قيادي إصلاحي يترحم على "علي عبدالله صالح" ويذكر موقف بينه و عبدالمجيد الزنداني وقصة المزحة التي أضحكت الجميع    لا يجوز الذهاب إلى الحج في هذه الحالة.. بيان لهيئة كبار العلماء بالسعودية    عاجل: الحوثيون يعلنون قصف سفينة نفط بريطانية في البحر الأحمر وإسقاط طائرة أمريكية    دوري ابطال افريقيا: الاهلي المصري يجدد الفوز على مازيمبي ويتاهل للنهائي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر    أجواء ما قبل اتفاق الرياض تخيم على علاقة الشرعية اليمنية بالانتقالي الجنوبي    عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    رصاص المليشيا يغتال فرحة أسرة في إب    آسيا تجدد الثقة بالبدر رئيساً للاتحاد الآسيوي للألعاب المائية    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتورالفسيل/ الإصلاحات شكلت محورا هاما في اقتصاد اليمن خلال ال17عاما
نشر في 26 سبتمبر يوم 22 - 05 - 2007

قال الدكتور طه احمد الفسيل أستاذ الاقتصاد بجامع ة صنعاء إن الاقتصاد اليمني شهد خلال السبعة عشر عاماُ من عمر الوحدة اليمنية تطورات عديدة وان الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية شكلت محوراً رئيسياً في الاقتصاد اليمني , مشيرا إلى وان المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي 1995-2000 حققت مقارنة بالفترة 1991 -1994 العديد من النتائج الايجابية ومنها ارتفاع متوسط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى نحو 5.5% و انخفاض معدل التضخم السنوي من حوالي 71.3% في عام 1994 إلى 4.6% عام1995، ثم إلى 10.1% في المتوسط سنوياً خلال الفترة 1998 – 2000م وكذا انخفاض حجم عجز الميزانية العامة للدولة من حوالي 45.6 مليار عام 1994 إلى حوالي 26.6 مليار في عام 1995م.
مؤكدا إن الإصلاحات المالية والاقتصادية كانت ضرورة ملحة بعد ان تفاقمت الاختلالات الاقتصادية والمالية والنقدية التي ورثتها دولة الوحدة من شطري اليمن وتزامنت معها أحداث إقليمية ودولية غير مواتية أهمها اندلاع حرب الخليج الثانية وانهيار الكتلة الاشتراكية، وكذا تنامي ظاهرة العولمة الاقتصادية والمالية والسياسية , موضحا انه وفي خضم تلك التطورات والمستجدات غير المواتية برزت أهمية تبني اليمن للإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية كمنهج وأسلوب لإدارة الاقتصاد اليمني باعتبارها ضرورة داخلية بغرض مواجهة هذه الاختلالات ومعالجة تدني مستوى كفاءة وفاعلية الجهاز الإداري للدولة، وفي الوقت نفسه تمكين اليمن من مواجهة التحديات والمستجدات الإقليمية والدولية ولصالح الاقتصاد الوطني.
مؤكدا في ورقة عمل قدمها إلى ندوة الوحدة اليمنية في عامها السابع عشر ان الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية أصبحت محوراً رئيسياً في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبرامج الحكومات اليمنية المتعاقبة منذ نهاية مارس 1995 وحتى الوقت الحاضر، وستظل كذلك مستقبلاً ما دامت الحاجة إليها قائمة , وأضاف الدكتور الفسيل ان اليمن بدأت بتنفيذ برنامجاً للإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري بالتعاون مع المؤسسات والدول المانحة، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، حيث تم تنفيذ المرحلة الأولى من هذا البرنامج خلال الفترة (1996 – 2000) بمساعدة ودعم المانحين وخاصة الصندوق والبنك الدوليين. كما تواصلت خطوات المرحلة الثانية (2001 – 2005) في إطار الأهداف والسياسات والإجراءات العامة لكل من الخطة الخمسية الثانية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (2001 – 2005) وإستراتيجية التخفيف من الفقر(2003-2005). وتشكل الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية كذلك أحد المرتكزات العامة لخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة للتخفيف من الفقر 2006 – 2010.
وقال في ورقة العمل التي حملت عنوان (الوحدة اليمنية... ومسيرة الإصلاحات الاقتصادية والمالية) ان الجمهورية اليمنية واجهت منذ الشهور الأولى لإعلان قيامها في مايو 1990 عدة تطورات محلية وإقليمية ودولية غير مواتية، ساهمت في تفاقم الأوضاع والاختلالات الاقتصادية والمالية والنقدية التي ورثتها الدولة الوليدة من شطري اليمن، حيث تدنت معدلات نمو الناتج المحلي الحقيقي بصورة كبيرة، وتواضعت نسبة مساهمة القطاعات الإنتاجية في هذا الناتج، فضلا عن تزايد معدلات نمو عجز الموازنة العامة وارتفاع نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي، وكذا تسارع معدلات التضخم ، وارتفاع معدلات البطالة ، وتدهور قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية بالإضافة إلى تزامن كل ذلك مع تصاعد أزمة مديونية اليمن الخارجية نتيجة التراكم المستمر لمتأخرات مدفوعات إقساطها مع الفوائد، وكذلك تفاقم الاختلال الخارجي متمثلاً في عجز ميزان المدفوعات، إلى جانب تناقص حصيلة الدولة من العملات الأجنبية نتيجة انهيار الكتلة الشرقية الاشتراكية وانقطاع المساعدات والمنح والقروض الميسرة من دول مجلس التعاون الخليجي ومن الدول الغربية.
موضحا ان الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي شهد نمواً متقلباً تفاوت بين سنة وأخرى خلال الفترة 1991-1994، واتسمت معدلات نموه بالتدني نسيباً باستثناء عام 1992، وبحيث حقق معدل نمو تراوح بين 2.5% و 4,2% في المتوسط سنوياً خلال الفترة نفسها وفقاً للبيانات الرسمية ,و تشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى تحقيق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمعدلات نمو سالبة تقريباً خلال الفترة (1991 – 1994 ) كمتوسط سنوي في الوقت الذي بلغ فيه معدل النمو السكاني حوالي 4%. ويعكس هذا الأداء ضعف الهيكل الإنتاجي، وسيطرة عوامل طبيعية وخارجية لا يمكن التحكم أو التنبؤ باتجاهاتها بقطاعات اقتصادية رئيسيه في مقدمتها قطاعي الزراعة والنفط، فضلاً عن مساهمة عدة عوامل اقتصادية وسياسية، وإدارية وفنية في انخفاض أداء الناتج المحلي الإجمالي.
وأضاف : انه وفي الوقت نفسه واجه الاقتصاد الوطني خلال الفترة 1991 – 1994 موجة تضخمية جامحة تمثلت في ارتفاع معدلات التضخم وتزايدها من 44.9 % عام 1991 إلى 71.3% عام 1994 وبمتوسط سنوي بلغ 57.3% خلال هذه الفترة وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، ترتفع هذه النسبة إلى حوالي 65.8% في المتوسط سنوياً خلال الفترة نفسها وفقاً للبيانات الرسمية.
وقد عكست هذه الأوضاع نفسها على مستوى دخول الأفراد بحيث تراجع متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي بصورة مستمرة من 701 دولار للفرد في عام 1990 إلى مابين 365 دولاراً للفرد في عام 1994. فضلاً عن ذلك بدأ عدد العاطلين في التزايد منذ مطلع عام 1991 حتى تجاوز عددهم النصف مليون عاطل في عام 1995، لتتراوح نسبة البطالة بين 25 – 50% من إجمالي قوة العمل في الاقتصاد اليمني حسب المصادر المختلفة. كما بدأت مظاهر الفقر تبدو أكثر وضوحاً واتسعاً عاماً بعد أخر.
وارجع الدكتور طه الفسيل أسباب انتشار البطالة والفقر خلال هذه الفترة واتساع نطاقها، إلى أسباب خارجية وداخلية، حيث ساهمت الظروف الإقليمية غير المواتية التي حدثت بسبب أزمة الخليج الثانية في أغسطس 1990، والاضطرابات السياسية التي شهدتها دول القرن الإفريقي في تزايد عدد العاطلين في الاقتصاد اليمني نتيجة لعودة العاملين والمهاجرين اليمنيين في هذه المناطق إلى ارض الوطن. كما لعبت السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية المتبعة خلال هذه الفترة دوراً إضافياًَ في تفاقم هذه المشكلة بسبب تراجع دور الدولة الاستثماري والتنموي، واستئثار النفقات الجارية بالجزء الأكبر من النفقات العامة. في الوقت نفسه أحجم القطاع الخاص عن القيام باستثمارات واسعة لانعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي، ولذلك أصيبت الأنشطة التي تحتاج إلى عمالة يدوية كثيفة نسبياً بالجمود، وخصوصاً في قطاعات البناء والتشييد وعمليات صيانة وتوسيع البنية الأساسية. ومن ناحية ثالثة ساهم التسرب من قطاع التعليم في رفع معدل البطالة في الاقتصاد اليمني، فقد لجأت معظم الأسر إلى زيادة عدد أفرادها الباحثين عن فرص عمل وسحبهم من مقاعد الدراسة بسبب تدهور مستوى دخولها الحقيقة، وتعقد ظروف الحياة وتزايد أعبائها. بالإضافة إلى ذلك، ساهم وجود أكثر من مائة ألف عامل أجنبي كانوا يعملون في البلاد في تضييق فرص العمل أمام العمالة المحلية، خصوصاً وأن الكثير منهم كانوا يعملون في مهنٍ بسيطة يمكن أن يقوم بها العامل المحلي.
