"اسرائيل" التي نواجهها ليست فقط ما يحتل أرض فلسطين، بل جزء أساسي ومهيمن في بنية النظام الدولي، ولقد تكشف حجم الهيمنة بعد طوفان الأقصى بالانحياز الغربي المطلق للكيان وسقوط كافة العناوين والشعارات التي سوقها الغرب على مدى عقود وفرض من خلالها سيطرة على العقول لدى نسبة كبيرة من الشعوب. في كلمة له قبل أيام أقر المجرم نتنياهو أن اسرائيل تواجه "نوعًا من العزلة" قد يستمر لسنوات، وعليها أن تعتمد على نفسها، فيما تذهب أشد وسائل الاعلام انحيازا للكيان إلى القوول أن عزلة اسرائيل على الساحة العالمية تزداد وتتسرب إلى المجالات الاقتصادية والثقافية والرياضة. تقارن شبكة سي إن إن بين ما يواجهه الكيان المجرم اليوم، والعزلة التي واجهتها جنوب أفريقيا بين خمسينيات وتسعينيات القرن الماضي، غير أن المتغير الأهم هو أن الحراك العالمي الذي يتسع الآن ضد الإبادة الجماعية ويُترجم في خطوات عملية من أسطول الصمود إلى الإضرابات، إلى تظاهرات غير مسبوقة في عواصم كانت مُغلقة لصالح اسرائيل، هو أن هذا الحراك شعبي وليس مرهونا بالسياسات الخارجية للأنظمة السياسية بل معاكسا لها، فحالة فلسطين اليوم تحولت إلى وعي جمعي، يبدأ بإدانة الإبادة الجماعية، ولا يقف عند إدراك الشعوب أن أنظمتهم ليست مستقلة وإنما تخضع لإملاءات صهيونية. إلى وقت قريب كان الحديث عن الصهيونية محظورا، وكان الجميع في الغرب، يمين ويسار ووسط يتقربون من اسرائيل للوصول إلى السلطة. اليوم ما نراه هو العكس مع اتساع الإيمان بقضية فلسطين، عدد من الأنظمة تتحرج من إبداء دعمها لاسرائيل، ورغم أنها مستمرة في هذا الدعم إلا أن مجرد الحرج من إبداء الدعم لإسرائيل ومحاولة استرضاء الجماهير بالحديث عن فلسطين، وضرورة حل الدولتين، وإيقاف الحرب، هو بحد ذاته متغير سياسي لم يكن موجودا سابقا. قال إيلان باروخ، السفير الإسرائيلي السابق لدى جنوب أفريقيا، إن الوضع المتميز لاسرائيل في العالم اليوم على المحك. وبينما كانت تهمة معاداة السامية هي ما يواجه بها كل من ينتقد الكيان الإسرائيلي، سقطت هذه التهمة بشكل تلقائي، وباتت محط سخرية. كذلك إذ يتم مقاطعة كلمة نتنياهو في الأممالمتحدة من قبل عشرات الدول، أن تضطر دول لإخفاء علاقاتها مع الكيان، وتنقل الأسلحة إليها بالخفاء، فذلك شيء يستدعي الانتباه، لاسيما وأن هذه الأنظمة لا تفعل ذلك خوفا من عقوبات عربية، بل لأنها تدرك أن شعوبها تعتبر تسليح اسرائيل جريمة، وأن النظام الصهيوني يفرض املاءته على النظم السياسية. وفقا لاستطلاع مركز بيو الأمريكي فقد ارتفع عدد الذين يؤيدون إيقاف الدعم الأمريكي للاحتلال بالأسلحة إلى 60 %، ورغم أن السياسة الأمريكية لا تأخذ مثل هذه النتائج بالاعتبار، وتقدم مصالح الاحتلال حتى حين تتعارض مع مصالح أمريكا، إلا أن هذا التغير لا يُستهان به، خصوصا حين يكون أغلب المصوتين من الجيل الجديد الذي لا تُصنع توجهاته بواسطة تلفزيون الكايبل. ليس مشهدا مألوفا أن يخرج الآلاف من المواطنين في إيطاليا وفرنسا وألمانيا وعدد من البلدان بشكل عفوي فور هجوم العدو على أسطول الصمود، وليس مألوفا أن يتم إعلان اضراب شامل في دولة ما لأجل فلسطين من قبل، ليس مألوفا أن يواجه الناشطون ساسة بلدانهم في كل فعالية ومحفل ليرفعوا في وجههم عبارة فلسطين حرة، ويساءلونهم عن دعمهم لاسرائيل. ليس مألوفا أن فلسطين أصبحت تطارد الصهاينة في الاستوديوهات التلفزيونية والشوارع والفعاليات. إن فلسطين تحرر الإنسانية والعالم اليوم من هيمنة صهيونية تجذرت لعقود.