النفق المظلم الذي دخلته الأزمة الفلسطينية يزداد قسوة يوم بعد يوم، مع توقعات بحل حكومة الوحدة وإعلان حالة الطوارئ ، وسيطرة كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس على مقري الأمن الوقائي والمخابرات العامة في قطاع غزة، وارتفاع عدد قتلى الاقتتال الداخلي إلى أكثر من 100 وإصابة العشرات، وانتقال المواجهات إلى الضفة الغربية . حيث أعلن الناطق باسم كتائب القسام السيطرة على مقر المخابرات العامة شمال غرب غزة، يأتي ذلك بعد السيطرة على المقر الرئيسي لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني وسط غزة . وأوصت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الرئيس محمود عباس بحل حكومة الوحدة الوطنية وتشكيل حكومة طوارئ، ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية "معا" عن نبيل عمرو المستشار الإعلامي للرئيس عباس قوله: إن رئيس السلطة الفلسطينية يدرس حاليا توصيات اللجنة المركزية بحل الحكومة وإنه سيتخذ قرارا حاسما بهذا الشأن اليوم الخميس. وأكد عمرو أن السلطة تواصل العمل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، إلا أنه نبه إلى أنه ينبغي في الوقت ذاته اتخاذ القرارات السياسية التي تحمي المؤسسات الوطنية والشرعية الفلسطينية. وكان مسؤولون فلسطينيون قد توقعوا أن يصدر عباس قرارا بحل حكومة الوحدة الفلسطينية التي تم تشكيلها بعد توقيع اتفاق مكة بين حركتي فتح وحماس. وقد ارتفع عدد قتلى الاشتباكات التي اندلعت بين الفرقاء الفلسطينيين منذ خمسة ايام إلى 100 بعد مقتل 19 شخصا اليوم الخميس وإصابة العشرات في المواجهات التي اندلعت في مقر الأمن الوقائي أمس الأربعاء واستمرت حتى ظهر الخميس. وقد بث تلفزيون الأقصى التابع لحركة حماس لقطات من داخل المقر تظهر عناصر من كتائب القسام يقتادون عشرات من أفراد الأمن الوقائي وهم بملابسهم الداخلية ويرفعوا أيديهم ، كما بث التلفزيون صورا لأسلحة تركها أفراد الأمن الوقائي على الأرض فيما اعتلى عناصر القسام المباني وسيطروا على جميع البوابات ورفعوا أعلام الحركة داخل المقر. من جهتها ذكرت وكالة "معا" الفلسطينية أن أفراد الأمن الوقائي قاموا بتسليم أنفسهم بعد تعهد كتائب القسام ب"التعامل الرحيم معهم"، مشيرة في الوقت ذاته إلى معلومات تفيد بأن عناصر القسام تلقوا أوامر بإعدام نبيل طموس الذي تعتبره حماس مسؤولا عن "فرق الموت" في قطاع غزة. وقد أدانت كتائب القسام في بيان لها قيادات جهاز الأمن الوقائي واتهمتهم بالخيانة العظمى لوطنهم وشعبهم، وأضاف البيان:"حصلنا فور السيطرة على موقع الأمن الوقائي على وثائق تدين هذا الجهاز بالتآمر والتنسيق مع العدو الصهيوني في عمليات اغتيال ضد مجاهدين وقادة في المقاومة الفلسطينية". وكانت الإذاعة الإسرائيلية قد ذكرت الخميس أن بعض قادة حركة فتح طلبوا من إسرائيل مساعدتهم على الخروج من قطاع غزة عبر البحر خشية قيام حركة حماس بقتلهم. وقد انتقل القتال لضفة حيث أعلنت كتائب الأقصى، الجناح العسكري لحركة فتح، سيطرتها على مدينة جنين في الضفة الغربية وأعلنتها مدينة مغلقة في وجه حركة حماس وقامت بالسيطرة على جميع مؤسسات حماس في المدينة بما في ذلك المستشفيات والمكاتب. وقالت مصادر إعلامية أن القيادات الأمنية التابعة لحركة فتح في الضفة الغربية شنت حملة اعتقالات غير مسبوقة لقادة حركة حماس ردا على الاشتباكات الدائرة في قطاع غزة. وبدوره حذّر أسامة حمدان، القيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وممثلها في لبنان، من اتخاذ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس "أي خطوة خاطئة"، بشأن ما يدور في قطاع غزة، مؤكداً أن ذلك سيزيد الأمور تعقيداً، ولن ينهي الأزمة. وقال "إن أي إجراءات تصدر عن قراءات خاطئة لن تؤدي إلى حل المشكلة، بل ستؤدي إلى تعقيدها وتأزيمها، وسيكون المسؤول الأول عنها من يتخذها"، مشيراً إلى أنّ هكذا خطوات "لن توصل الفريق الانقلابي إلى ما يطمح". وجاءت تصريحات حمدان تعقيباً على المؤتمر