أكد عدد من الأكاديميين والباحثين بمركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة واحدية النضال والكفاح والمصير لأبناء الشعب اليمني الحر في مسار ثوراته الشعبية التحررية: 21 و26 سبتمبر و14 أكتوبر، التي نشد من خلالها الشعب الحرية والاستقلال ورفض الوصاية والتبعية والهيمنة الاستعمارية والتدخلات الخارجية التي تبنتها ورسمتها قوى الاستكبار وطغاة العصر: أمريكا والغرب والكيان الصهيوني، في إطار مخططاتها وأجندتها الإجرامية لنهب مقدرات وخيرات الأمة الإسلامية والعربية، والسيطرة الفكرية والثقافية على الشعوب بواسطة أنظمتها وحكوماتها العميلة كأدوات للتنفيذ. أجرت صحيفة 26 سبتمبر هذه اللقاءات بمناسبة الذكرى ال62 لاندلاع شرارة ثورة 14 أكتوبر المجيدة عام 1963م، وكانت البداية مع: لقاءات: القسم العسكري العقيد الركن الدكتور علي الرحبي قال: - يحتفل اليمنيون الأحرار داخل اليمن وخارجه بالذكرى السنوية ال62 لثورة 14 أكتوبر 1963م المجيدة، ضد أقذر وأحقر استعمار واحتلال بريطاني، جثم على صدور اليمنيين في جنوب الوطن نحو 128 عامًا من الزمن. في جنوب وشرق اليمن، عمل الإنجليز على إشعال الحروب والنعرات الطائفية والمذهبية بين أبناء اليمن من منطلق "فرّق تسد"، وتجرّع أبناء اليمن أنواع المآسي والأزمات، إذ سُلبت منهم أبسط حقوقهم وحرياتهم. كما سعى المحتل لتحقيق أهداف ومصالح اقتصادية في السيطرة على الموانئ، وإعطاء اليمنيين الفتات. لم يكتفِ المحتل البريطاني بجنوب وشرق اليمن، بل كانت له أطماع في غرب اليمن والجزر اليمنية في ساحل البحر الأحمر، حيث احتل جزيرة كمران عام 1868، وحنيش عام 1885م، وأراد احتلال مدينة الحديدة بعد خروج العثمانيين عام 1918م وسيطرة الإمام يحيى حميد الدين عليها، والاحتفاظ بها كورقة رابحة للضغط على الإمام ومساومته عليها ليغض الطرف عن وجودهم في جنوباليمن، وحتى لا يُشكل تهديدًا لهم في المستقبل. كل ذلك حتم على الشعب اليمني العظيم في جنوباليمن أن يقف صفًا واحدًا، متصديًا بكل قوة وعنفوان وفداء لجبروت أعتى وأقوى دولة استعمارية، ما تسمى الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. فكانت الانطلاقة لثوار 14 أكتوبر الذين أسهموا في ثورة 26 سبتمبر. وعاد الثوار الأحرار من أبناء الجنوباليمني حاملين في صدورهم شرارة الثورة والخبرة والتجربة والعلوم العسكرية التي تعلموها، وبمساندة الأحرار والثوار والشرفاء من محافظات شمال اليمن، ليكونوا وقودًا لثورة 14 أكتوبر التي مرغت أنوف المستعمر في تراب الوطن. فكانت الطلقة الأولى التي تفجرت شرارتها في الرابع عشر من أكتوبر 1963، من على قمم جبال ردفان، على يد شهيد ثورة أكتوبر راجح لبوزة. جاءت ثورة أكتوبر 1963 امتدادًا طبيعيًا لثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 في شمال الوطن ضد الحكم الإمامي، محققة الهدف الأول من أهداف الثورة: التحرر من الاستبداد والاستعمار، وإقامة حكم جمهوري عادل. هذه الثورة التي استطاعت أن تنجز الاستقلال اليمني عن المستعمر البريطاني، وغيرت حياة اليمنيين ومجرى التاريخ في جنوب الوطن بشكل خاص، واليمن بشكل عام وجمعت اليمنيين في صف واحد، ووحّدت 23 سلطنة ومشيخة وإمارة في جنوباليمن. أثبتت ثورة الرابع عشر من أكتوبر واحدية النضال اليمني، وعكست واحدية الجغرافيا والشعب في شطري اليمن، لتحقق بذلك الهدف السادس