يمرر الأميركي جايسون رايت (35 عاماً) أداة بحجم التليفون الخلوي على فروة رأسه، وينتظر بصبر حتى تقوم هذه الاداة بتحميل البيانات من دماغه إلى كمبيوتره المحمول، وخلال دقائق تظهر موجات المخ على الشاشة حيث تكشف عن أن نوبات مرضية قد تم اكتشافها وقمعها بواسطة تيار كهربائي. ولا يشعر رايت بأي شيء، ولكنه يعرف فقط أنه منذ ان زرع الأطباء قطعة الكترونية داخل دماغه فقد أصبحت نوبات الصرع التي تعتريه قليلة. ويقول “أشعر بتحسن ولم أعد أسقط على الأرض من نوبة الصرع كل دقيقتين”. وهذا تماما ما صمم من أجله جهاز “التنبه العصبي الحساس”، وهو جهاز يعمل على المخ يؤدي عمله بانتظام كما يعمل منظم ضربات القلب، وهو مبرمج لتوصيل كمية ضئيلة من الحث الكهربائي عندما يشعر المريض بوجود نوبة جديدة من نوبات الصرع. يقول الدكتور مارك أغوستينو الأستاذ المساعد في علم الأعصاب في المركز الطبي التابع لجامعة تكساس في ولاية دالاس: “هذا الجهاز يعمل بفاعلية على إنقاذ حياة الأشخاص الذين يعانون من مرض الصرع ولا يمكن التحكم في مرضهم بواسطة الأدوية”. وهناك ما يقارب 30 في المائة أي حوالي 3 ملايين شخص في الولاياتالمتحدةالأمريكية يعانون من مرض الصرع الذي لا يوجد له علاج بالأدوية. والدكتور رايت واحد من بين هؤلاء الذي يشاركون في التجارب الطبية التي تجريها جامعة تكساس. كان رايت في التاسعة عشرة من عمره عندما فقد السيطرة على سيارة من الدفع الرباعي أثناء قيادتها، حيث انقلبت عليه وكسر معصم يده وأصيب بجرح في رأسه. وبعد أربع سنوات من تلك الحادثة بدأت تنتابه نوبات الصرع. وتقول والدته باربرا ويتاكر “بمجرد ان تخلص من آثار تلك الحادثة واستعاد الثقة بنفسه تغيرت شخصية، فقد استقال من وظيفته، وتوقف عن قيادة السيارة وترك شقته، وانتقل كي يعيش مع والدته التي تعيش في مدينة صغيرة هي “مالاكوف” في شرق ولاية تكساس”. وتضيف “لقد تبددت ذاكرته، وأصبح غير قادر على تذكر الأحداث الماضية بما فيها الحادثة التي وقعت له، وأصبح ينسى الأشخاص الذين قابلهم يوما بعد آخر، كما تنوعت نوبات الصرع من نوبات خفيفة إلى شديدة، فأحيانا يتوقف في منتصف الجملة التي يتحدثها ويحملق، وعندما تنتهي نوبة الصرع لا يدرك ما حدث له”. لقد كانت نوبات الصرع تنتاب “رايت” مرات عدة في اليوم وكان خائفا من أن تحدث له النوبة القادمة في محل بقالة أو أي مكان عام آخر، حيث كان يشعر بعد النوبة بالإجهاد الشديد. و يقول “إذا حدثت لي نوبة شديدة فإنني لا أستيقظ منها إلا بعد يومين”. وقالت أمه: “لقد جرب كل أدوية نوبات الصرع، ولكنها لم تؤد إلى نتيجة، كما أن العلاج باستخدام “الحث العصبي”، حيث ترسل نبضات كهربائية إلى المخ من خلال عصب كبير في الرقبة، لم يساعد أيضا على تحقيق الشفاء. ولم يكن إجراء جراحة لاستئصال جزء صغير من المخ من المكان الذي تبدأ منه نوبات الصرع خياراً ممكنا لأن “رايت” كان مصابا في كلا الجانبين من المخ. وعندما علم بزراعة الجهاز الجديد كان شغوفا بتجربة ذلك”. ومنذ أن زرع هذا الجهاز في دماغه في شهر ابريل/ نيسان الماضي وهو يقوم بتسجيل كل نوبة صرع تنتابه في مفكرة. وخلال الشهر الماضي سجل 49 نوبة صرع صغيرة لكن نوبتين منها فقط كانتا من النوبات الشديدة. ويقول أغوستينو إن رايت يتلقى 3000 استثارة كهربية للمخ يوميا والتي يمكنها بمرور الوقت ان تقلل من عدد نوبات الصرع المرضية التي تنتابه. ويقوم “رايت” بتحميل البيانات مرتين يومياً من مخه إلى جهاز الكمبيوتر بآلة يمررها على فروة رأسه والتي تقوم بدورها بإجراء عملية مسح للشريحة المزروعة في دماغه، ثم تقوم بإرسال المعلومات إلى جهاز الكمبيوتر بواسطة خط هاتفي. وتقول إيميلي ميرو وهي باحثة علمية في مركز التجارب العصبية في كاليفورنيا “ما زلنا ننتظر لكي نرى هل ستنجح هذه التجربة في معالجة اولئك الذين لا يستجيبون للعلاج بالأدوية، فإذا توصلنا إلى ذلك، وجمعنا معلومات كافية فإننا سننهي التجربة، وسوف نعرض المعلومات على إدارة الأغذية والأدوية للموافقة عليها”. ويقول رايت من جانبه انه يشعر بالتفاؤل من قدرة الجهاز المزروع على تقليل عدد نوبات الصرع لديه على المدى الطويل. ويضيف: “آمل أن أستطيع يوماً ما العودة إلى عمل الأشياء التي كنت أعملها من قبل، اذ ان من الصعب أن تعيش حياة طبيعية عندما تكون الأم مسؤولة عن حملك ونقلك من مكان لآخر بهذا الشكل”. تجربة نظام التنبه العصبي الحساس ما هي؟: - قطعة الكترونية صغيرة تحتوي على شريحة كمبيوتر وبطارية لتزويدها بالطاقة الكهربائية. أين تزرع؟ - أسفل فروة الرأس، ويوضع احد طرفيها داخل منطقة المخ التي تبدأ منها نوبات الصرع، أو فوقها. على من طبقت التجربة؟ - تجرى التجارب على البالغين من عمر 18-70 عاماً، ممن سبق لهم ان اصيبوا بنوبات صرع تبدأ من منطقة واحدة أو اثنتين، وقد جربوا العلاج بنوعين أو أكثر من الأدوية من دون أن يستفيدوا من العلاج. شروط المشاركة في التجربة: - تستمر التجربة لمدة عامين أو ثلاثة، وعلى المشارك ان يحتفظ بمفكرة لنوبات الصرع، وان يقبل إجراء عملية جراحية ومراجعة الطبيب بانتظام. ولا تزال التجربة بحاجة إلى 260 مشاركاً على مستوى الولاياتالمتحدة.