صلاح الحيدري - جدل وخوف.. ممانعة وتردد.. مصالح متقاطعة تنامت على مدى سنوات عديدة، لتشكل "حاجز صد" أمام توجيه رئاسي ب"ضروة خروج الدولة من صنعاء لتصل إلى الناس في كل مناطق اليمن"، كما ينقل وزير الإدارة المحلية عبدالقادر هلال عن الرئيس علي عبدالله صالح يوم كان الأول مديرا لمديرية. كما يبدوا فان التجربة الجديدة في انتخاب المحافظين مشروع لرئاسة الدولة نادت بها منذ أكثر من عام ونصف، ولاقى من التردد والتثبيط والمماطلة في تنفيذها ما كاد يكبل خوضها، لتصل في الاخير لقرار رئاسي تجاوز كل معطيات ذلك التثبيط بإعلان انتخاب المحافظين الذي يمثل الضربة قبل الاخيرة لحاجز يمنع ترتيب الدولة وفقا لمصالح مواطنيها المصالح، ويبقيها حكرا على مراكز بمختلف اشكالها (قبلية، سياسية، عسكرية) للوصول إلى حكم محلي يمكن الدولة اليمنية والمجتمع اليمني من تجنب الصراعات وترويضها لصالح الدولة الحديثة، والمواطنة المتساوية. على مدى 18 عاما من عمر الوحدة لم يكن من مجال لاختراق حاجز المصالح المتقاطعة والمانعة لتجربة الحكم او السلطة المحلية في اليمن سوى بقرارات سياسية استطاعت ان تفتت الكثير من ذلك الحاجز من خلال استيعاب مفاتيح المجتمع اليمني واستيعاب القوى السياسية بهدف تحقيق الوحدة الوطنية والوحدة السياسية وحماية التعددية ومن ثم تهيئة البلاد للدخول في مرحلة الحكم المحلي بإرساء تجربة السلطة المحلية عام 2000 بقرار رئاسي، راهن الكثير على فشله، وسقطت تلك الرهانات بعد النجاح المعقول الذي تحقق حتى الآن. لقد كان من اللافت منذ ما بعد الانتخابات الرئاسية ان هناك ادراك مهم بضرورة إعادة توصيف مهام مؤسسات الدولة، وصولا إلى إعادة النظر في وظيفتها ورؤيتها للمواطن، أو للوظيفة السياسية للمركز. غير انه لم يكن من سبيل في بلوغ ذلك الإدراك لدى القوى التقليدية التي تدير علاقات الافراد والمصالح لخلل في استيعابها ان المسئولية في نطاق (المركزي والمحلي) هي وحدها حاجة الدولة لترتبط ارتباطاً وثيقاً بمصالح مواطنيها وتصبح قناة لطموحاتهم البسيطة والمرحلية والإستراتيجية وبالتالي تعزز المجتمعات المحلية. ولم يخفي الرئيس صالح ذلك في خطابة في 30 نوفمبر 2007 حينما دعا المواطنين للتوجه بقضاياهم إلى السلطة المحلية، مطالبا المحافظين وأمناء عموم المجالس المحلية ومدراء المديريات أن يتحملوا مسؤلياتهم في بت تلك القضايا, وعلى الحكومة والوزراء أن يتحملوا مسؤلياتهم ويبتوا فيما يصل إليهم من قضايا دون رفعها إلى القيادة العليا" معتبرا أن أي مسؤول يرحل القضايا أو يرفعها إلي القيادة السياسية يعد مسؤول فاشل وغير جدير بالمسؤولية, لافتاً إلى هناك بعض المسؤولين, لا يقومون بالبت في كثير من القضايا وفقا لما هو محدد في القانون بل يرفعونها إلى رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء. وتبدو تلك الصورة ملخصة لاعتراضات غير واعية لخطوة انتخاب المحافظين كإصلاح مسار في إدارة الدولة -التي تشكلت على المدى الطويل في اليمن من محورين (عسكري ومدني) وبرز فيها المحور العسكري فاعلا في حل مشكلات الدولة خلاف للمدني-، على امل أن يحقق انتخاب المحافظين جوهر مهم في تجاوز هذه الإشكالية، والدفع بالمدني ليتحمل المسئولية جنيا الى جنب مع المحاور العسكرية التي تدفع في أحيان كثيرة أعباء غياب رديفها الطبيعي في إدارة أي دولة. ويحسب للرئيس صالح مبادرته في هذا الجانب كمبادرة نابعة من ادراك عميق لخصوصية المجتمع اليمني عبر نشاط ميداني باحتياجات الناس والتي تتخطى كل تفاصيل اليمن ومناطقة وقراه، فخلال الاعوام الأربعة الماضية بلغت فعاليات الرئيس صالح وأنشطته حوالي 579 فعالية أي (40%) من إجمالي عدد أيام السنوات الأربع أي ان الرئيس صالح كان يقوم بفعالية أو نشاط كل