ذكرت تقارير صحفية أنه تبعا لأرقام وزارة الداخلية الفرنسية فقد بلغت نسبة مشاركة الناخبين الفرنسيين في الجولة الحاسمة لانتخابات الرئاسة عند الثانية عشرة بتوقيت باريس نحو 34 بالمائة ما يعتبر رقما قياسيا يتخطى نسبة المشاركة في الساعة المماثلة خلال الدورة الأولى والتي جرت قبل حوالي اسبوعين. وكانت مراكز الاقتراع قد فتحت أبوابها صباح اليوم الأحد أمام الناخبين ليدلوا بأصواتهم لاختيار رئيس جديد للبلاد في الجولة الثانية والنهائية من الانتخابات الرئاسية الأكثر سخونة في تاريخ فرنسا الحديث. وكان أكثر من 44 مليون ناخب فرنسي قد بدأوا صباح اليوم في الإدلاء بأصواتهم وذلك للمرة الثانية خلال اسبوعين لاختيار الشخصية التي تخلف الرئيس جاك شيراك في قصر الاليزيه، ولتكون الرئيس السادس في ظل الجمهورية الخامسة التي توالى على المنصب فيها منذ تأسيسها الجنرال شارل ديغول وجورج بومبيدو وفاليري جيسكار ديستان وفرنسوا ميتران وشيراك. ويسعى كل من المرشح اليميني المحافظ نيكولا ساركوزي ومرشحة الحزب الاشتراكي سيجولين رويال لخلافة الرئيس الحالي جاك شيراك الذي أمضى 12 سنة في سدة الرئاسة الفرنسية. وكان الاثنان قد حصلا على أعلى نسبة من اصوات الناخبين خلال الجولة الاولى التي جرت في ال 22 من ابريل الماضي. وقام كل من ساركوزي ورويال، امس، بآخر جولاتهما الانتخابية. وكان الناخبون الفرنسيون في بعض أنحاء العالم خارج فرنسا قد بدأوا عملية الإدلاء بأصواتهم أمس، حيث بدأت العملية الانتخابية في سان بيار وميكيلون شرقي كندا. كما صوت الناخبون أيضا في جويانا الفرنسية وجزيرتي مارتينيك وجوادالوبي الكاريبيتين وبولينيزيا الفرنسية في الباسفيك. وكان ساركوزي وروايال قد تبادلا الاتهامات في اختتام حملتيهما، حيث حذرت رويال من أن ترشيح ساركوزي يمثل خطراً على البلاد، وأن فوزه بالرئاسة يهدد باغراق فرنسا في القسوة والتركيز للسلطات في ايدي طرف واحد وبالشرخ الاجتماعي. وأضافت ان من واجبها اليوم "توجيه إنذار" بالنسبة إلى العنف والوحشية اللذين ستشهدهما البلاد، وان "هذا ما يعرفه الجميع ولا يفصح عنه أحد لأنه محظور". ورد ساركوزي خلال جولة في جبال الألب الفرنسية، ان رويال " تنهي (حملتها) بعنف، بحال انفعال شديد بكل تأكيد. عندما اسمع تصريحاتها أتساءل عن السبب الذي يجعل امرأة بهذه المؤهلات تحمل الكثير من المشاعر العنيفة، إنها تشعر على الارجح بان الارض تنهار من تحتها، ولذلك فهي تتوتر وتتشنج وتظهر طبيعتها الحقيقية". في هذه الأثناء، أفادت آخر استطلاعات الرأي أن ساركوزي بات يتقدم على رويال بما يراوح بين 6 و9 نقاط. والواضح أن ساركوزي حتى الآن نجح في اقناع غالبية من الفرنسيين بأنه مفتاح الخلاص لهم، من مشاكلهم الموروثة عن الحكومات المتتالية اليمينية واليسارية. وصاغ برنامجاً انتخابياً يفترض أن يجعل من فرنسا ورشة تجديد وتغيير وديناميكية، موحياً بأنهم، باختيارهم له، سيكونون على موعد مع التقدم والانتعاش والرفاهية. صحيح أن رويال وعدت أيضاً من جانبها بتغيير الأمور وتحسينها، لكنها أدرجت هذا التغيير من ضمن الأوضاع القائمة، معتبرة أن الأسس الموجودة يمكن الارتكاز إليها لتسيير الأمور نحو الأفضل. وفيما أرادت عبر هذا الموقف طمأنة الفرنسيين، فإنهم ربما وجدوا أن طرحها ينطوي على خطر بقاء الأوضاع، كما هي عليه الآن من جمود. من جانبها، تراهن رويال على استقطاب كبير من ناخبي تيار الوسط وزعيمه فرنسوا بايرو الذي حل ثالثا في الدورة الاولى من الانتخابات. وهي اعلنت انها ستتعاون، في حال اختيارها، مع هذا التيار خصوصا بايرو. وجاء هذا الاعلان بعد المناظرة التلفزيونية مع ساركوزي، والتي أبدت خلالها رويال قدراً فائقاً من القتالية والشراسة. لكن هذه الصورة لم تلعب لمصلحتها لدى الناخبين، ولم تسمح لها برفع مستوى التأييد الشعبي. ودعت الناخبين خلال تجمع ضم اكثر من الفي شخص امس الاول في لوريان غرب البلاد إلى "الاقبال بكثافة على التصويت"، مشددة على انه لا يزال هناك "30 في المئة من الاشخاص الذين لا يزالون يتساءلون" عمن سيختارون للرئاسة. وقالت في مقابلة صحفية ان ساركوزي يتبع "ايديولوجية المحافظين الجدد" ذاتها التي يعتمدها الرئيس الاميركي جورج بوش" ويرى مراقبون انه اذا صدقت استطلاعات الرأي، سيكون ساركوزي الرئيس الأول ذا الأصل المهاجر، إذ فرّ والده المجري من وجه الشيوعيين في الحرب العالمية الثانية، غير انه سيقفل أبواب البلاد امام المهاجرين الجدد وسيشن حملة على المنحرفين المراهقين. وتستعد الشرطة لمواجهة اي اعمال شغب محتملة ليل الاحد في الأحياء الفقيرة في حال فوزه. وخلال الأسبوعين اللذين فصلا بين الدورتين، استطاع ساركوزي الحفاظ على موقفه اليميني. ومع أنه أعلن انفتاحه على الوسط، فقد كان خطابه موجهاً في أكثر الأحيان الى يمين اليمين، محاولاً استقطاب أصوات اليمين المتطرف. وبدت رويال طوال المعركة الانتخابية مترددة في عرض أفكارها السياسية. كما شددت على تقاربها مع مرشح الوسط، ولكن بلغة اشتراكية متحجرة. وعندما أعلنت إمكان تعيين بايرو رئيساً للوزراء، رفض شريكها الأمين العام للحزب الاشتراكي فرنسوا هولاند هذا الطرح. وتتسبب هذه التناقضات بين موقفها وموقف الحزب بارتباك لدى الناخبين الفرنسيين.