ب – تدهور أداء السياسة المالية :
شكل عجز الموازنة العامة خلال الفترة 1990 – 1994 أحد أهم ملامح الأزمة الاقتصادية والمالية التي شهدتها اليمن خلال هذه الفترة لكبر حجمه وتزايد معدلات نموه وطبيعة تمويله. فقد ساهمت اختلالات الموازنة العامة وتنامي العجز وتمويله من مصادر تضخمية إلى حدوث اختلال بين الطلب الكلي والعرض الكلي، أدى بالتالي إلى إحداث عجز مستمر في ميزان المدفوعات. كما ساهمت هذه الاختلالات بصوره مباشرة في التدهور الحاد في مجمل المؤشرات المالية والاقتصادية والتي برزت أهم مظاهرها في تدهور سعر صرف العملة الوطنية وارتفاع معدلات التضخم. وترجع هذه الاختلالات بصورة أساسية إلى نمو النفقات العامة بمعدلات اكبر من نمو الإيرادات وبالتالي تنامي عجز الموازنة العامة واتساع حجم الفجوة المالية.
فقد اتسمت الفترة 1990 – 1994 بإتباع الحكومة سياسة انفاقية توسعية بحيث تضاعف حجم النفقات العامة خلال ثلاث سنوات، لترتفع من 44.1 مليار ريال عام 1991 إلى 87.1 مليار ريال عام 1994، وبمعدل نمو سنوي بلغ 22.6% في المتوسط خلال هذه الفترة ، في حين ارتفعت الإيرادات العامة من 38 مليار ريال إلى 42 مليار ريال فقط خلال الفترة نفسها.
وصاحب هذا التفاوت الكبير بين الإيرادات العامة والنفقات العامة ظروف غير مواتية، تمثلت بصورة رئيسية في انخفاض حجم القروض والمساعدات الخارجية للموازنة إلى حوالي 293 مليون ريال للمساعدات و 16 مليون ريال للقروض في المتوسط سنوياً خلال هذه الفترة. كما اتسمت هذه الفترة بإتباع الحكومة لسياسة انفاقية توسعية تركزت أهدافها بصورة أساسية على تغطية تكاليف ونفقات عملية توحيد الكادر الوظيفي لشطري اليمن ودمج المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية ، الأمر الذي أدى إلى تضخم النفقات الجارية لترتفع نسبتها إلى إجمالي النفقات العامة من 77.5 % عام 1990 إلى 87.9% عام 1994، وبمتوسط نمو سنوي يزيد عن 83.3%. كما استحوذ بند الأجور والمرتبات وما في حكمها على حوالي 60 % من إجمالي النفقات العامة في المتوسط سنوياً خلال الفترة نفسها وحوالي 73% من إجمالي النفقات الجارية. وبإضافة النفقات السلعية والتحويلية إلى بند الأجور والمرتبات فإن نسبة النفقات الجارية ترتفع لتشكل 85% من إجمالي النفقات العامة كمتوسط سنوي، وبمعدل نمو سنوي يُقدر بحوالي 28%. ونتيجة لذلك كان نصيب النفقات الاستثمارية متواضعاً بلغ 11% في المتوسط سنوياً من إجمالي النفقات العامة، كما تم إنفاق جزءاً غير يسير منها على عمليات التصميم والتخطيط وشراء وسائل نقل وتجهيزات وأثاث مكتبي.
في المقابل، اتسمت الإيرادات العامة بالجمود النسبي خلال هذه الفترة بسبب ضعف قاعدة مواردها الحقيقية وجمود الهيكل الضريبي، ولتراجع نصيب الدولة من الإيرادات النفطية، كما ساهمت الأوضاع السياسية والاقتصادية غير المستقرة في تواضع حجم الإيرادات العامة. وفي ظل هذا الوضع تراجع معدل نمو الإيرادات العامة من 61.6% عام 1991م إلى (-11.9%) في عام 1992وإلى حوالي 12% في المتوسط سنوياً خلال العامين التاليين(1993و1994)، وبالتالي انخفضت نسبة تغطيتها للنفقات العامة من (79%) إلى (53%) في المتوسط سنوياً خلال الفترة 1992 – 1994. كما شهدت معدلات نمو الإيرادات الضريبية تراجعاً ملحوظاً من 46.2% عام 1991 إلى 7.8% في المتوسط سنوياً خلال الفترة 1992 – 1994. وبصورة عامة بلغ متوسط معدل النمو السنوي للإيرادات الضريبية حوالي 16.6% خلال الفترة 1991 – 1994، وهذا المعدل يقل بصورة كبيرة عن متوسط معدل التضخم السنوي الذي قُدر خلال هذه الفترة ب (57.3%)، الأمر الذي يشير بوضوح إلى الانخفاض المستمر للقيمة الحقيقية للإيرادات الضريبية. وبلغ معدل نمو الإيرادات النفطية 177% في عام 1991م ليتحول في الأعوام التالية (1992 – 1994) إلى نمو سالب بلغ (-15.5%) في المتوسط سنوياً ، لتتراجع حصتها في الإيرادات العامة من حوالي (44%) عام 1991 إلى حوالي (8.7%) في المتوسط سنوياً خلال الثلاث السنوات التالية. ويرجع هذا التحول إلى انخفاض نصيب الحكومة اليمنية في مبيعات النفط المصدر إلى الخارج وفي ثبات إيراداتها نسبياً من مبيعات المشتقات النفطية في السوق المحلية.
وقد انعكست هذه التطورات غير المواتية على عجزالموازنة العامة وطبيعة تمويلية، حيث أدى تزايد هذا العجز خلال الفترة 1992 – 1994 والمتزامن بجمود الإيرادات العامة الذاتية وتراجع الإيرادات من المساعدات والقروض الخارجية ، أدى إلى اللجوء للتمويل التضخمي من خلال الإصدار النقدي لتغطية هذا العجز المتزايد. ونتيجة لذلك ارتفعت مديونية الحكومة الصافية للبنك المركزي اليمني من حوالي 69 مليار ريال عام 1990 إلى حوالي 200 مليار ريال 1994 وبمعدل نمو وصل إلى (30.5%) في المتوسط سنوياً خلال الفترة نفسها، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم ، وتدهور قيمة العملة الوطنية وتزايد عمليات الاستيراد من الخارج.
ج- تدهور أداء السياسة النقدية:
عانى الاقتصاد اليمني خلال هذه الفترة من ضغوط تضخمية، ومن التدهور الشديد في قيمة العملة الوطنية، وقصور موارد النقد الأجنبي، وبالتالي انخفاض مقدرة الاقتصاد اليمني على استيراد السلع والخدمات لمواجهة الطلب المحلي المتزايد، وإلغاء دعم السلع الأساسية الذي كان سائداً في اليمن الجنوبي. يُعد التمويل التضخمي لعجز الموازنة العامة وتزايد معدلات نموه نسبياً أحد الأسباب الرئيسية والمباشرة لتزايد الضغوط التضخمية وتدهور القيمة الخارجية للعملة الوطنية، ومن ثم خلق الظروف المواتية لمزيد من ارتفاع الأسعار. فقد شهدت عملية الإصدار النقدي تزايداً مستمراً في الوقت الذي انخفضت فيه نسبة تغطية صافي الأصول الخارجية لهذا الإصدار. كما أن معدل نمو الإصدار النقدي قد تجاوز معدل النمو في الناتج المحلي الحقيقي، حيث بلغ متوسط معدل نمو الإصدار النقدي حوالي 30% في المتوسط سنوياً خلال الفترة (1991- 1994)، يرتفع هذا المعدل إلى حوالي 42% في المتوسط سنوياً خلال عامي 1993 و1994، في حين قدر المتوسط السنوي لمعدل نمو الناتج المحلي الحقيقي بحولي (2,8%) خلال (1991-1994). ونتيجة لذلك حدث اختلال واضح بين كمية النقود المصدرة وهذا الناتج ممثلاً بارتفاع الميل المتوسط للإصدار النقدي من 0.33 في عام 1990 إلى 0.85 في عام 1994. وعلى الرغم من عدم انتظام تطور الميل الحدي للإصدار النقدي خلال هذه الفترة، إلا أن هذا الميل كان موجباً وأكبر من الواحد الصحيح، مما يشير إلى أن الزيادة في كمية النقود المصدرة كانت أكبر من الزيادة التي حدثت في الناتج المحلي الحقيقي، وبينما انخفض هذا الناتج في عام 1994 أصدر البنك المركزي 33 مليار ريال إصداراً جديداً في هذا العام.
كما ساهمت العوامل الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد اليمني في تزايد الضغوط التضخمية نتيجة قصور الإنتاج المحلي من السلع والخدمات بسبب تباطؤ معدلات نمو القطاعات الإنتاجية، والجمود النسبي الذي أصابها، وبطء معدلات نمو الإيرادات الضريبية، وعوامل الضغط التضخمي الناتجة عن ارتفاع تكاليف الإنتاج المحلية لارتفاع أسعار عناصر الإنتاج ، خاصة المستوردة منها.
