الولوج إلى عالم المال والأعمال ليس بالأمر السهل، ويتطلب مخاطرة ورأس مال لدخول سوق التجارة والاستثمار، وهو أمر ظل حتى عهد قريب محصوراً على الرجال فقط.. لكن المرأة اليمنية تجاوزت حدودها التقليدية، وتخطت بكل ثقة حاجز الخوف، لتخوض بنجاح معترك المال والأعمال، وأصبحت تنافس الرجال، وتسهم بشكل فاعل في التنمية والاستثمار، وهناك أكثر من 400 سيدة أعمال يمنية مسجلة في الغرف التجارية، يمارسن نشاطهن التجاري والاستثماري في مختلف المجالات. "سيدتي" التقت بعدد من سيدات الأعمال، على هامش الملتقى الأول لسيدات الأعمال اليمنيات، لعرض تجاربهن والمعوقات التي يواجهنها ومشاريعهن الحالية والمستقبلية. نجلاء شمسان، صاحبة البيت اليمني للموروث الشعبي، ورئيسة مجلس سيدات أعمال فرع عدن، بدأت تجربتها في مجال التجارة بورشة صغيرة للحام والسمكرة، ثم تطورت إلى ورشة كبيرة، ومن ثم إلى خزانات نفط أرضية، وأخذت مقاولات في مدينة عدن. تقول: تمكنت من التغلب على كل الصعوبات التي كانت تواجهني بمساعدة المرحوم زوجي ودعمه لي، وبعد أن نجحت في هذه المشاريع انتقلت إلى مدينة صنعاء، واتجهت إلى إنشاء معمل لصناعة الزي العسكري، ولمست كل التعاون من قبل الرجال، رغم اقتحامي لهذا العمل المحظور على المرأة، بعدها عدت إلى مدينة عدن ودخلت في مشاريع خدمات عامة لشراء البضائع، كما عملت في التسويق، ودعمت العديد من الشباب والفتيات في مجال التسويق، والآن أعمل في مجالات السياحة والثقافة والإعلام، من خلال بيت الموروث الشعبي، الذي كنت بدأته في صنعاء من سمسرة النحاس، ويضم مختلف الأدوات والمقتنيات والأسلحة والفضة والمطبخ اليمني. إرادة وإصرار منى عواصة، بدأت انطلاقتها مع المال والأعمال من دولة الصين، حيث قامت بتصدير منتجات الأحياء البحرية لتكمل مشوارها في مدينة عدن بعد عودتها من بكين، وتقول: بعد عودتي من بكين عملت في تصدير الأسماك من اليمن إلى الصين، ثم تطورت الفكرة وقررت الدخول في مجال النفط وحفر الآبار، وواجهتني صعوبات في هذا الجانب، من حيث عدم توفر المعلومة وغيرها من التحديات، كونه مجالاً غريباً على المرأة، ورغم ذلك واصلت العمل في المجال الأمني والسلامة وحفر الآبار، وحالياً أمتلك شركة أقوم من خلالها باستيراد معدات حفر الآبار، ولدي طموح كبير في الوصول إلى ما هو أبعد من ذلك ومنافسة رجال الأعمال. وتؤكد أن النجاح ليس بالأرقام والأرصدة البنكية، بل يقاس النجاح بمدى قدرة الشخص على إدارة المشاريع، والتخطيط السليم لها، وبالقدرة على تخطي العوائق. واعتبرت مؤتمر سيدات الأعمال نقطة إيجابية في التعريف بسيدات الأعمال وأدوارهن في التنمية والصعوبات التي يواجهنها. وتمنت أن يكون هناك دعم وتشجيع للمرأة من قبل الحكومة والقطاع الخاص، من أجل إثبات وجودها في عالم المال والأعمال والانطلاق نحو مستقبل أفضل.
