يستخدم مصطلح "الدولة العميقة" للإشارة إلى شبكة من القوى داخل الدولة كالأجهزة الأمنية والعسكرية، والقضاء، وبعض النخب الاقتصادية تمارس نفوذاً فعلياً من خلف الكواليس، بعيداً عن إرادة الشعوب أو السلطات الرسمية المنتخبة. هذه القوى تعمل غالباً على حماية مصالحها الخاصة، وتعرقل التغيير السياسي أو تصوغ القرار الوطني دون شفافية أو مساءلة. بمعنى أوضح: "الدولة العميقة" هي سلطة خفية تدير المشهد السياسي من الظل، دون أن تكون في الواجهة، ودون أن ينتخبها أحد. لكن، هل ينطبق هذا الوصف على واقعنا في عدن؟ برأيي، لا. فنحن لا نعيش تحت حكم "دولة عميقة"، بل نكاد نعيش في غياب الدولة بالكامل. نحن ندار اليوم تحت شرعية احتلال عميق، يتقاسم المشهد فيه أمراء فوضى ومراكز نفوذ متعددة، لكل منها سلطته وسلاحه ومصالحه. في هذا الواقع، لا توجد دولة تخفي قوتها في العمق، بل توجد قوى ظاهرة تتقاسم السيطرة علناً، دون مؤسسات، ولا مشروع وطني، ولا مرجعية سياسية واضحة. كيف يمكن إصلاح بلد في ظل مجلس قيادة رئاسي يتكون من رئيس وسبعة نواب؟ هذا النموذج غير مسبوق في أي دولة مستقرة في العالم، فما بالك بدولة تتهاوى وتحتاج إلى قرار مركزي، وإرادة موحدة للخروج من أزماتها؟ لفهم مصطلح "الدولة العميقة"، إليكم مثالين: أولاً: تركيا (العهد الجمهوري)
في تركيا القرن العشرين، ورغم وجود حكومات مدنية منتخبة، ظل الجيش، والمخابرات، وبعض النخب القضائية والاقتصادية، يحكمون من وراء الستار. ومن أبرز شواهد ذلك: الانقلاب العسكري في 1980م إجبار حكومة نجم الدين أربكان على الاستقالة في 1997م كلها تحركات قامت بها "الدولة العميقة" لحماية ما اعتبروه "قيم الدولة العلمانية" التي أسسها أتاتورك. ثانياً: الولاياتالمتحدةالأمريكية حتى في أميركا، يستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى نفوذ مؤسسات مثل: البنتاغون (وزارة الدفاع) CIA اللوبيات الاقتصادية والإعلامية خاصة في عهد ترامب، حين اتهم أجهزة الدولة بالتآمر عليه وتعطيل قراراته، رغم كونه رئيساً منتخباً.
خلاصة القول: "الدولة العميقة" ليست دولة موازية، بل منظومة خفية تدير الدولة وتسيطر على قراراتها من الداخل. أما نحن، فلسنا تحت حكم دولة عميقة، بل ندار من قبل احتلال عميق واضح المعالم، تغذيه الفوضى، ويحميه تشتت القرار، وتعدد مراكز القوى. ومع اشتداد الصراع الإقليمي خاصة بين إيران وإسرائيل ستظل نتائج هذه المواجهات مؤثرة في تحديد مصير هذا الاحتلال ومن يقف وراءه.
لكن رغم كل شيء، يبقى الجنوب كما عهدناه: حراً، أبياً، شامخاً،لا ينكسر.