ومن ناحية ثالثة، ساهم تزايد الإنفاق العام في تزايد الضغوط التضخمية بطريقة غير مباشرة. ففي ظل الجمود النسبي لجهاز الإنتاج المحلي لجأت القطاعات الاقتصادية المختلفة إلى استيراد السلع والخدمات من الخارج لمواجهة الطلب المحلي الكلي المتزايد، وبسبب قصور موارد النقد الأجنبي كانت الاستجابة تتم بمقادير أقل من حجم هذا الطلب، الأمر الذي انعكس على مستوى الأسعار بصورة خاصة، حيث تزايد الطلب على هذه السلع لترتيب أوضاع القيادات السياسية والحزبية والإدارية التي انتقلت لتقيم في العاصمة صنعاء، وتلك القيادات التي انتقلت إلى مدينة عدن. وبتزايد مستوى الأسعار تزايد الإنفاق العام كسلسلة متصلة ببعضها البعض ، ومع النمو البطيء الذي اتسمت به الإيرادات العامة استمر العجز في الموازنة العامة وتزايدت نسبة تمويله عن طريق الإصدار التضخمي. وقد أضافت عمليات المضاربة الواسعة في السلع، وفي العملات الأجنبية، والأراضي والعقارات إلى العوامل الهيكلية والمالية والنقدية، أضافت ضغوطاً أخرى على مستوى الأسعار، فأصبح الحصول على قطعة أرض أو محل تجاري لبدء نشاط صناعي أو تجاري أمراً مكلفاً، الأمر الذي عكس نفسه في ارتفاع أسعار السلع والخدمات التي تباع محلياً ولا يزال هذا الأمر الأخير قائماً حتى وقتنا الحاضر2006.
وفيما يتعلق بسعر الصرف في اليمن، شكل تدهور قيمة العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية أحد الاختلالات الأساسية التي تفاقمت بعد الوحدة، فمنذ نهاية عام 1990 اتسم نظام الصرف وأسعاره في الاقتصاد اليمني بالاضطراب الشديد بسبب تعدد أسعار الصرف الرسمية من ناحية، وانهيار قيمة العملة الوطنية في السوق الموازية، وبروز ظاهرة الدولرة في الاقتصاد اليمني بشكل واسع من ناحية أخرى. فبالإضافة إلى أسعار الصرف في سوق الصرف الموازية تعامل البنك المركزي خلال الفترة 1990 -1995 مع أربعة أنواع من أسعار الصرف الرسمية، تمثل النوع الأول في سعر الصرف الرسمي الذي استخدم منذ فبراير 1990 على أساس سعر صرف (12) ريالاً للدولار لتقييم معاملات الدولة الخارجية وتقييم إيراداتها بالنقد الأجنبي، كما استخدم هذا السعر لتغطية واردات البلاد من السلع المدعومة. ويُعد سعر الصرف الدبلوماسي النوع الثاني من أسعار الصرف الرسمية التي ورثتها دولة الوحدة من الشطر الشمالي، حيث تم استخدم هذا السعر لتقييم عمليات تحويل مرتبات موظفي السفارات اليمنية وملحقاتها بالخارج على أساس سعر صرف (5.5) ريالاً لكل دولار. وفي شهر إبريل 1993 استخدم البنك المركزي اليمني ما أطلق عليه بسعر الصرف التشجيعي على أساس (25) ريالاً للدولار لتقييم مشترياته من النقد الأجنبي من الشركات والسفارات الأجنبية العاملة في اليمن، وكذا المعونات الثنائية والمتعددة الأطراف.
كما استخدم البنك المركزي اليمني في يناير 1992 سعر صرف خاصاً بغرض التقييم الجمركي لواردات البلاد من السلع الأجنبية على أساس (18) ريالاً للدولار الواحد، مع استثناء السلع المدعومة. ولم يقتصر الأمر على ذلك وإنما لجأت أجهزة الدولة ومؤسساتها إلى السوق الموازية لتغطية احتياجاتها من النقد الأجنبي مع قيام وزارة المالية بتغطية الفارق بين أسعار صرف الرسمية وأسعار السوق الموازية. وفي ظل هذا الوضع تدهور سعر صرف الريال مقابل الدولار الأمريكي في سوق الصرف الموازية من حوالي 13 ريالاً للدولار في مطلع عام 1990 إلى حوالي 28.5 ريالاً للدولار في ديسمبر 1991 ثم إلى 98.1 ريالاً للدولار في نهاية ديسمبر 1994.
د - الاختلال الخارجي (ميزان المدفوعات):
عانى ميزان المدفوعات خلال الفترة 1990-1995 من استمرار العجز الهيكلي في الميزان التجاري، صاحبة كبر حجم العجز في الميزان الخدمي واستمرار العجز فيه، فقد ارتفع العجز في الميزان التجاري من 103 مليون دولار عام 1990 إلى 971 مليون دولار عام 1993 وذلك قبل أن يتراجع بصورة كبيرة عام 1994 إلى 282 مليون دولار نتيجة ارتفاع الصادرات النفطية إلى 1.613 مليون دولار في هذا العام مقارنة ب 834 مليون دولار في العام السابق.
ومع تراكم متأخرات التزامات أقساط وفوائد الدين الخارجي التي كان يستوجب على اليمن تسديدها وكبر حجم التدفق الخارجي لأرباح شركات النفط ونفقاتها الخارجية، وفي الوقت نفسه تواضع مقبوضات الخدمات التي اقتصرت على إيرادات السياحة ورسوم توقيع الاتفاقيات النفطية، حقق الميزان الخدمي عجزاً مستمراً ارتفع من 978 مليون دولار عام 1990 إلى 1,317 مليون دولار عام 1993 قبل أن يتراجع في العام التالي إلى 1,045 مليون دولار. فقد ارتفعت متأخرات خدمة الدين العام الخارجي لليمن ( الأقساط زائداً الفوائد ) من 271 مليون دولار عام 1990 إلى 1,250 مليون دولار في العام التالي، وارتفعت نسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي من 105.7 % إلى 167.1%. إضافة إلى ذلك، تراجع إجمالي احتياطيات البنك المركزي اليمني من النقد الأجنبي من 680 مليون دولار عام 1991 إلى 357 مليون دولار عام 1994.
المحور الثاني: الإصلاح الاقتصادي في اليمن ( الأهداف،المراحل والنتائج)
بدأت حكومة الجمهورية اليمنية منذ نهاية شهر مارس 1995م تنفيذ برنامجاً للتصحيح الاقتصادي بالاتفاق مع كلٍ من صندوق النقد والبنك الدوليين، وذلك على مرحلتين رئيسيتين، بدأت الأولى في مارس 1995 وامتدت حتى أكتوبر 2000. وفي المرحلة الثانية تواصلت خطوات الإصلاح الاقتصادي في إطار الخطة الخمسية الثانية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية(2001-2005) وإستراتجية التخفيف من الفقر (2003-2005).
وتتمثل أهم الأسباب والعوامل التي دفعت الحكومة اليمنية لتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي في عام 1995 بصورة إجمالية إلى ما يلي:
1- الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحادة التي شهدتها اليمن خلال الفترة 1990-1994، وذلك كما سبق توضيحه في المحور الأول.
2- عجز الدولة اليمنية عن خدمة ديونها الخارجية وبالتالي تصاعد أزمة مديونيتها الخارجية، الأمر الذي أدى في النهاية إلى افتقاد اليمن لجدارتها الائتمانية أمام مانحي القروض والمساعدات الأجنبية.
3- فشل محاولات الإصلاح الوطنية والمتمثلة في برنامج البناء الوطني ومؤتمر المائدة المستديرة للدول المانحة لليمن في صيف عام 1992.
4- التراجع الكبير في المساعدات والقروض الميسرة بسبب انهيار الكتلة الشرقية الاشتراكية والتي كانت تشكل مصدراً هاماً للمساعدات والمنح والقروض الميسرة لكلا شطري اليمن خلال عقدي السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي. وكذلك اندلاع أزمة الخليج الثانية في 1990، وما نتج عنها من آثار سلبية عديدة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في اليمن، منها عودة ما يزيد من ثمانمائة ألف مغترب وعامل يمني من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وانقطاع المساعدات والمنح والقروض الميسرة من دول مجلس التعاون ومن الدول الغربية، رداً على مواقف اليمن من هذه الأزمة وخاصة من التواجد الأجنبي في المنطقة.
5- تنامي ظاهرة العولمة الاقتصادية والمالية والسياسية.
وفي ظل هذا الوضع الحرج بدأت الحكومة اليمنية التفاوض مع كل من صندوق النقد والبنك الدوليين حول مكونات برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي وإجراءات تنفيذها على اعتبار أنها كانت غير قادرة بصورة عملية على معالجة مديونيتها الخارجية وتسوية متأخرات مدفوعات خدمة هذه الديون مع الدول الدائنة إلا في إطار نادي باريس وبعد التوصل إلى اتفاق مسبق مع هاتين المؤسستين على تنفيذ برنامجاً للتصحيح الاقتصادي، وبالتالي استعادة جدارتها الائتمانية. وهذا كان يستلزم تحقق أمرين متلازمين يتمثلان في ضرورة توصل الحكومة اليمنية إلى اتفاق عام مع جميع الدائنين، تتم في إطاره إعادة جدولة هذه الديون جماعياً، وبحيث يشكل هذا الإطار الأساس لبدء المفاوضات الثنائية بين الحكومة اليمنية وكل دولة دائنة على حدة. وهذا ما حدث فعلاً ، إذ توصلت الحكومة اليمنية، وبتعاون الصندوق والبنك الدوليين، إلى إطار عام لحل مشكلة الديون الرسمية وفقاً لشروط نابولي.
ولكي يتحقق ذلك كان لابد وأن يسبقه اتفاق مسبق بين الحكومة اليمنية وصندوق النقد والبنك الدوليين، تقبل الحكومة اليمنية بموجبه تنفيذ برنامج تصحيح اقتصادي متوسط الأجل، يُطلق عليه "برنامج التثبيت الاقتصادي والتكيف الهيكلي". فضلا عن ذلك، فإنه رغم أن اللجوء إلى هاتين المؤسستين الدوليتين لم يكن هو الخيار الوحيد المتاح أمام الحكومة اليمنية إلا أنها كانت تعتقد بأنه الخيار الأسهل والأفضل في ظل التنامي المتصاعد للعولمة الاقتصادية، وانتهاج معظم دول العالم لبرامج إصلاحات وتصحيح اقتصادي وعلى نطاق واسع.