مخاطرة عزة عزيز يزن، هي الأخرى بدأت بمشروع صغير، وهو عبارة عن محل إلكترونيات، وتقول: حققت نجاحات لا بأس بها، وأنا ماضية في هذا الجانب رغم الصعوبات والمعوقات، لكن الولوج إلى عالم المال والأعمال يحتاج إلى مخاطرة وشجاعة، وأحظى بدعم وتشجيع من قبل سيدات الأعمال، ومن الغرفة التجارية، ومن الصعوبات التي تواجهها، عدم وجود قروض وتسهيلات للمرأة لكي تستثمر قدرتها وإمكاناتها في أي مشروع، ولكن إذا وجد الطموح والإصرار يصل المرء إلى أهدافه، رجلاً كان أم امرأة، ولا يوجد شيء مستحيل طالما وجد الإصرار والعزيمة. أما فروزة محمد أحمد، فدخلت مجال الخدمات العامة، وتعمل مديرة مبيعات، وتقدم خدمات تجارية تسويقية في إطار البرمجيات لشركات ومستشفيات وغيرها. تقول: سلكت هذا المجال بمساعدة وتشجيع من قبل العائلة، ومن سيدات الأعمال، لكن مازالت العراقيل تقف دون تحقيق طموحنا، فالتسويق من أكثر المشكلات التي تواجهنا، حيث لم نلمس أي تسهيلات من الغرفة التجارية في هذا الجانب، ودعم الغرفة يقتصر على عقد المؤتمرات والندوات فقط. وتتفق مع سابقتها بأن المؤتمر يعتبر خطوة إيجابية لتشجيع ودعم سيدات الأعمال. وتؤكد بأن المرأة اليمنية قادرة على الانطلاق وتحقيق النجاح بمفردها. جهود ذاتية نورة الحداد، هي الأخرى بدأت بمكتب للدعاية والإعلان، وبأفكار ومضامين جديدة. وتقول: فتحت مكتباً متكاملاً للدعاية والتصميم والإنترنت، ولكنها تواجه صعوبات، لأن كل الشركات تتعامل مع جهات إعلانية معروفة في السوق دون غيرها، ولم تلمس كما تقول أي دعم، وكل عملها بجهود ذاتية. معاناة حورية عبد الله المهدي، تمتلك مركزاً للعلاج الطبيعي، ومعهد علوم العصر لتقوية المعلومات، وتقول: كنت اختصاصية نفسية في وزارة الصحة، وحصلت على دبلوم في العلاج الطبيعي، واتجهت إلى هذا المجال من خلال مشروع العلاج الطبيعي، لكن رغم نجاح هذا المشروع إلا أن معاناتي هي من قبل الضرائب والتأمينات. وتضيف: الرجل لا يتقبل المرأة كسيدة أعمال، فهو لا يحب وجودها في مثل هذه المجالات، والمساعدات التي توعد بها هي مجرد حبر على ورق. خطوات متعثرة ثريا يعقوب، رئيسة قطاع سيدات الأعمال في الغرفة التجارية بصنعاء، شبهت تجربة سيدات الأعمال بطفل يحبو ويتعثر بين الحين والآخر، فهي ترى بأنه ليس هناك استيعاب لعمل ووجود المرأة في عالم المال والأعمال، خصوصاً من قبل القطاع الخاص، الذي يرفض ظهورها ومشاركتها له، كما أن البنوك التجارية أيضاً هي الأخرى تحتكر جهود المرأة، ولا تعطيها أي تسهيلات بالنسبة للقروض التي تحتاجها، إلى جانب ذلك البيوت التجارية للأسف تتدخل في مهام واختصاصات سيدات الأعمال، وتفرض نساء غير ناشطات في المجلس لمجرد أنهن يرجعن لهذه البيوت. وتضيف: سيدات الأعمال لا يلقين الدعم والمساعدة من أحد، واتحاد الغرف التجارية الذي رعى المؤتمر، للأسف، يمثل عامل طرد للمستثمرات، ولا يرحب بهن، ولا يريد أن تتواجد المرأة في الاتحاد، لأنه ينظر إليها على أنها منافسة له، ولم يحدث منذ بداية تأسيس مجلس سيدات الأعمال أن تبنى أي مشروع خدمي نستفيد منه، وعلى الرغم من أن النساء المؤسسات لمجلس سيدات الأعمال اليمنيات معروفات بنشاطهن وحضورهن وتأسيسهن للمجلس بطريقة شرعية، إلا أن الاتحاد يحاول أن يقصي هذا المجلس ويهمش دوره. معوقات فوزية ناشر، رئيسة مجلس سيدات الأعمال اليمنيات، ترى أن سيدة الأعمال الناجحة هي التي تبدأ من البيت، وهناك نساء كثيرات بدأن بدايات متواضعة في المجال التجاري، وأخذن يتوسعن إلى أن أصبحن سيدات أعمال ناجحات، والكثير منهن غير منضويات في مجلس سيدات الأعمال، ولا يسجلن مشاريعهن في الغرف التجارية، بسبب العادات والتقاليد ورسوم العضوية. وقالت إن عدد سيدات الأعمال المسجلات في الغرف التجارية في اليمن يبلغ 400 سيدة فقط، من إجمالي النساء اليمنيات اللواتي يمارسن نشاطاً تجارياً، أو يعملن لحسابهن الخاص، والبالغ عددهن أكثر من 109 آلاف من إجمالي المشتغلين من الجنسين، والذين يصل عددهم إلى 4 ملايين و150 ألف شخص. وأرجعت أسباب قلة عدد سيدات الأعمال إلى ظروف اجتماعية عديدة محبطة لطموح المرأة اليمنية، والمعاملة التفضيلية بين الرجال والنساء بمقتضى القوانين الواقعة خارج نطاق تشريعات الأعمال التجارية، والاتجاهات السلبية السائدة نحو النساء العاملات، وصعوبة التحاق المرأة بالأنشطة الاقتصادية ذات الإنتاجية المرتفعة، وهو ما يؤثر سلباً، ويؤدي إلى زيادة فقر المرأة. وتؤكد فوزية ناشر أن العمل هو البداية الحقيقية لتحرر المرأة اقتصادياً، وإسهامها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتمكينها من زيادة عطائها في ظروف عمل ملائمة، والشعور بالراحة والطمأنينة بعيداً عن الخوف والقلق على الحاضر والمستقبل. وتطالب بإنشاء صندوق الادخار والإقراض كخطوة أولى لإنشاء بنك للنساء مستقبلاً، والعمل على إعفاء مشروعات القطاع النسوي من الضرائب لمدة محدودة، وإشراك سيدات الأعمال في السياسات والخطط المتعلقة بنشاط القطاع الخاص، وزيادة تمثيل سيدات الأعمال في اللجان الوزارية المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والتجارية.