يومين ونصف تقريباً، وهذا يدلل إلى حد كبير على انه كان نشطاً في أدائه لمهام منصب رئيس الجمهورية، وكما قال احد قيادات المعارضة اثناء الانتخابات الرئاسية 2006 ان النتيجة محسومة للرئيس صالح لكونه يمتلك خبرة في الوصول الى الناس ولأطراف اليمن. لقد استطاع الرئيس صالح وفقا لقراءات الكثير استيعاب مفاتيح المجتمع اليمني وعمل على التصرف وفقا لذلك ففي السباق المضني بين الدولة ومراكز القوى، تبرز تركيبة المجتمع المحلي اليمني، وأمامها تبرز القدرة على تخطى اشكاليتها. ويمكن هنا تذكر الطريقة الوحيدة التي انتهت بها أحداث المناطق الوسطى إداريا، حيث كلف الرئيس علي عبدالله صالح كلية الشرطة يومها لإعداد أول فريق سلطة محلية (مدراء مديريات)، كنتيجة لتقييمه إن "وقوف المواطن ضد الدولة أو بالأقل كمحايد في أي معركة لها مع خصوم الاستقرار يكون سببه المسئول الأول الذي يتعامل معه هذا المواطن". ولقد تابع الرئيس تأهيل أول مجموعة مؤهلة تأهيلا وفقا لمعارف إدارية وأمنية حديثة، ووزعهم كمدراء مديريات على المناطق ذات النفوذ الاجتماعي القلق. وهو ما أتى بثماره. بل تجاوز الأمر لإدراك الرئيس إن تفتيت قوى النفوذ لصالح المواطنة" بحاجة بدلا عن أدوات الصراع بين المركز والدولة إلى أدوات مختلفة منها شق الطرقات، وايصال الخدمات التي تقود بدورها أكبر عملية تغيير وإن ببطئ لصالح التطور والتحديث. وهذا أيضا يستحيل أن يتحقق دونما سلطة محلية شديدة الفعالية واالنتماء للمواطن نفسه. لقد مثلت تجربة السلطة المحلية عام 2000 إنجازاً تاريخياً وديمقراطياً كبيراً وضعت الأسس التشريعية والقانونية للانتقال إلى نظام الحكم المحلي القائم على مبدأ اللامركزية والمشاركة الشعبية لتمكين المواطنين في مختلف مناطق الجمهورية اليمنية من ممارسة حقوقهم الدستورية في السلطة، من خلال مجالس محلية منتخبة ديمقراطياً تعتبر جزءاً لايتجزأ من سلطة الدولة وممارسة الرقابة والإشراف على عمل الأجهزة التنفيذية، وتسيير وإدارة شؤونهم العامة والاستفادة من مواردهم واستخدامها بصورة عقلانية في تنمية وتطور مجمعاتهم المحلية، وكما وصفها الرئيس صالح بعيد انتخابه في اللقاء الأول بالأعضاء الفائزين "بأنها تعتبر بمثابة حكومات محلية بكل ما للكلمة من معنى وأن أختلفت التسمية، نسمها سلطات محلية، وإلا فهي حكومات محلية". وستظل انتخابات المحافظين بمثابة قوة الدفع التي تحتاجها تجربة السلطة المحلية لتعزز من رشدها وتطورها صوب الانتقال الكامل للحكم المحلي وتمثل إسنادا للقرار السياسي في نقل كافة الصلاحيات الى المجالس المحلية كواحدة من توجهات الاصلاحات التي تبناها الرئيس صالح وقطع فيها الكثير سواء ما يتعلق بمكافحة الفساد والإصلاحات القضائية والاقتصادية. ويكفي بخطوة انتخاب المحافظين أنها ستخلق لليمن نخبة جديدة سواء على المستوى السياسي أو على المستويات الاجتماعية والاقتصادية.. فالهيئة الناخبة والذين يتجاوز عددهم 6200 عضو مجلس محلي هم –كما وصفهم أكرم الشيخ وكيل مساعد الإدارة المحلية- "كتلة جديدة لليمن الجديد". هي كتلة لاتلغي ولا تأتي على حساب مصالح أي كتلة أخرى، لكنها بصفتها الكتلة الأحدث في اليمن والأكثر تعبيرا عن القاعدة الشعبية للدولة وبخاصة في شقها الإداري والتنموي، كما هو حال أعضاء مجلس النواب في الشق السياسي، مطلوب منها وعبر كونها مرجعية انتخاب المحافظين أن تقدم لليمن فكرا جديدا يتجاوز تحالفات أزمات ماقبل 2006، سواء كانت أزمات ترتبط بالتشطير أو التكفير أو التخوين. نخبة جديدة ليمن مابعد انتهاء عهود التشطير والصراعات والتقاسمات الإدارية، نخبة معنية بالأداء الإداري وليس بالصراع السياسي، وهذا ما يجعل من خطوة انتخاب المحافظين الأهم نحو اليمن الجديد الذي وعد به الرئيس صالح.