أ- الأهداف العامة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي:
تمثل الهدف العاجل لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في إيقاف تدهور مؤشرات الاقتصاد الكلي واستعادة التوازن الاقتصادي. وعلى المدى المتوسط يمكن تحديد الأهداف العامة الأساسية والتي يسعى برنامج التصحيح الاقتصادي إلى تحقيقها إجمالاً في هدفين رئيسيين لهذا البرنامج يشكلان الغاية النهائية، بحيث ينظر إلى الأهداف والسياسات الأخرى بأنها مجرد أهداف وسيطة أو مرحلية لتحقيقها. وهما:
1. إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني من خلال تغيير وظيفة الدولة ودورها في إدارة الاقتصاد الوطني مقابل توسيع نطاق الدور الاقتصادي للقطاع الخاص للمساهمة بدور أكبر في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال التركيز على قيامها بتهيئة الظروف المناسبة للقطاع الخاص ليكون هو المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي الوطني والمتولي قيادة عملية التنمية.
2. تهيئة لاقتصاد اليمني للاندماج في الاقتصاد الإقليمي والاقتصاد الدولي وفق آليات السوق من خلال تحرير التجارة الخارجية من كافة العوائق والقيود الإدارية والتنظيمية، والإعداد لانضمام اليمن إلى منظمة التجارة العالمية.
ب- مراحل برنامج الإصلاح الاقتصادي:
يمكن تقسيم مراحل الإصلاح زمنيا إلى مرحلتين أساسيتين، كما يلي:
أولا: المرحلة الأولي من برنامج الإصلاح الاقتصادي (يناير 1996 – أكتوبر 2000)
بدأ برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي فعلياً مع إصدار الحكومة اليمنية في مارس 1995 لجملة من القرارات والإجراءات المالية والنقدية ، وقد تم تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي من قبل الحكومات المتعاقبة في المرحلة الأولى خلال فترتين زمنيتين رئيسيتين، ركزت الفترة الأولى على جوانب التثبيت الاقتصادي، وذلك خلال الفترة من مارس 1995م وحتى يونيو 1997. واهتمت الفترة الثانية بجوانب الإصلاحات الهيكلية وذلك خلال الفترة من يوليو 1997- أكتوبر 2000، حيث تركزت اهتماماتها في تعميق الاستقرار الاقتصادي الذي تحقق خلال الفترة الأولى، ومعالجة ما تبقى من اختلالات وإزالة كافة التشوهات من ناحية، والانطلاق من ناحية أخرى خلال المرحلة الثانية (2001-2005) إلى إصلاحات هيكلية اشمل وأعمق تتضمن إعادة الهيكلة لكافة قطاعات الاقتصاد وتعديل تشريعاتها وآليات عملها، وإعداد إستراتيجية شاملة لتحديث الخدمة المدنية، وتحرير الاقتصاد بخلق بيئة تنافسية تعمل وفقاً لآلية السوق.
1- الفترة الأولى (فترة التثبيت الاقتصادي):
تم تنفيذ هذه المرحلة في خطوتين، بدأت الأولى في مارس 1995 وانتهت في شهر ديسمبر من السنة نفسها، لتبدأ الخطوة الثانية مباشرة في يناير 1996 وتمتد في يونيو 1997. ففي نهاية شهر مارس 1995 أعلنت الحكومة مجموعة من الإجراءات والقرارات المالية والنقدية كان الغرض منها وقف التدهور المالي والنقدي، وفي الوقت نفسه تأكيد جدية اليمن ورغبتها في تنفيذ برنامج تصحيح اقتصادي متوسط الأجل. ولذلك فإنه وبعد اتخاذ الحكومة اليمنية العديد من هذه الإجراءات تم التوصل إلى اتفاق رسمي مع صندوق النقد والبنك الدوليين لتنفيذ برنامج تثبيت اقتصادي وتكيف هيكلي، مدعومٍ بموارد الصندوق في إطار برنامج تسهيل الاستعداد الائتماني Stand - by Arrangement (SBA) ) ، تبعه اتفاق مع البنك الدولي في إطار برنامج الإنعاش الاقتصادي (ERC).
ونفذت الحكومة اليمنية خلال هذه الفترة مجموعة واسعة من الإجراءات والقرارات التي تتناول جوانب السياسات المالية والنقدية والقطاع الخارجي، بالإضافة إلى إجراء تصحيحات هيكلية أولية، وذلك بغرض تحقيق هدفين رئيسيين، يتمثل أولاهما في تحقيق الاستقرار الاقتصادي من خلال السيطرة على معدلات التضخم المرتفعة ، وارتفاع مستويات عجز الموازنة العامة للدولة، وعجز ميزان المدفوعات، وبالتالي خلق التوازن بين الطلب الكلي والعرض الكلي. ويتمثل الثاني في تهيئة الظروف المناسبة لحفز النمو الاقتصادي، فتحقيق الاستقرار الاقتصادي سوف يهيئ الظروف المناسبة لحفز النمو الاقتصادي، وكذلك البدء بإجراء إصلاحات هيكلية في كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتشريعية.
2- الفترة الثانية ( تعزيز التثبيت الاقتصادي والبدء بالإصلاحات الهيكلية):
شكلت هذه الفترة الخطوة الثانية نحو تعزيز الاستقرار الاقتصادي والبدء بالإصلاحات التنظيمية والإدارية والتشريعية، حيث توصلت الحكومة اليمنية إلى اتفاق مع الجهات المانحة، وفي مقدمتها صندوق النقد والبنك الدوليين لمواصلة عملية التصحيح الاقتصادي في إطار الدعم والمساندة التي يقدمها مجتمع المانحين وبرامجهم التمويلية في هذا الجانب. وفي هذا الإطار توصلت الحكومة اليمنية إلى اتفاق مع صندوق النقد والبنك الدوليين لمواصلة عملية التصحيح الاقتصادي في إطار برنامجي الصندوق، تسهيل التمويل الموسع EFF))، وتسهيل تمويل التكيف الهيكلي المعززESAF)) والذي تحول إلى ما يعرف بتسهيل التخفيف من الفقر وتعزيز النمو(PRGF)، وكذلك في إطار قرض الإصلاح المالي (FSAC ) للبنك الدولي، وذلك للفترة من يوليو1997 وحتى أكتوبر 2000. وقد تمثلت الأهداف الرئيسية لهذه المرحلة في:
- مواصلة تنفيذ الإجراءات والقرارات التي تحقق استمرارية الاستقرار الاقتصادي في كافة جوانب الاقتصاد الكلي، وتوسيع نطاق إجراءات التصحيحات الهيكلية كماً وكيفاً ، لتوفير بيئة مناسبة تساعد في تسريع النمو الاقتصادي.
- رفع معدل النمو الاقتصادي للناتج المحلي الإجمالي للقطاع غير النفطي إلى مستوى 6% على الأقل في المتوسط سنوياً. على أن يعتمد تحقيق هذا المعدل بدرجة أساسية على أداء القطاع الخاص في كافة الأنشطة الإنتاجية والخدمية المختلفة، والذي سيمثل القاعدة الأساسية لزيادة وتوسيع الصادرات غير النفطية.
- رفع مستوى نسبة الاستثمارات الكلية والادخار القومي إلى الناتج المحلي الإجمالي، من خلال إجراءات السياسات المالية والنقدية والقطاع الخارجي من ناحية ، وتحرير الاقتصاد اليمني، وتعزيز دور القطاع الخاص ونيل ثقته، وتعزيز الوساطة المالية من ناحية أخرى.
- تعزيز وتقوية هيكل الموازنة العامة والحفاظ على مستوى العجز ( على أساس نقدي ) عند مستوى 2% إلى الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط سنوياً، وذلك من خلال اتخاذها الإجراءات الكفيلة لزيادة الإيرادات الضريبية المباشرة وغير المباشرة، وتخفيض النفقات العامة، وبالذات تلك المتعلقة برفع الدعم عن مادتي القمح والدقيق، وزيادة أسعار السلع والخدمات العامة ، وخفض التحويلات الاجتماعية، على أن يتم تمويل عجز الموازنة من مصادر تمويل خارجية، إلى جانب تعزيز هيكل الموازنة العامة بإجراء تصحيحات هيكلية واسعة.
- تعزيز دور الجهاز المصرفي في تحقيق الاستقرار النقدي، وتخفيض معدل التضخم الأساسي إلى 7.5% على الأكثر في عام 1997، ثم خفضه إلى مستوى 5% في المتوسط سنوياً بعد ذلك.
- تحسين ورفع مستويات المعيشة للأفراد من خلال تحسين مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، ورفع مستوى نصيب الفرد من الدخل القومي ، وتعزيز المؤشرات الاجتماعية ، ودعم ترتيبات شبكة الأمان الاجتماعي ، وأتباع الحكومة استراتيجية تسمح بحدوث زيادات معتدلة في الاستهلاك الحقيقي الخاص.
- احتواء عجز الحساب الجاري في ميزان المدفوعات إلى مبلغ 125 مليون دولار في المتوسط سنوياً وبنسبة 2% في المتوسط سنوياً من الناتج المحلي الإجمالي ، وأن تكون نسبة خدمة الديون الخارجية إلى متحصلات الحساب الجاري حوالي 7% (بافتراض تخفيض الدين)، وفي الوقت نفسه الحفاظ على حجم احتياطيات النقد الأجنبي عند مستوى يغطي 4.5 شهور من الواردات .
