يرى كثيرٌ من المراقبين في الولاياتالمتحدة الأميركية أن الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة تُعد أول انتخابات الكترونية; وذلك للدور النشط غير المسبوق الذي تؤديه الشبكة العنكبوتية في حشد المناصرين والمتطوعين في صفوف المرشحين "باراك أوباما" و"جون ماكين", مستخدمين الانترنت في تنظيم أنفسهم وتمويل الحملات الانتخابية وتوسيع دوائر علاقاتهم واتصالاتهم ونشر أخبار مرشحهم المفضل. وفى هذا السياق, نشر »مشروع الامتياز في الصحافة« التابع لمركز »بيو« للأبحاث دراسة مهمة قبل أقل من شهرين على اجراء الانتخابات الرئاسية يحلل فيها مضمون الموقعين الالكترونيين الرسميين للمرشحين الديمقراطي والجمهوري وذلك للوقوف على حجم التطور الذي تؤديه الشبكة العنكبوتية في انتخابات العام الحالي مقارنة بالانتخابات السابقة. وحللت الدراسة التي حملت عنوان "ماكين ضد أوباما على الانترنت: دراسة لموقعي مرشحي الرئاسي« الحملتين الرسميتين على الانترنت خلال شهري أغسطس وسبتمبر الماضيين أي قبل وبعد عقد المؤتمرين الوطنيين للحزبين الديمقراطي والجمهوري واعلنت فيهما تسمية أوباما وماكين رسميًا مرشحين للرئاسة الأميركية, واللذين شكلا لحظة فارقة في تطوير الحملتين الالكترونيتين خصوصاً حملة ماكين. الدراسة اعتمدت على قياس قدرة مستخدمي الانترنت على المشاركة في مختلف الأقسام بالموقع وذلك على أساس أربعة عوامل أولها: نوعية الأقسام المتفاعلة الموجودة, وثانيها: مدى امكانية اضفاء الاهتمامات الشخصية على الصفحة بحيث تحتوى الصفحة على بعض الأقسام مرتبة وفق أولوية كل مستخدم وهو ما يطلق عليه Customization (مثلما هو الحال في غوغل وياهو), وثالثها: نوع أدوات توصيل المعلومات التي تسهل على المستخدمين متابعة الأخبار الجديدة لحملة مرشحهم الرئاسي, ورابعها: الى أي مدى نجح الموقع الالكتروني في تسهيل الأنشطة الأساسية التي تعتمد عليها الحملة أو ما يطلق عليها Grassroots Activities مثل جمع التمويل اللازم وتنظيم اللقاءات والتجمعات وتسجيل الناخبين واجراء اتصالات هاتفية داعمة للحملة الى حد الوصول للناخبين في منازلهم. تفوق ملحوظ لأوباما وبغض النظر عن الاختلافات الواضحة في تصميم وتوظيف الموقعين, فان موقع حملة أوباما نجح في جذب مزيدٍ من المستخدمين عن موقع ماكين. وتوضح أرقام شركة "هيتوايز" البحثية المهتمة بدراسة استخدام الانترنت أن موقع أوباما الالكتروني كان له نصيب الأسد من حيث عدد زيارات المستخدمين لموقعي الحملتين, اذ وصل الى 72 في المئة بنهاية أغسطس الماضي مقارنة ب¯ 28 في المئة فقط لماكين. وأهم نتيجة خرجت بها الدراسة كانت أن الديمقراطيين وتحديدًا مرشحهم "باراك أوباما" هو الأكثر استفادة من هذا الوسيط الاعلامي الجديد وهو شبكة الانترنت في الدعاية الانتخابية. وخلصت الدراسة الى ان فريق حملة أوباما أبدى تركيزه مبكرًا على تحفيز المؤيدين وتحويل حماسهم الى طاقة مستغلة على الأرض للانخراط في الأنشطة التي تُعتبر العمود الفقري للحملة (تمويل ) منذ الانتخابات التمهيدية بين أوباما وهيلاري كلينتون, ومن هنا اتسعت الفجوة بين التواجد الالكتروني للمرشحين الديمقراطي والجمهوري. لكن ماكين استطاع تطوير حملته الالكترونية بشكل كبير ليقلل حجم الفجوة بينه