كاملة على الثلاثة البحار الأحمر والعربي والأبيض المتوسط ومساحة من المحيط الهندي وحافظت على فرض الحصار على كل السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية مستفيدة بما لديها من قدرات صاروخية وطيران مسير وزوارق وغواصات من صنع أيادي وخبرات وكفاءات يمنية وأصبحت ذراعها الطويلة تضرب أهداف منتقاه في عمق عمق الكيان الصهيوني بل في قلب عاصمته يافا "تل أبيب" والأهم اليوم أنها تحاصر الكيان الصهيوني وداعموه للمرة الأولى من بعد حرب أكتوبر 1973م واستمرارها في التخفيف عن المقاومة في غزة تلك المقاومة التي تقض مضاجع الاحتلال الصهيوني .. نعود للإجابة على السؤال لابد من قراءة العوامل الجغرافية بعين حربية عسكرية سياسية وتتمثل العوامل في الخصائص التالية : * الخصائص المكانية للجمهورية اليمنية تشتمل الخصائص المكانية لأي دولة على موقعها وحدودها ومساحتها وشكلها, والقاعدة النظرية التي تحدد معايير قوة الدولة هي لكي تكون الدولة عظيمة يجب أن تتمتع بموقع استراتيجي على بحار حيوية وسط بلدان أقل قوة يوفر لها الحماية العسكرية الطبيعية والتنوع البيئي وفي حال كانت مساحة الدولة كبيرة فهذا يعني كثرة في السكان ووفرة في الموارد الاقتصادية إضافة إلى امكانية تأمينها عسكرياً أما الحدود فكلما كانت مستقيمة ومنتظمة استطاعة الدولة ضبطها ومراقبتها ولكن كل ما سبق يتطلب توازناً فعلياً بين مساحة الدولة وعدد سكانها ومواردها الاقتصادية وتطورها التقني لأن أي خلل في هذا التوازن يعني عبئاً ثقيلاً على الدولة وضعفاً في قوتها . وخير مثال على اجتماع العناصر السابقة في جعل الدولة قوية هو الولاياتالمتحدةالأمريكية أما الأمثلة على الدول كبيرة المساحة قليلة السكان فمنها السعودية وليبيا ومن الدول كثيرة السكان قليلة المساحة إندونيسيا مثلاً , من الدول كثيرة المساحة وغنية الموارد لكنها قليلة السكان ونامية السودان والبرازيل . أما عن اليمن فتقع في جنوب غربي شبه الجزيرة العربية بقارة أسيا وتطل على البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن والبحر العربي حدود اليمن البحرية 2650كيلومتراً وهي تشرف على أهم مضيق حيوي في العالم يربط الشرق بالغرب والغرب بالشرق الا وهو باب المندب. العوامل الاقتصادية تستند الدولة في بناء قوتها العسكرية والسياسية إلى قوة اقتصادها ولا يمكن أن يكون الاقتصاد قوياً في أي دولة مالم يكن مدعوماً بتخطيط عملي يأخذ بعين الاعتبار مواردها الطبيعية والبشرية وحجمها السياسي في محيطها الجغرافي (الاقليمي والعالمي) وبشكل عام تكون الاقتصاديات الصناعية أكثر تقدماً واستقراراً من الزراعية لميل سكانها إلى التنظيم والتوافق مع سياسة الدولة عموماً ويوصف الاقتصاد اليمني بأنه ذا طابع زراعي وذلك لاعتماد البلاد على الزراعة بشكل كبير في تأمين حاجتها الاساسية من الثروة الحيوانية, والسمكية ومن الحبوب والفواكه والخضار والحمضيات والموز واللوز والبقوليات بينما تستورد الأرز والشاي , والقمح .. , وبصورة مؤقتة تستورد المشتقات النفطية والغاز المنزلي برغم إن اليمن تنتجه وتختزن أرضها الكثير من هذه المأدة وغيرها من المواد المعدنية لكن لأسباب الحرب والحصار لم تتمكن السلطات المعنية من توفير هذه المأدة للمستهلك اليمني .. وفي الاعوام الأخيرة بدأة الدولة تشجع على زراعة القمح والبن في كثير من المناطق منها الجوف بيئتها صالحة لزراعة القمح بوفرة تبشر بالخير القادم كل ذلك يشير إلى ربح الميزان التجاري المحلي وتوفير العملة الصعبة والسير على طريق الاكتفاء الذاتي من المواد الضرورية وخاصة القمح ومواد البناء والقماش .. وما يزال فيه طاقات كامنة لم تستغل بشكل فعلي سبب العدوان وعدم الاستقرار.. *العميد القاضي د \ حسن حسين الرصابي