- تخفيف عبء مديونية اليمن الخارجية عن طريق الإعفاء و/أو إعادة جدولتها، والتي بلغت في عام 1996 حوالي 9.1 مليار دولار، تشكل ما نسبته 162% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد شكلت المديونية المستحقة لروسيا الاتحادية الجزء الأكبر من هذه الديون، بحيث وصلت هذه المديونية إلى 5.8 مليار دولار، وبنسبة 64% من إجمالي ديون اليمن الخارجية. من ناحية أخرى شكلت متأخرات مدفوعات أقساط هذه الديون ما نسبته 55% من إجمالي مديونية اليمن الخارجية، وبمبلغ 5.1 مليار دولار ، كما بلغت متأخرات مدفوعات الفوائد حوالي 1.3 مليار دولار.
3- نتائج المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي (1995-2000):
حققت المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي 1995-2000 مقارنة بالفترة 1991 -1994 العديد من النتائج الايجابية يتمثل أبرزها فيما يلي :
1- ارتفاع متوسط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى نحو 5.5% خلال فترة البرنامج، الأمر الذي أسهم في زيادة حقيقية في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 2% في المتوسط سنوياً أخذا في الاعتبار معدل نمو السكان والبالغ 3.5%.
2- انخفاض معدل التضخم السنوي من حوالي 71.3% في عام 1994 إلى 4.6% عام1995، ثم إلى 10.1% في المتوسط سنوياً خلال الفترة 1998 – 2000، وهي وإن كانت أقل من المعدلات المستهدفة إلا أنها تعد أفضل مقارنة بتزايد معدلات التضخم خلال الفترة السابقة.
3- انخفاض حجم عجز الميزانية العامة للدولة من حوالي 45.6 مليار عام 1994 إلى حوالي 26.6 مليار في عام 1995 ، وحوالي نصف مليار ريال فقط في عام 1996، وذلك قبل أن يرتفع هذا العجز على التوالي إلى 7.9 مليار و 57 مليار ريال في العامين التاليين 1997 و1998، نتيجة الهبوط الشديد لأسعار النفط العالمية، وبالتالي انخفضت نسبة هذا العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي من 15.7% عام 1994 إلى حوالي 3.4% في المتوسط سنوياً خلال الفترة 1995- 1998 وحيث تم تمويل العجز بالكامل من مصادر حقيقية تتمثل في أذون الخزانة عام.
وقد أدى تحسن أسعار النفط العالمية خلال عامي 1999 و2000 إلى تحقيق فائضاً في الميزانية العامة بلغ حوالي 17.9 مليار ريال عام 1999 ارتفع في العام التالي إلى حوالي 97.5 مليار ريال وبما يعادل 6.6 % من الناتج المحلي الإجمالي، ويشير ذلك بكل وضوح إلى الارتباط القوي بين الموازنة العامة والإيرادات النفطية وحساسيتها لتقلبات أسعار النفط .
4- بلغ متوسط نمو النفقات العامة 32%خلال هذه الفترة مقارنة ب 14.8% فقط للإيرادات غير النفطية ، يرتفع هذا المتوسط إلى 44% للإيرادات العامة بصورة إجمالية.
5- انخفاض مديونية اليمن الخارجية من 11.1 مليار دولار بما يساوي 170.1% من الناتج المحلي الإجمالي عام 1995 (10.5 مليار دولار بما يساوي 250% من الناتج المحلي الإجمالي وفقاً للبيانات الرسمية ) إلى حوالي (5.0) مليار دولار وبما يعادل 58% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2000. وقد تزامن ذلك بالتالي، مع انخفاض أعباء الدين العام الخارجي إلى إجمالي الصادرات من السلع والخدمات من 41.9% عام 1995 إلى 8.3% عام 2000.
6- ارتفاع سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار من حوالي 81 ريالاً للدولار الواحد كمتوسط خلال عام 1994 إلى 165.2 ريالاً للدولار الواحد في عام 2000، وبنسبة زيادة مقدارها 103.7%. تنخفض هذه النسبة إلى 63.4% بالنسبة لسوق الصرف الموازية وبمتوسط انخفاض سنوي يصل إلى حوالي 10.6%.
7- تحول موقف الميزان التجاري من فائض بلغ 302 مليون دولار عام 1994 إلى عجز استمر في التزايد خلال الفترة 1995-1998 بحيث بلغ عام 1998 نحو758 مليون دولار، وبنسبة حوالي 14% من الناتج المحلي الإجمالي. وخلال عامي 1999 و2000 حقق الميزان التجاري فائضاً في حسابه بلغ 358 مليون دولار و1,313 مليون دولار على التوالي نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية للنفط بعد الانخفاض الذي شهدته خلال عامي 1997 و 1998.
8- ارتفاع صافي الأصول الخارجية للجهاز المصرفي اليمني من حوالي 320 مليون دولار عام 1995 إلى 3,013 مليون دولار عام 2000 ، وبمعدل نمو 56.6% في المتوسط سنوياً .
وقد توفرت لليمن خلال المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي العديد من العوامل والظروف الملائمة التي ساهمت بصورة أو بأخرى في تحقيق العديد من النتائج الايجابية خلال المرحلة الأولى، من أبرز هذه العوامل ما يلي:
1- طبيعة الإجراءات والتدابير التي اتخذت خلال هذه المرحلة والتي تتسم بسهولة تطبيقها باعتبارها قرارات إدارية. فعلى سبيل المثال فإن معظم النتائج الايجابية التي تحققت في الموازنة العامة كانت نتيجة لرفع أسعار السلع والخدمات التي تدعمها الدولة، فضلاً عن تخفيض أسعار الصرف الرسمية بعد توحيدها في سعر صرف رسمي رئيسي واحد، إلى جانب التعديلات الجوهرية على قوانين الضرائب المباشرة وغير المباشرة.
2- المساندة المالية الخارجية لبرنامج الإصلاحات من قبل الدول والجهات المانحة والمتمثل في المساعدات والقروض التي حصلت عليها الحكومة اليمنية خلال المرحلة الأولى.
3- الدعم السياسي والشعبي لهذه الإجراءات، حيث تولت القيادة السياسية بنفسها إدارة ملف الإصلاح الاقتصادي والمالي ومتابعة تنفيذه خطوة بخطوة.
في المقابل، فإن هذه النتائج الايجابية جاءت على حساب النفقات الاجتماعية والنفقات الاستثمارية، وكانت لها كذلك آثار سلبية في الجانب الاجتماعي. فعلى الرغم من النجاح الذي حققه برنامج الإصلاح والتصحيح الاقتصادي، إلا أنه لم يستطع وقف التدهور المستمر في مؤشرات الفقر واتساع نطاقه بحيث تزايد عدد السكان غير القادرين على تلبية احتياجات الغذاء فضلاً عن الاحتياجات الأساسية الأخرى وفقاً لنتائج مسح ميزانية الأسرة لعام 1998م والمسح الوطني لظاهرة الفقر لعام 1999. واللذان أظهرا مدى انتشار وحدة الفقر وعلى توسيع الهوة بين المناطق الريفية والحضرية. وعلى الرغم من أهمية الدور الذي قامت به منظومة شبكة الآمان الاجتماعي في التخفيف من الفقر إلا أنها كانت في ذلك الوقت تنطوي على إمكانيات فعلية متواضعة لمكافحة الفقر ولتقديم شبكة آمان اجتماعي تحقق أهدافها بصورة فاعلة، كما أن هذه الشبكة كانت تواجه صعوبات ومعوقات تحول دون اكتمال وتكامل دورها وتقلل من فاعليتها في التخفيف من الفقر والوصول إلى الفقراء.
وفي الجانب الاقتصادي فإن دخل الفرد ظل منخفضاً ولم تتمكن السياسات المتبعة من إحداث تحسن حقيقي يذكر خلال فترة تنفيذ هذا البرنامج، فقد بلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي في عام 1990 حوالي (701) دولار، انخفض في عام 1994 إلى (365) دولار وبلغ في عام 2000 حوالي (521) دولاراً. و لم يقتصر الأمر على انخفاض متوسط دخل الفرد، وإنما امتد الوضع إلى معظم المعايير المتصلة بمستوى معيشة السكان، الأمر الذي معه لا يزال اليمن يصنف ضمن مجموعة الدول الأقل نمواً في العالم ، وذات التنمية البشرية المنخفضة.
ثانياً: المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي (2001-2005)
قامت الحكومة اليمنية بتضمين إجراءات وتدابير الإصلاحات الاقتصادية خلال هذه المرحلة في إطار الخطة الخمسيه الثانية (2001-2005) وبدون الدخول في اتفاق رسمي مع كل من الصندوق والبنك الدوليين في إطار البرامج والتسهيلات التي يقدمانها. وقد تعزز التزام الحكومة اليمنية بمواصلة تنفيذ الإصلاحات عند إعداد وإقرار إستراتيجية التخفيف من الفقر (2003-2005) والتي وافق عليها مجلسي إدارة المؤسستين خلال عام 2003. وركزت الأهداف والسياسات العامة للخطة الخمسية الثانية وإستراتيجية التخفيف من الفقر على مواصلة دعم وتعزيز الاستقرار الاقتصادي وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية وبما يهيئ البيئة المناسبة لحفز النمو الاقتصادي، وبالذات في القطاعات الإنتاجية والخدمية الواعدة، وزيادة كفاءة ومساهمة القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية والخدمية المختلفة. وكذلك العمل على تحسين الوضع المالي للدولة وتنويع الهيكل الاقتصادي، وزيادة مقدرته التنافسية.
