إن تداعيات السيطرة على حضرموت والمهرة تمثِّل كسراً لتوازن القوى في اليمن. لذا، فإن السيطرة الفعلية على محافظتي حضرموت والمهرة تمثل نقطة تحول استراتيجية حرجة في الصراع اليمني، فهي تتجاوز كونه تغييراً إدارياً، لتصبح خطوة حاسمة نحو تكريس الواقع الانفصالي وتغيير جذري للتوازنات الإقليمية والمحلية. هذا التحليل يستعرض الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية والسياسية لهذه الخطوة، خصوصاً في سياق تمدد نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي. 1. العمق الاستراتيجي والتحكم الجيوسياسي: مفتاح الهيمنة الإقليمية التحكم بحضرموت والمهرة يمنح القوة المسيطرة عمقاً استراتيجياً غير مسبوق في شبه الجزيرة العربية: * السيطرة على الحدود الطويلة: تمنح هذه السيطرة تحكماً كاملاً بأغلب الحدود الشرقية والجنوبية لليمن، بما في ذلك الحدود الشاسعة مع سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، ما يجعل الكيان المتحكم فيه لاعباً إقليمياً رئيسياً. * الإطلالة البحرية: السيطرة على الساحل الشرقي (بحر العرب) يضمن الإشراف على الممرات المائية الحيوية في هذه المنطقة، ويكمل السيطرة على خليج عدن، وجزيرة سقطرى، مما يعزز النفوذ على الملاحة الدولية. * تطويق الشمال: تُعَد هذه المحافظات هي "الظهر" للمحافظات الشمالية والوسطى، والسيطرة عليها تضعف بشكل كبير موقف الحكومة القائمة في مأرب أو أي قوى شمالية أخرى، وتضع المجلس الانتقالي في موقع قوة تفاوضي مطلق. 1. الاستدامة الذاتية: حضرموت والمهرة "الخزان" الاقتصادي لليمن حضرموت والمهرة هما الخزان الاقتصادي والموارد الطبيعية لليمن. * النفط والغاز الاسماك والموارد: حضرموت هي عصب الاقتصاد اليمني، حيث تضم أهم حقول إنتاج النفط (مثل حقول المسيلة) وميناءي التصدير الرئيسي (ميناءي الضبة والمكلا). السيطرة عليهما توفر مصدراً مالياً مستقلاً ضخماً، يمكن من خلاله تمويل كيان مستقل ذاتياً بعيداً عن الحاجة للدعم الخارجي أو الالتزام بالمفاوضات. * المنافذ البرية والبحرية: توفر المهرة منافذ برية مهمة (كشحن وصرفيت) تطل على الخليج العربي، ما يفتح طرقاً للتجارة الدولية والمحلية، ويؤمن إيرادات الجمارك والضرائب. 1. تفكيك دولة العليمي: الأثر السياسي على مجلس القيادة ومشروع الوحدة تُمثِّل هذه الخطوة تحدياً وجودياً للمجلس القيادي الرئاسي، وتوجه ضربة قاصمة لمفهوم الوحدة. * تكريس الانفصال: إذا تمكن المجلس الانتقالي من فرض نفوذه بشكل كامل ومستدام في هذه المحافظات ذات الكثافة السكانية والخيرات الكثيرة والمساحة الشاسعة، فإنه يُحقق فعلياً أكثر من 80% من أهداف استعادة "دولة الجنوب"، محولاً هذا المشروع من مطلب سياسي إلى واقع جغرافي واقتصادي. * إضعاف ما يسمى الشرعية: تضع السيطرة على هذه المحافظات المجلس الرئاسي برئاسة رشاد العليمي في موقف ضعيف، حيث تصبح سلطته رمزية وغير مكتملة. هذا يقلل من قدرته على التفاوض كممثل للدولة اليمنية الموحدة، ويزيد من التشظي المؤسسي. * تعقيد مفاوضات السلام: سيصبح أي حل سياسي شامل مع حكومة صنعاء أصعب، حيث يتعين على المفاوضين التعامل مع ثلاثة أطراف رئيسية (حكومة صنعاء، حكومة ما يسمى مجاز الشرعية الضعيفة، والمجلس الانتقالي المسيطر على الأرض والموارد)، مما يدفع باتجاه سيناريو الكيانات المتعددة بدلاً من الدولة الموحدة. 1. ردود الفعل الإقليمية: قلق عُماني ومراجعة سعودية * قلق عُماني: ستتابع سلطنة عمان بقلق بالغ أي تغيير في الوضع الأمني والإداري في المهرة المتاخمة لها، وستسعى لضمان أمن الحدود وعدم تحويل المنطقة إلى مصدر عدم استقرار. * مراجعة سعودية: سيتعين على المملكة العربية السعودية مراجعة استراتيجيتها، حيث أن سيطرة أي فصيل منفرد على الموارد النفطية والحدود قد يغير من طبيعة علاقاتها المستقبلية مع الكيانات الصاعدة في الجنوب. الخلاصة السيطرة على حضرموت والمهرة ليست مجرد انتصار تكتيكي، بل هي تغيير لقواعد اللعبة في اليمن. إنها تضع الكيان المسيطر على طريق الاستقلال الاقتصادي والدبلوماسي الفعلي، وتسرع بشكل كبير من وتيرة تفكك الدولة اليمنية الموحدة، مما يجعل حل النزاع القائم أكثر تعقيداً ويدفع باتجاه الاعتراف بكيانات أمر واقع في المستقبل القريب.