وبين أوباما وذلك باضافة مزيد من المواد التفاعلية منذ اعلانه رسميًا مرشحًا للحزب أولويته بالاضافة الى تزويد موقعه خلال الأسابيع القليلة الماضية ببعض المعلومات الاضافية واتاحة أدوات تسمح ببناء صفحات شخصية تحمل كل ما يهم المستخدم كلٌ وفق أولويته بالاضافة الى تطوير امكانيات التفاعل الاجتماعي. شملت عمليات تطوير موقع المرشح الجمهوري اضافة قسم للتفاعل أو التشبيك الاجتماعي والتواجد على مواقع الفيس بوك وماي سبيس على الموقع الرسمي للحملة وهو www.johnmccain.com الا أن الاهتمام الحديث بهذا الجانب التفاعلي الهام والذي لم يلتفت اليه مناصرو ماكين منذ البداية لم ينجح في سد الفجوة بين أصدقاء أوباما وماكين على الموقعين الاجتماعيين الشهيرين. وتؤكد الأرقام الواردة في الدراسة بناء على قياس عدد أصدقاء كل مرشح أن أوباما لديه 1726453 صديق على الفيس بوك و510799 على ماي سبيس مقارنة بماكين الذي لديه 309691 صديق فقط على الفيس بوك و87652 فقط على ماي سبيس. وفي أغسطس الماضي أتاحت حملة ماكين امكانية اضافة أشرطة مصورة وصورٍ ومدونات رغم الاعلان عنها العام الماضي تحت عنوان McCainSpace , وذلك على عكس الحال في موقع أوباما الذي يوفر صفحتي My Barak obama أو My Bo وهى خدمة نشطة على الموقع منذ أشهر عدة تتيح لمستخدميها كتابة ملاحظاتهم الشخصية في شكل مدونات وعمل "بروفايل" خاص للتعريف بأنفسهم واضافة روابط لمجموعات أو شخصيات مناصرة لحملة الديمقراطيين. وفي المقابل, سجلت الدراسة قيام فريق حملة أوباما منذ اعلانه مرشحًا رسميًا باضافة خدمة الرسائل النصية sms لتزويد مؤيدي أوباما بكل ما هو جديد أولاً بأول. تفاعل وإمكانات تظهر أعداد المستخدمين المسجلين في مواقع التفاعل الاجتماعي من محبي أوباما وماكين أن هناك فارقًا كبيرًا لمصلحة المرشح الديمقراطي. وتقول الدراسة:انه مع قرب انتهاء سباق الرئاسة الأميركي فان عدد المستخدمين المسجلين المؤيدين لأوباما يتجاوز خمسة أضعاف عدد أصدقاء ماكين. ورصدت الدراسة زيادة كبيرة لأصدقاء أوباما على موقعي "ماي سبيس" و"فيس بوك" مقابل ماكين بمعدل 1:6 و1:5, كما كان عدد الأشرطة المصورة المناصرة لأوباما والمتاحة على موقع "يو تيوب" ضعف عدد الأشرطة المصورة لماكين. أما بالنسبة لعدد المشتركين المسجلين على موقع "يو تيوب" فانه يرجح كفة أوباما اذ بلغ عدد المشتركين في صفحته أحد عشر ضعف عدد المشتركين المؤيدين لمنافسه الجمهوري. وبالنسبة لمعدل مشاهدة الأشرطة المصورة, فقد حققت حملة ماكين تقدمًا ملحوظًا بعد نشرها اعلانات تصور المنافس الديمقراطي وكأنه نجم يفتقر للخبرة. وأكدت الدراسة أن موقع حملة أوباما على الانترنت وهو www.barackobama.com يحتوي على روابط الكترونية لقصص اخبارية من وسائل الاعلام الأميركية المختلفة تدور عن المرشح الشاب, وهو جانب يلقى اهتمامًا أكبر من فريق حملة أوباما عن حملة ماكين التي تهتم أكثر بالبيانات الصحافية التي تصدر عن معسكر المرشح الجمهوري حيث وصلت نسبتها الى 40 في المئة مقابل 12 في المئة فقط على موقع أوباما. ولكن بعد اعلان سارة بالين مرشحة لمنصب نائب الرئيس, بدأ الاهتمام بنشر المواد الاعلامية المتعلقة بها. وسجلت الدراسة اهتمامًا بالغًا ببالين على موقع ماكين مقارنة بالاهتمام