أ- أهداف المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي:
تمثلت أبرز أهداف وسياسات الإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية خلال المرحلة الثانية فيما يلي:
1. تعزيز وتعميق الإصلاحات الاقتصادية التي بدأتها في المرحلة الأولى مع إعطاء اهتمام أكبر بالجوانب المتعلقة بالتخفيف من الفقر ومنظومة الحكم الرشيد فضلا عن تحسين البيئة الاستثمارية لجذب استثمارات القطاع الخاص وزيادة مساهمته و حفز النمو الاقتصادي في القطاعات الإنتاجية والخدمية الواعد.
2. تحسين أداء الاقتصاد الوطني، من خلال تحقيق متوسط معدل نمو للناتج المحلي الإجمالي (5.6%)، على أن يصل بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى 8%. وبالتالي زيادة متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 2.3% بغرض تحسين مستوى المعيشة، وكذا بلوغ معدل نمو قوة العمل ب 3.9% في المتوسط سنوياً، لينخفض معدل البطالة من 12% عام 2000 إلى 9.5% عام 2005.
3. إحداث تغيير في هيكل ومسار الاقتصاد الوطني من خلال توجيه الموارد والاستخدامات (الإنفاق على الناتج المحلي الإجمالي) لصالح تكوين رأس المال الثابت (الاستثمار).
4. تمثلت أهم أهداف وسياسات وإجراءات السياسة المالية إجمالاً في الأهداف التاليين:
- استخدام الموازنة العامة في ظل سياسات تكاملية وشاملة، وفي إطار نظام اقتصادي ينظم ويحكم عملية توزيع الموارد الاقتصادية والمالية وتتصف بدرجة معقولة من الاستقرار الاقتصادي من ناحية ويحدد أهدافاً اقتصادية متوسطة وبعيدة المدى من ناحية أخرى.
- الاستمرار في تطبيق سياسة الانضباط المالي الحالية والتي تعني عدم السماح لعجز الموازنة أن يتجاوز الحدود الآمنة، وذلك من خلال إتباع العديد من السياسات والإجراءات في جانبي الإيرادات العامة والنفقات العامة.
- تضمنت الخطة والإستراتيجية سياسات وإجراءات لزيادة نصيب الخدمات الاجتماعية الأساسية من النفقات العامة وخاصة التعليم والصحة، وكذلك زيادة الاستثمارات العامة في البنية التحتية للمناطق الريفية التي تحتضن أغلب السكان والعدد الأكبر من الفقراء. كما استهدف الإنفاق العام القطاعات المرتبطة بالتخفيف من الفقر لتحسين معيشة السكان.
- كما تضمنت الخطة والإستراتيجية إجراءات عديدة بهدف تطوير هيكل الموازنة العامة للدولة وإطارها العام من بينها، تطبيق التبويب الوظيفي للنفقات العامة في الموازنة العامة للدولة، وتطوير منظومة القوانين المالية، والمتمثلة في كلٍ من القانون المالي و قانون المناقصات والمزايدات الحكومية، إلى جانب إعداد دليل النظام المالي والمحاسبي الموحد، وكذا اللوائح والهياكل الخاصة بوزارة المالية ومكاتبها والوحدات المحاسبية.
5. وتركزت الأهداف العامة للقطاع النقدي والمالي بصورة أساسية في:
• رفع كفاءة أداء الجهاز المصرفي و تأمين الاستقرار الاقتصادي الكلي في جانبه النقدي والاستمرار في تحرير سعر الصرف، إلى جانب تحرير سعر الفائدة واستخدامها كوسائل لتحقيق التوازن والتوزيع الأمثل للموارد.
• تنمية احتياطيات النقد الأجنبي وتحسين إدارتها والشروع في إنشاء سوق الأوراق المالية وتطوير آلية إصدار أذون الخزانة لتتحول إلى سندات الدين العام ليتم تداولها في سوق الأوراق المالية وتطوير السوق الثانوية للسندات فيما بين البنوك.
• تشجيع إنشاء مؤسسات تمويلية وصناديق متخصصة للتنمية القطاعية وللصادرات وتنفيذ برامج ائتمانية وتمويلية خاصة لمنح القروض الميسرة للأسر المنتجة والمرأة والفقراء وللأنشطة الريفية والصناعات والحرف اليدوية والتقليدية والمشروعات الصغيرة وغيرها.
• استكمال تنفيذ برنامج إصلاح القطاع المالي وخاصة فيما يتعلق بإعادة هيكلة بنوك القطاع العام والمختلط.
ب‌- نتائج المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي (2001-2005):
تتمثل أبرز نتائج المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي في:
1. نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل متوسط 4.1% خلال هذه الفترة مقارنة بالمعدل المستهدف (5.6%)، وبلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي 5.3%، وبما يقل عن المستهدف (8%). وبالتالي زاد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ب 1.1% فقط كمتوسط سنوي خلال هذه الفترة مقابل متوسط 2.3% تم استهدافه لتحسين مستوى المعيشة. وفي جانب خلق فرص عمل جديدة، بلغ متوسط نمو المشتغلين حوالي 2.8% خلال الفترة، والذي يقل عن معدل نمو قوة العمل المستهدف ب 3.9% في المتوسط سنوياً، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدل البطالة من 12% في عام 2000 إلى 16.8% في عام 2005 مقارنة بالمعدل المستهدف البالغ 9.5%.
2. تحقيق تحسن نسبي في مناخ الاستثمار حيث سجل الاستثمار العام معدلات نمو عالية بلغت في المتوسط 25%، بينما نمت استثمارات القطاع الخاص المحلي والأجنبي بمتوسط 11.5% في السنة خلال الفترة، وهو يقل كثيراً عن المستهدف (23.5%).وبالرغم من ذلك فإن البيئة الاستثمارية لازالت ضعيفة في جذب الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية ، كما لم يقم القطاع الخاص حتى الآن بالدور المرجو منه في تحقيق التنمية رغم الإصلاحات التي استهدفت تعزيز دورة في النشاط الاقتصادي
3. تحقيق تحسن محدود في تخفيض نسبة الفقر حيث تشير تقديرات مؤشرات الفقر إلى تراجع الفقر العام من 39.4% في عام 2000 إلى 35.5% في عام 2005، وبمعدل تراجع 9.9%.خلال هذه الفترة، مع تفاوت نسب التراجع بين الحضر والريف، ففي حين انخفضت نسبة الفقر العام في الحضر من 25.3% إلى 18.7% بينما تراجعت في الريف بنسبة أقل من 43.6% إلى 40.6% ،وبالتالي فإن تحسن المستوى المعيشي لأشد الناس فقراً في الريف كانت أقل من الحضر.
فقد انخفضت نسبة الفقر العام بشكل واضح في الحضر من 25.3% إلى 18.7% خلال هذه الفترة، بينما تراجعت في الريف بنسبة أقل من 43.6% إلى 40.6% وبمعدل تراجع 6.9%. ومن ناحية أخرى انخفضت فجوة الفقر من 12.5% إلى 11.3% وبمعدل 9.6%، الأمر الذي يشير إلى أن الفئات التي كانت بعيدة عن خط الفقر، أضحت تقترب تدريجياً منه بسبب تزايد مستوى الإنفاق لديهم واستقرار مستوى الدخل. كما تقلصت حدة الفقر بمعدل 9.1% خلال هذه الفترة، مع تفاوت النسب بين الحضر والريف، ففي حين انخفضت بمعدل 33.3% في الحضر، تراجعت في الريف بمعدل 6.3% فقط، مما يعني أن تحسن المستوى المعيشي لأشد الناس فقراً في الريف كانت أقل من الحضر.
4. أدى تزايد النفقات العامة بمعدل نمو سنوي بلغ 18.9% مقابل 14% للإيرادات العامة خلال هذه الفترة إلى تحول فائض الموازنة العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي البالغ 6.1% و 2.8% على التوالي عامي 2000 و2001 إلى عجز ارتفع من 0.5% عام 2002 إلى حوالي 5.2% في العام التالي لينخفض بعد ذلك إلى 2.2% و1.8% على التوالي في عامي 2004 و 2005.
5. زادت الإيرادات العامة بمتوسط سنوي 14.0% والذي يتجاوز النمو المستهدف البالغ (6.7%)، الأمر الذي ساهم في رفع نسبة الإيرادات العامة في المتوسط 33.3% في المتوسط من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة. ويرجع نمو الإيرادات العامة بصورة أساسية إلى زيادة الإيرادات النفطية، وبالذات النفط المصدر الذي تزايد بمتوسط 16.1% للفترة نفسها. في المقابل لم تتمكن الإيرادات غير النفطية من بلوغ معدلات النمو المستهدفة، إذ بلغ المتوسط السنوي لنمو الإيرادات الضريبية المباشرة 17.2% وهي أقل من المستهدف (20%). و في حين حققت الإيرادات الضريبية غير المباشرة نمواً متوسطاً بلغ 12.1% فان الإيرادات الجارية الأخرى حققت نمواً متواضعاً بلغ 2.4% مقارنة ب (17%) و(18%) تم استهدافهما. ونتج عن هذا النمو أن حافظت الإيرادات الضريبية على نسبتها من الناتج المحلي الإجمالي في حدود 7.1%، إلا أن هذه النسبة كانت تقل عن المستهدف البالغ (9.9%).
ويعود النمو المتواضع للإيرادات العامة غير النفطية إلى تأخر تنفيذ الإصلاحات المالية، وخاصة الهيكلية والمؤسسية، وكذلك تأجيل تطبيق قانون الضريبة العامة على المبيعات منذ صدوره في عام 2001، وقد نفذت الحكومة حزمة من الإجراءات التصحيحية في يوليو 2005 بهدف تصحيح اختلالات الموازنة. وقد شملت هذه الإجراءات، رفع الدعم جزئياً عن المشتقات النفطية، تعديل هيكل التعريفة الجمركية وتخفيضها، تنفيذ قانون الضريبة العامة المعدل على المبيعات، تنفيذ المرحلة الأولى من إستراتيجية الأجور والمرتبات.