الصحفي الذي عقده نبيل عمرو مستشار رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله، والذي أعلن فيه أن رئيس السلطة محمود عباس سيتخذ قرارات وصفها بالحاسمة بشأن الحكومة والعلاقات مع حركة "حماس" خلال وقت قصير اليوم الخميس. وقال القيادي في "حماس"، "نحن نريد أن يتخذ عباس قراراً يوقف عبث قادة الأجهزة الأمنية الذين يتآمرون مع الاحتلال ضد الشعب، بينهم عمرو، حيث يرفضون أن تُعاد صياغة الأجهزة الأمنية وفق رؤية تحمي الشعب لا أن تحمي الاحتلال، ويجب أن يصدر الرئيس قراراً واضحاً بحقهم". وشدد حمدان على أنّ "المخرج لا يكون بهكذا خطاب وهذه اللغة التي تحدّث بها عمرو وهاجم فيها حركة "حماس"، يجب أن تكون القراءة صحيحة حتى لا تكون القرارات خاطئة، وما نحن فيه اليوم هو نتاج لقرارات ورهانات فريق في "فتح" على الخارج والاحتلال". وأضاف حمدان يقول "مشكلتها (حماس) ليست مع "فتح" أو الأجهزة الأمنية؛ مشكلتها مع فئة تستخدم هذه الأجهزة وبالتالي كان نداء كتائب القسام أن يغادروا وأن لا يُستَخدموا من قبل هذه الفئة، ومكانهم في الأجهزة سيبقى محفوظاً، ونحن نتحدث عن دورهم في تنفيذ الخطة الأمنية بعد أن يتم تجاوز هذه الفئة التي حاولت استخدام الأجهزة الأمنية ضد الشعب"، حسب توضيحه. من جهة أخرى، أعلنت حركة حماس الخميس رفضها لفكرة نشر قوات دولية في قطاع غزة بغض النظر عن جنسيات أفرادها، وأكدت أنها ستنظر إلى أي قوات من هذا النوع على أنها "قوات احتلال". وقال سامي أبو زهري المتحدث باسم حماس إن "الحركة تعتبر أن طرح هذه الفكرة في هذا التوقيت لا يهدف إلا إلى القضاء على قوى المقاومة وخدمة الاحتلال الإسرائيلي وأيضا التدخل الخارجي خدمة لطرف فلسطيني على طرف آخر". وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قد صرح الأربعاء بأنه يجب دراسة فكرة إرسال قوة متعددة الجنسية إلى قطاع غزة. من جهتها، ذكرت مصادر إسرائيلية أن رئيس الوزراء ايهود أولمرت أجرى اتصالات مع قادة العالم لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة وفكرة نشر قوات دولية على الحدود المصرية الإسرائيلية. وكان أولمرت قد حذر الثلاثاء الماضي خلال محادثات أجراها مع وزير الخارجية الهولندية ماكسيم فارهاجن من أن نجاح حركة حماس في السيطرة على قطاع غزة سيترتب عليه "عواقب إقليمية"، مؤكدا في الوقت نفسه أن إسرائيل لن تنجر إلى الاشتباكات الدائرة في غزة. بدوره طالب رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي تساحي هانغبي بعدم الموافقة على طلب الرئيس الأميركي إدخال أسلحة إلى قطاع غزة لمساعدة نشطاء فتح وحرس الرئيس عباس. وعبّر هانغبي عن مخاوف إسرائيل من تسرب هذه الأسلحة إلى حركة حماس التي باتت تسيطر على جزء كبير من القطاع وهو ما سيؤدي إلى التأثير على الأمن الإسرائيلي، على حد قوله. وفي محاولة منها لوضع حد للاقتتال الدائر في غزة، قررت الجامعة العربية تقديم موعد اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة إلى الجمعة لبحث تطورات الاقتتال الفلسطيني في غزة إضافة إلى الأوضاع في لبنان. وقال هشام يوسف مدير مكتب الأمين العام إن الاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية -الذي كان مقررا عقده السبت بالقاهرة بطلب من رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة لبحث الأوضاع اللبنانية- سيتم تقديمه بطلب من القاهرة إلى الجمعة لبحث الأوضاع في غزة. على صعيد آخر استشهد ناشط فلسطيني برصاص جيش الاحتلال في قلقيلية شمال الضفة الغربية. وقالت مصادر طبية وأمنية إن ياسين ياسين (24 عاما) الناشط بكتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح أصيب بجروح قاتلة في تبادل لإطلاق النار مع قوة تابعة للجيش الإسرائيلي الذي كان يقوم بعملية توغل في المدينة. من جهتها قالت متحدثة باسم جيش الاحتلال إن القوات الإسرائيلية قامت بعملية ضد ما سمتها البنى التحتية الإرهابية في قلقيلية، موضحة أن "القوة تعرفت على رجل مسلح وأطلقت النار عليه".