بالرغم ممَّا عودتنا عليه معظم أنظمتنا العربية والإسلامية من مواقف انهزامية، فإنَّ ما فاجأتنا به بعض البلدان الغربية لا سيما «مملكة إسبانيا» من جرأة في تجريم مجازر الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني، وصولًا إلى اتخاذ قرارات قاطعة بمقاطعة أسلحته ومنتجاته وبضائعه والعمل على إثبات فظاعة جرائمه لهو أمرٌ محرجٌ لكافة أنظمة الأمة العربية المسلمة. مقاطعة علمية وبحثية أكاديمية لأنَّ حراك الشباب أهم مؤشرات حيوية الأمم، فقد بدأت مظاهر استنكار الأمه الإسبانية للجرائم الصهيونية في حق التجمعات السكانية الفلسطينية في أوساط طلاب وطالبات الجامعات، ثم لم يلبث ذلك الاستنكار أن عبر عن موقف النظام وعن الرأي العام، فترجم إلى قرار مقاطعة علمية وبحثية ذات طابع أكاديمي محظي بالتفاف جماهيريٍّ شعبي ومعبر عن موقف رسمي، وذلك ما يُفهم من استهلال التقرير الإخباري التحليلي المعنون [عشرات الجامعات الإسبانية تقطع علاقتها بإسرائيل] الذي نشره موقع «الجزيرة نت» يوم الخميس ال9 من مايو عام 2024 الماضي الاستهلال التالي: (قررت 50 جامعة حكومية و26 جامعة خاصة في إسبانيا قطع علاقات التعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث الإسرائيلية، وربطت عودة التعاون بتنديد الجامعات الإسرائيلية باجتياح جيش الاحتلال لقطاع غزة. وطالبت الجامعات الإسبانية بوقف فوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، كما تعهدت بتكثيف التعاون مع المنظومة التعليمية والجامعية الفلسطينية). حظر بحري وجوي وبري جريء لعلنا نلاحظ أنَّ رئيس الوزراء الإسباني «بيدرو سانشيز» من أكثر الأصوات الأوروبية انتقادًا للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023. ولعلنا نتذكر أنَّ «إيوني بيلارا» وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية السابقة هي أول من أدان -في ال16 من أكتوبر 2023- ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة من أفعال يمكن اعتبارها "جريمة حرب وإبادة جماعية مبرمجة"، وأنَّها قد سبقت الجميع إلى إدانة ما مارسته دولة الكيان وما تزال تمارسه في حق سكان «القطاع» من تجويع. وما الموقفان الرسميان السابقان سوى انعكاس للمزاج الإسباني الذي ترجم رسميًّا باتخاذ بعض الإجراءات العقابية ضد دولة «الكيان» نظير ما ترتكبه من جرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، فحظرت رسو السفن الداعمة للحرب في موانئها وحظرت مرور الطيران الداعم لاستمرار الجرائم من عبور أجوائها، وحظرت مرتكبي جرائم الحرب أو المؤيدين لارتكابها من دخول أراضيها، وقد أشير إلى تلك الإجراءات في سياق تقرير جريدة «القدس العربي» التحليلي المعنون [أولها حظر أسلحة.. إسبانيا تفرض 9 عقوبات على إسرائيل بسبب إبادة غزة وتستدعي سفيرها] الذي نشر في ال8 من سبتمبر الحالي بما يلي: (أعلن «بيدرو سانشيز» منع السفن التي تحمل وقودًا للقوات الإسرائيلية من الرسو في الموانئ الإسبانية، ومنع جميع الطائرات التي تحمل معدات عسكرية إلى إسرائيل من استخدام المجال الجوي الإسباني. واستطرد: سيتم أيضًا منع جميع المتورطين بشكل مباشر في الإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب في قطاع غزة من دخول إسبانيا). مقاطعة منتجات المستوطنات في الوقت الذي تمول دويلة «الإمارات» المشاريع الزراعية التي تنشئها دولة «الكيان» في معظم المستوطنات الصهيونية -بما فيها المستوطنات التي تعتبر أوروبيًّا «غير قانونية»- مساهمةً من نظام «أبوظبي» في دعم اقتصاد المستوطنين غير القانونيين الذين ينكلون بالفلسطينيين ويجلونهم قسرًا عن أراضيهم، تتجه مملكة «إسبانيا» وبكل ثبات نحو مقاطعة تلك المنتجات، متخذة -في ذات الحين- مواقف داعمة ومشجعة ومثبتة لإخواننا الفلسطينيين، وذلك ما يستشف من احتواء تقرير جريدة «القدس العربي» التحليلي على ما يلي: (ومن ضمن ما تشتمله العقوبات الإسبانية ضد الدولة الصهيونية حظر استيراد المنتجات القادمة من الأراضي الفلسطينية التي اغتصبها الإسرائيليون، وتقييد الخدمات القنصلية المقدمة للمواطنين الإسبان المقيمين في تلك الأراضي، وتعزيز التعاون مع دولة فلسطين، وزيادة عدد الموظفين في بعثة المساعدات التابعة للاتحاد الأوروبي عند معبر رفح، وزيادة المساهمة المقدمة للأونروا بمقدار 10 ملايين يورو، ورفع حجم المساعدات الإنسانية إلى غزة ليصل إلى 150 مليون يورو). إلغاء عقود شراء أسلحة عالية الكلفة بينما تعتبر دويلتا «الإمارات»و«البحرين» مستوردَين رئيسييَن لما تنتجه المصانع الصهيونية من أسلحة، فتساهم مشترواتهما مساهمة ممتازة في تمويل الحرب على «قطاع غزة»، تقدم السلطات الإسبانية -من منطلق دعمها للقضية الفلسطينية- على إلغاء عقود شراء أسلحة صهيونية ضخمة التكلفة كانت قد أبرمتها مع سلطات «الكيان» في فترات زمنية مختلفة، وذلك ما أشير إليه في مستهل تقرير موقع «تليفزيون العربي» المعنون [بملايين الدولارات.. إسبانيا تلغي عقدًا لشراء قاذفات صواريخ إسرائيلية] الذي نشر في ال15 من سبتمبر بما يلي: (ألغت إسبانيا عقدًا لشراء قاذفات صواريخ إسرائيلية التصميم، تناهز قيمته 700 مليون يورو {أكثر من 823 مليون دولار}. وفي التاسع من سبتمبر، ألغت الحكومة الإسبانية رسميًا عقدًا آخر، يشمل شراء 168 قاذفة صواريخ مضادة للمدرعات، كان من المقرر تصنيعها في إسبانيا بموجب ترخيص من شركة إسرائيلية، وبلغت قيمة هذا العقد الأخير 287,5 مليون يورو).