6. حققت الخطة والإستراتيجية المستهدف في مجال النفقات العامة، إذ أن متوسط نمو النفقات الجارية بلغ 17.7% خلال الفترة 2000-2005 والذي يفوق المستهدف (11.5%)، وتراجعت أهميتها النسبية من 76.1% في عام 2000 إلى 72.2% في عام 2005 من إجمالي النفقات العامة. كما نما متوسط النفقات العامة بحوالي 18.9% مقابل (12.1%) استهداف.
7. بلغ متوسط نمو النفقات الاستثمارية والرأسمالية 23% خلال هذه الفترة، متجاوزاً المعدل المستهدف (18%)، وبالتالي زادت أهميتها النسبية في إجمالي النفقات العامة من 18.4% في عام 2000 إلى 21.7% في عام 2005 ومن 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 8.4%. وقد حقق الإنفاق الاجتماعي نمواً خلال الفترة بلغ في المتوسط 17.6% في قطاع الصحة 14.8% في قطاع التعليم و9.3% في الحماية الاجتماعية. وقد بلغ الاعتماد الإضافي لعام 2005 حوالي 54% من الموازنة، شكلت مخصصات دعم المشتقات النفطية ما يزيد عن النصف، إلى جانب متطلبات إستراتيجية الأجور والمرتبات ومشاريع البنية التحتية وغيرها. ومع ذلك، فإن لهذه الاعتمادات جوانب سلبية، أبرزها تشويه عملية تخصيص الموارد وانخفاض مستوى الشفافية، وبالتالي تدني كفاءة إدارة النفقات العامة. وما زالت الحكومة تدرس فكرة إنشاء صندوق احتياطي يستوعب الزيادات السعرية للنفط، بحيث يتم تمويل الموازنة في حال العجز منه.
8. تمكنت السياسة النقدية من تحقيق أهداف الخطة والإستراتيجية من خلال استمرار السيطرة على نمو العرض النقدي بمعدل 10.1%، وتخفيض التضخم لنفقات المعيشة بصورة تدريجية ليصل إلى 4.3% في عام 2005 وبمتوسط للفترة 4.9%.
9. بلغ صافي الأصول الخارجية للجهاز المصرفي 6.5 مليار دولار بنهاية عام 2005 أي ما يعادل تغطية 19 شهراً من الواردات، حيث ساهمت حصيلة الحكومة من العائدات النفطية في رفع صافي هذه الأصول وتحديداً للبنك المركزي والتي نمت بمتوسط 13.6%، وشكلت 84.4% من إجمالي أصول الجهاز المصرفي خلال الفترة، وشهد صافي الأصول الخارجية للبنوك التجارية زيادة بمتوسط 7.5%. وتعود هذه الزيادة في جزء كبير منها إلى تزايد حجم تحويلات العاملين في الخارج.
10. تراجع سعر صرف الريال أمام الدولار الأمريكي من 161.73 ريال كمتوسط لعام 2000 إلى متوسط 191.42 ريال في عام 2005، أي بتراجع سنوي قدره 3.4% في المتوسط. وقد ساهم نمو واردات السلع والخدمات بشكل أساسي في تراجع سعر صرف الريال، إلا أن احتفاظ البنك المركزي باحتياطيات متراكمة من العملات الأجنبية وتدخله لمواجهة الطلب ساعد على تحقيق استقرار نسبي في سوق الصرف، وبالتالي الحد من التضخم المستورد على معدل التضخم خلال الفترة.
11. تمكن ميزان المدفوعات من المحافظة على وضعه الايجابي حيث تجاوزت الفوائض المتحققة في الموازين الخارجية كل الأهداف والتوقعات، وذلك رغم تراجع نسبة الفائض المتحقق في الميزان الجاري من 13.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2000 إلى 7.8% في عام 2005. ويعود ذلك بصورة رئيسية إلى تراجع فائض الميزان التجاري، وتحقيق ميزان الخدمات عجزاً مستمراً نتيجة ارتفاع رسوم خدمات النقل والشحن والتأمين إلى اليمن جراء تداعيات أحداث 11 سبتمبر 2001 والحوادث الإرهابية التي استهدفت مينائي عدن والمكلا.
12. بلغ عدد القروض التي تم التعاقد عليها خلال الفترة أكثر من 200 قرضاً بقيمة 1,791 مليون دولار. وزاد الرصيد القائم للدين الخارجي من 4,934.4مليون دولار في عام 2000 إلى 5,167.8 مليون دولار في نهاية 31/12/2005، بمتوسط نمو 0.9% مقابل (0.4-%) استهداف. ويشكل هذا الرصيد 32.6% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2005 مقابل استهداف (44%)، حيث لم تتمكن الاستثمارات الأجنبية من تمويل برامج ومشاريع التنمية مما اضطر الحكومة إلى الاقتراض بشروط ميسرة لتمويل البنية التحتية وتنمية الموارد البشرية وبرامج الإصلاح المالي والإداري.
وبالرغم من النتائج الايجابية التي تحققت في هذه المرحلة إلا أن سياسات وإجراءات الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري اتسمت بالبطء في تنفيذها سواء في جوانب الإصلاحات الهيكلية أو الإصلاحات الإدارية نتيجة للتطورات الإقليمية والدولية العديدة غير المواتية، والتي كان من أبرزها أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 وتطورات الأوضاع الإقليمية في العراق خلال الفترة 2002-2004، وما أحدثته هذه التطورات والمستجدات من انعكاسات سلبية على الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية في اليمن.
وبالنسبة للعوامل والأسباب المحلية (الداخلية) التي أثرت سلبا على مسيرة الإصلاحات فكان أبرزها ما يلي:
- عدم وجود آليات مراقبة ومتابعة فاعلة لتنفيذ سياسات وإجراءات عملية الإصلاح وتقييم نتائجها أولا بأول وتصويب اتجاهاتها.
- تدني مستوى التنسيق بين الوزارات وبين الوزارات وفروعها .
- عدم التكامل بين برامج وسياسات الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري، وتبرز هذه الظاهرة في عدم التكامل بين إصلاحات الموازنة العامة للدولة وبين عملية توجهات الدولة نحو اللامركزية المالية من جانب، وبرامج وسياسات إصلاح الخدمة المدنية من جانب آخر.
- إن سياسات وإجراءات برنامج الإصلاح التي تم تضمينها في إطار الخطة الخمسية الثانية وإستراتيجية التخفيف من الفقر لم تشتمل على مصفوفة كاملة وشاملة للسياسات والإجراءات والفترات الزمنية للتنفيذ.
المحور الثالث: اتجاهات الإصلاح في الخطة الخمسية الثالثة
تتسم المرحلة القادمة من الإصلاحات الاقتصادية بتزامنها مع صعوبات فنية وإدارية وتنظيمية واقتصادية، وتكمن هذه الصعوبة في عدة أمور، يأتي في مقدمتها العوامل الفنية الحاكمة للإصلاحات، حيث اعتمدت المرحلة الأولى من الإصلاحات (1995- اكتوبر2000) بشكل أساسي على التدخل المباشر للحكومة عن طريق القرارات والإجراءات التي اتخذتها إدارياً في حين أن المرحلة الثانية والمرحلة القادمة من الإصلاحات تستند في نجاحها بالدرجة الأولى على مدى استجابة الفاعلين الأساسيين في المجتمع على تدخل الدولة غير المباشر القائم على الحوافز والإعفاءات والتخطيط التأشيري، ويأتي في مقدمة هؤلاء الفاعلين القطاع الخاص. كما أن برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي لصندوق النقد والبنك الدوليين لا تمتلك بطبيعتها رؤية محدده وواضحة المعالم لكيفية تحقيق النمو الاقتصادي المستدام وضمان تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث تهتم برامجهما التصحيحية بتحديد السياسات والإجراءات والتدابير التي تهيئ الاقتصاد الوطني للانطلاق والنمو فقط، الأمر الذي يتطلب من الحكومة اليمنية ضرورة امتلاك رؤية ذاتية محددة وواضحة المعالم لكيفية الانطلاق للنمو الاقتصادي وكذلك للآليات التي سيتم الاستعانة بها للانتقال من مرحلة الإصلاح الاقتصادي والمالي إلى مرحلة النمو المستدام.
ولذلك أكدت خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة (2006-2010) على أهمية توسيع مسار الإصلاحات لتشمل كافة المجالات الاقتصادية والإدارية والمؤسسية لتحقيق نتائج ملموسة ومعالجة الاختلالات والتشوهات المزمنة. بالإضافة إلى التلازم والتكامل بين تلك الأبعاد المختلفة للإصلاحات وترابطها باعتبارها حزمة واحدة، لتشمل جوانب عديدة من أهمها ما يلي:
أ- تعميق الإصلاحات الاقتصادية والمالية، والتي تستهدف تعزيز الإصلاحات المالية والمصرفية وتوفير بيئة استثمارية مواتية، من خلال تنفيذ حزمة من السياسات والإجراءات من أهمها ما يلي:
• مواصلة تنفيذ إستراتيجية إصلاح إدارة المالية العامة.
• رفع كفاءة الإنفاق العام بما يسهم في ترشيد النفقات الجارية وزيادة الإنفاق الاستثماري وتوجيهه نحو أولويات التنمية وتعزيز دور الموازنة العامة في تحقيق الاستقرار ودعم النمو الاقتصادي.
• توسيع قاعدة الإيرادات العامة وتحسين كفاءة التحصيل والجباية للأجهزة والمصالح الإرادية وتقليص الاعتماد على الموارد الناضبة والمحافظة على التوازنات النقدية والمالية.