من مبادئ وأهداف ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر: تحقيق الوحدة الوطنية في 22 مايو 1990م. وأخيرًا، تأتي هذه المناسبة لتذكرنا بتلك التضحيات الجسيمة التي بذلها أحرار أكتوبر من أجل تحقيق مبادئ وأهداف هذه الثورة العظيمة، التي مهّدت لإنجاز الاستقلال اليمني في 30 نوفمبر 1967، بخروج آخر جندي بريطاني من جنوباليمن، وتسليم الجزر اليمنية عام 1970م. ولتذكّر أحرار اليمن في جنوب الوطن وشرقه أن تلك الدماء الزكية التي روت تراب الوطن لم تجف، وأن أحلام المحتلين السعودي والإماراتي، أدوات بريطانياوأمريكا وإسرائيل في نهب ثروات اليمن وتقسيمه وتجويع أبنائه وحرمانهم من حقوقهم وبث النعرات وإشعال الحروب بين اليمنيين، لن تدوم كثيرًا، وأن شمس الحرية والتحرر قريبة. من جهته قال الباحث عياش المطري: - ثورة 14 أكتوبر هي ثورة اشتعلت شرارتها في 14 أكتوبر 1963م، في الجزء الجنوبي من اليمن ضد الاحتلال البريطاني، وانطلقت من جبال ردفان، بقيادة راجح بن غالب لبوزة، الذي استشهد مع مغيب شمس يوم الثورة. وقد شنت السلطات الاستعمارية حملات عسكرية غاشمة استمرت ستة أشهر، ضربت خلالها القرى والسكان الآمنين بمختلف أنواع الأسلحة، وتشرد على إثرها آلاف المدنيين العزل. واتّبعت القوات البريطانية في هجماتها وغاراتها على مناطق ردفان سياسة "الأرض المحروقة"، وخلفت كارثة إنسانية فظيعة جعلت أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني يدين تلك الأعمال اللاإنسانية. في 10 ديسمبر 1963، ألقى عناصر من جبهة التحرير القومية قنبلة استهدفت المندوب البريطاني السامي. واستمرت هجمات الفصائل حتى انسحبت القوات البريطانية عن عدن في 30 نوفمبر 1967، قبل الموعد المقرر من قبل رئيس الوزراء البريطاني هارولد ويلسون، وقامت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. وقد قامت الثورة لتحقيق الأهداف التالية: تصفية القواعد وجلاء القوات البريطانية من أرض الجنوب دون قيد أو شرط. إسقاط الحكم السلاطيني الذي يُصنّف بأنه رجعي. إعادة توحيد الكيانات العربية الجنوبية سيرًا نحو الوحدة العربية والإسلامية على أسس شعبية وسلمية. استكمال التحرر الوطني بالتخلص من السيطرة الاستعمارية الاقتصادية والسياسية. إقامة نظام وطني على أسس ثورية سليمة يغيّر الواقع المتخلف إلى واقع اجتماعي عادل ومتطور. بناء اقتصاد وطني قائم على العدالة الاجتماعية يحقق للشعب السيطرة على مصادر ثرواته. توفير فرص التعليم والعمل لكل المواطنين دون استثناء. إعادة الحقوق الطبيعية للمرأة ومساواتها بالرجل في قيمتها ومسؤولياتها الاجتماعية. بناء جيش وطني شعبي قوي بمتطلباته الحديثة يمكّنه من الحماية الكاملة لمكاسب الثورة وأهدافها. انتهاج سياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز بعيدًا عن السياسات والصراعات الدولية. من جانبه أكد الباحث منيف مفرح بالقول: - تمثل ثورة 14 أكتوبر 1963م منعطفًا حاسمًا في التاريخ الحديث لليمن بشكل خاص، والمنطقة العربية بشكل عام. لم تكن هذه الثورة مجرد رد فعل على الاستعمار البريطاني الذي احتل الجنوباليمني لمدة 129 عامًا، بل كانت تعبيرًا عن نضج وطني ووعي ثوري متجذر، تبلور عبر عقود من المقاومة والتراكم النضالي. انطلقت الشرارة الأولى للثورة من جبال ردفان الشماء، لتمتد نيرانها إلى كل أرجاء المحميات الغربية