بنظيرها جوزيف بايدن في المعسكر الديمقراطي على موقع أوباما. وذكرت الدراسة أن موقع أوباما على الانترنت يُسهل عملية التفاعل على مستخدميه اذ يمكنهم تلقي أحدث أخبار الحملة أولاً بأول واختيار نقاط بعينها للتركيز عليها في المناقشات الانتخابية مع أصدقائهم أو أقاربهم أو في التجمعات الانتخابية لاستمالة الناخبين في صف المرشح الديمقراطي, كما يسهل عليهم تحميل بوسترات ومنشورات الحملة الانتخابية واجراء مكالمات هاتفية عن طريق الانترنت للناخبين المترددين الذين لم يقرروا بعد لمن يدلون بأصواتهم في الولايات المتأرجحة ووضع خطط للتواصل مع سكان المناطق السكنية المختلفة القريبة منهم. وأضافت الدراسة رغم أن أوباما يحمل شعار التغيير, الا أن كلمة "التغيير" الآن باتت أقل ظهورًا على الصفحات الخاصة بموقعه مقارنة بموقع ماكين الذي تحل فيه كلمة "التغيير" ضمن أكثر 20 كلمة مستخدمة في مضمونه. مقارنة لمحتوى موقعي الحملتين ومن نتائج الدراسة ان الموقع الرسمي لحملة أوباما يضم محتوىً نصيًا " "أكبر بكثير من المحتوى النصي لموقع ماكين اذ بلغ عدد الكلمات على موقع أوباما في شهر أغسطس الماضي 50676 كلمة مقارنة ب21021 كلمة على موقع ماكين. وحتى في حالة استبعاد الخطابات التي يلقيها كل منهما من الموقع فان المحتوى النصي لأوباما يظل أكبر من ماكين وان كان بفارق ضئيل. وأوضحت الدراسة أن أوباما كان يروج لأجندته السياسية من خلال قسم "قضايا" أو Issues على موقع الحملة مقدمًا رؤيته الخاصة في 23 قضية مختلفة في مقابل 17 قضية ذكرت على موقع ماكين. واحتلت قضايا التكنولوجيا والأسرة والسياسات الداخلية والرعاية الصحية والسياسة الخارجية الأولوية لدى أوباما مقارنة بمنافسه الذي انصب تركيزه على قضايا الأمن القومي والجنود المتقاعدين والتكنولوجيا والقضاء والرعاية الصحية. وبتحليل الجمهور المستهدف لكلا الموقعين الانتخابيين, يتضح أيضًا تفوق أوباما الذي كان يتوجه فريق حملته الى 20 فئة مختلفة قبل انعقاد المؤتمر الوطني العام للحزب الديمقراطي في أغسطس الماضي واعلانه مرشحًا رسميًا للرئاسة. وتشمل الفئات التي كان يتوجه لها أوباما قبل ذلك الموعد سكان أميركا الأصليين والعرب الأميركيين واليهود بالاضافة الى الاميركيين من ذوى الأصول الاسبانية ومناصري البيئة والمحامين والعمال والطلاب والنساء والجنود المتقاعدين وحتى الشواذ من الرجال والنساء, في مقابل حملة ماكين التي ركزت على مخاطبة ست فئات فقط منهم الكاثوليك والمحامون والرياضيون والنساء والجنود السابقون. أما بعد اعلان أوباما وماكين رسميًا مرشحين للرئاسة الأميركية, فقد زاد عدد الفئات التي يستهدفها كل منهما وزادت الفئات المستهدفة من قبل الديمقراطيين أربع فئات منها مجموعة "جمهوريون من أجل أوباما" التي تتسبب في ازعاج كبير للأوساط الجمهورية والمحافظة, فيما بدأ فريق حملة ماكين يتوجه لاثنتي عشرة فئة اضافية منها العرب واليهود واللبنانيون الأميركيون. ويوفر المرشحان نسخة اسبانية لموقعيهما مخاطبين الأميركيين من ذوى الأصول الاسبانية والذين يمثلون نسبة كبيرة بين الناخبين, الا أن كلا الموقعين ضعيفٌ للغاية ويقتصران على موجز مواقف المرشحين من بعض القضايا خاصة تلك المتعلقة بالفئة المستهدفة. * عن "تقرير واشنطن"