• تفعيل الدور الرقابي للبنك المركزي ورفع فاعلية الجهاز المصرفي في تنمية الوساطة المالية وتحديث أطر تطوير الخدمات المصرفية ، وزيادة تمويل المشاريع الاستثمارية وحجم التمويل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى توفير الظروف والمتطلبات اللازمة لإنشاء سوق الأوراق المالية، فضلاً عن دراسة الخيارات المختلفة لتوجيه موارد مؤسسات وهيئات التأمينات الاجتماعية وشركات التأمين نحو توظيف مواردها لخدمة عملية التنمية.
• تعزيز عناصر البيئة الجاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية لجعل اليمن مركز استقطاب للاستثمارات وخاصة في المنطقة الحرة بعدن، مع السعي لإنشاء عدة مناطق استثمارية حرّة، ومناطق صناعية أخرى، إلى جانب استكمال برنامج تطوير الموانئ الإستراتيجية.
ب- تعزيز الإصلاحات المؤسسية والإدارية، وتركز هذه الإصلاحات بصورة أساسية على إعادة بناء وهيكلة الجهاز الإداري للدولة ورفع كفاءة الموظف العام وتحسين الخدمات العامة، وشمول برامج تحديث الخدمة المدنية مختلف جوانب وأبعاد الإدارة والوظيفة العامة ويتأتى ذلك من خلال:
• تطوير وتحديث البناء الهيكلي والمؤسسي للجهاز الإداري للدولة لإلغاء مظاهر الازدواج والتداخل والتضارب في الأدوار والمهام والأنشطة بين الوحدات الإدارية، واستكمال مراحل إعادة هيكلة وحدات الجهاز الإداري للدولة وتبسيط إجراءات تقديم الخدمات الحكومية، بما يسهم في تحسين الأداء والحد من ظاهرة الفساد.
• تطبيق إستراتيجية الأجور والمرتبات، وتحديثها دورياً كوسيلة لرفع إنتاجية الموظف العام ومعالجة الاختلالات والتشوهات في بيئة الإدارة العامة، بهدف إيجاد جهاز إداري مصغّر وكفؤ.
• وضع أسس ومعايير لشغل الوظائف وتقييمها وتحديد أجورها، وتطبيق نظام معياري لتوصيف وتصنيف الوظائف والقضاء على ازدواجية الوظائف، فضلاً عن اعتماد مبدأ الشفافية في إعداد وتنفيذ الموازنة الوظيفية.
• إنشاء قاعدة بيانات مركزية عن موظفي الدولة وفقا للقرار الجمهوري رقم (1) لسنة 2004 وما تتضمنه هذه القاعدة المركزية من قواعد بيانات فرعية، بالإضافة إلى بناء نظام المعلومات الإدارية وتنفيذ نظام كشف المرتب بربط نظام الأجور والمرتبات آلياً بالموازنة العامة للدولة.
• الاهتمام بالتدريب وبناء الكادر الوظيفي والقيادات الإدارية في جهاز الخدمة المدنية، وزيادة مخصصات الاستثمار في رأس المال البشري.
• تفعيل نظام التقاعد وإعادة توزيع الموظفين في المحافظات والوزارات، ومحاربة ممارسة بيع وظيفة الخدمة المدنية.
• تفعيل دور المجلس الأعلى للخدمة المدنية وصندوق الخدمة المدنية.
• توسيع نظام النافذة الواحدة للحصول على التراخيص الحكومية وإصدار دليل موحد لها وأدلة إرشادية للخدمات الحكومية، وأتمتة الإجراءات اللازمة كجزء من تبسيط الإجراءات ومكافحة الفساد.
• تعزيز آليات التنسيق بين الجهات الرقابية والتنفيذية، واستحداث آليات أكثر فعالية للعمل الحكومي المشترك.
• مراجعة وتعديل القوانين الضريبية لتتواءم مع المعايير الدولية.
• تفعيل دور لجان التنسيق بين الحكومة والقطاع الخاص لتوفير خدمات حكومية مواتية لبيئة الأعمال.
ج- تحقيق الحكم الجيد والإدارة الرشيدة: حيث تشكل منظومة الحكم الجيد والإدارة الرشيدة أساس جذب الاستثمارات الخارجية وتوظيف رؤوس الأموال الوطنية. وينضوي تحت مفهوم الحكم الجيد، تعزيز الإصلاحات والمشاركة السياسية ودعم الحقوق والحريات ومكافحة الفساد وترسيخ سيادة القانون والقضاء وتركز الإصلاحات في هذا المجال على إبراز جوانب تفعيل شروط الحكم الجيد والإدارة الرشيدة كما يأتي:
1 . تعزيز الإصلاحات وتوسيع المشاركة السياسية وضمان وصيانة الحريات والحقوق السياسية في إطار الدستور والقانون، وذلك من خلال تنفيذ العديد من الإجراءات أهمها:
• الاستمرار في تصحيح الاختلالات والتشوهات في الجهاز الإداري للدولة ورفع كفاءته.
• تطوير النظام التشريعي والانتخابي لتوسيع دائرة المشاركة بما في ذلك انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشورى وانتخاب المحافظين، فضلاً عن تقوية دور مجلس النواب في إعداد الموازنة والرقابة على تنفيذها.
• تطوير قانون السلطة المحلية وتفعيل لوائحه التنفيذية.
• إجراء مراجعة شاملة لبعض القوانين كقانون الصحافة وقانون الانتخابات.
• دعم حرية الصحافة المسئولة وتعزيز دورها في تناول القضايا الوطنية بمسئولية، وتنمية الوعي الثقافي والسياسي للمحافظة على الهوية الوطنية وروح الانتماء والتمسك بالثوابت، وإرساء مناخ رحب للتعبير عن الرأي والنقد الموضوعي والبناء.
• تعزيز الحقوق والحريات ورفع مستوى الوعي بحقوق الإنسان وإدماجها في المناهج الدراسية، فضلاً عن الاهتمام بقضايا وحقوق الطفل والمرأة.
• توسيع مشاركة المرأة في النشاط السياسي وفي المناصب الوزارية والمواقع القيادية في أجهزة الدولة المختلفة وفي العمل الدبلوماسي.
• مواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وخاصة ذات العلاقة بحقوق الإنسان والمرأة ودعم تجربة برلمان الأطفال.
• تفعيل دور منظمات المجتمع المدني في تنمية الوعي السياسي والقانوني، وفي تعزيز السلوك الحضاري واحترام المرجعيات القانونية والدستورية.
2. تطوير آليات مكافحة الفساد والتعامل معها بمنهجية متكاملة لتشمل إصلاحات مؤسسية وتشريعية تضم:
• إنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد ومجلس أعلى للمراجعة والمحاسبة، وتفعيل دور الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وتطوير علاقته بمجلس النواب في جوانب الرقابة.
• إجراء مراجعة شاملة للقوانين ومعالجة الثغرات التي تحتويها لتضييق فرص استغلالها في جرائم الأموال العامة، فضلا عن استكمال البنية التشريعية من خلال إصدار قانون مكافحة الفساد وقانون الذمة المالية.
• إنشاء آليات لتطبيق الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد ومنع استغلال المنصب العام في تحقيق منافع شخصية.
• وضع نظام للشفافية والمساءلة لمكافحة الفساد المالي والإداري يشمل إجراءات احترازية تحول دون تدويل الفساد وانتشاره في أجهزة السلطة المركزية والمحلية.
• إلزام المتولين مناصب حكومية عليا تقديم إقرارات مالية بأملاكهم ومصادر دخولهم إلى هيئة مستقلة تعنى بهذا الشأن، وتفعيل آليات منع الجمع بين الوظيفة العامة والعمل التجاري.
• إعداد سجلات لتدوين قضايا الفساد المتعلقة بالشركات والأشخاص ونشرها وإتاحتها لمنظمات المجتمع المدني ومؤسسات الرأي العام والمهتمين.
• تعميق الوعي العام بقضايا الفساد ومخاطره على التنمية والاستثمار، وإنشاء خطوط ساخنة للإبلاغ عن قضايا الفساد.
• تعديل قانون المناقصات الحكومية وإعادة هيكلة اللجنة العليا للمناقصات كمؤسسة مستقلة.
3. تعزيز سيادة القانون واستقلال القضاء نظراً لأهميتهما كإطار مرجعي لضمان الحقوق وحماية الأموال ومطلب أساسي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي وتوفير عناصر الثقة والأمان وبما ينعكس إيجابياً على مناخ الاستثمار، وذلك من خلال:
• تعزيز استقلالية السلطة القضائية مؤسسياً ومالياً وإدارياً بفصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية بالكامل وإجراء التعديلات القانونية المطلوبة لذلك، بما في ذلك إعادة هيكلة المؤسسات القضائية وتطويرها شاملاً مجلس القضاء الأعلى، وإنشاء تكوينات قضائية تعزز الرقابة كإنشاء هيئة لإدارة شئون القضاة من تعيين ونقل وتأسيس القضاء الإداري، بالإضافة إلى دمج هيئة التفتيش القضائي في كل من الوزارة والنيابة.
• بناء القدرات الذاتية للقضاء من خلال التدريب والتأهيل الفني والإداري العالي، والاهتمام بالمعهد العالي للقضاء وتحديث مناهجه وتأهيل هيئته التدريسية.
• تطوير دور المحاكم التجارية وإعطاء المنازعات التجارية والاستثمارية أولوية وتفعيل محاكم الأموال العامة وإنشاء محاكم متخصصة بغسيل الأموال.
• حماية حقوق الملكية والأراضي من خلال دمج الهيئات المختصة بالأراضي وتسجيلها وتخطيطها في هيئة واحدة وتعديل القوانين المتصلة بذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.