والشرقية، وتُسقِط آخر معقل استعماري في شبه الجزيرة العربية، معلنة قيام جمهورية اليمنالجنوبية الشعبية في 30 نوفمبر 1967م. لقد مثّل قيام الثورة في شمال اليمن (ثورة 26 سبتمبر) حافزًا معنويًّا وسياسيًّا هائلًا لأبناء الجنوب. لم تكن الثورة الشمالية مصدر إلهام فحسب، بل قدمت قاعدة خلفية آمنة للثوار الجنوبيين، حيث تم تأسيس وتدريب العديد من خلايا المقاومة في تعز وصنعاء. كما أن دعم الرئيس المصري جمال عبد الناصر للثورة في الشمال امتد ليشمل دعم ثورة الجنوب، مما وفر غطاءً إقليميًّا ودعمًا لوجستيًّا وسياسيًّا كان حاسمًا في المراحل الأولى. في 14 أكتوبر 1963م، أعلن راجح بن غالب لبوزة، قائد "جبهة التحرير" في منطقة ردفان، بدء الكفاح المسلح ضد القوات البريطانية. كانت معركة "الضريبة" الشهيرة هي أولى العمليات العسكرية، حيث واجه فيها الثوار القوات البريطانية بشجاعة نادرة. وسرعان ما انتشرت العمليات الفدائية في عدن والمناطق الأخرى. أدركت بريطانيا خطورة هذا التمرد، فأرسلت قوات كبيرة وفرضت الأحكام العرفية، واشتهر قائد الثورة في ردفان "لبوزة" بلقب "الأخضر"، وأصبح رمزًا للمقاومة. لقد برز على الساحة تنظيمان رئيسيان قادا العمل المسلح والسياسي: جبهة تحرير جنوباليمن المحتل: تأسست بمبادرة من القيادة الناصرية في القاهرة، وضمت في صفوفها عددًا من الشخصيات الوطنية والقبائل، وكانت ذات توجه قومي عربي. الجبهة القومية: انشقت عن جبهة التحرير لاحقًا، وتبنت فكرًا أكثر راديكالية، يجمع بين القومية العربية واليسار الماركسي. كانت أكثر تنظيمًا وعسكرة، وتمكنت من السيطرة على معظم ساحات القتال. شهدت العلاقة بين التنظيمين صراعًا مريرًا على الزعامة وتمثيل الثورة، تحول في أواخر مرحلة التحرير إلى مواجهات مسلحة في الشوارع، خاصة في عدن. لم يقتصر نضال الثورة على العمليات العسكرية فقط، بل شمل: الكفاح المسلح: العمليات الفدائية، وكمائن الجيش، وحرب العصابات في الجبال. النضال الشعبي: المظاهرات الطلابية والعمالية، والإضرابات العامة التي شلّت مرافق حيوية في عدن. النضال السياسي والدبلوماسي: التعبئة الإعلامية، وكسب التأييد الإقليمي والدولي في المحافل الدولية مثل الأممالمتحدة. في حين واجهت بريطانيا الثورة بقمع شديد، اتبعت سياسة "الأرض المحروقة" في ردفان، واستخدمت الطيران الحربي لقصف القرى المشتبه في دعمها للثوار. في عدن، أنشأت شبكة من نقاط التفتيش وعمليات تفتيش عنيفة، وارتكبت مجازر بحق المتظاهرين العزل، كمجزرة "دار السعادة" في 20 يونيو 1967م، التي راح ضحيتها العشرات من أبناء اليمن. لذلك، تبقى ثورة 14 أكتوبر 1963م حدثًا تأسيسيًّا في الذاكرة الجمعية لأبناء اليمنجنوبًا وشمالًا. كانت تعبيرًا صادقًا عن إرادة شعب رفض الخضوع، واختط طريقه نحو الحرية بثمن باهظ من الدماء والتضحيات. ورغم كل الانتقادات التي يمكن توجيهها لمسار ما بعد الاستقلال، من صراعات دموية وقمع وتطرف أيديولوجي، فإن الجوهر التحرري للثورة يظل منيعًا. ويجب أن تُدرَس ثورة 14 أكتوبر ليس فقط كحدث تاريخي منعزل، بل كعملية نضالية متكاملة تقدم نموذجًا لفهم ديناميكيات الكفاح ضد الاستعمار، وتعقيدات بناء الدولة الوطنية في ظل ظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد. إنها، في نهاية المطاف، فصلٌ مشرقٌ من فصول كفاح الشعب اليمني من أجل حريته وكرامته ووحدة أرضه.