الحديث عن الجبهة الجنوبية العريضة، ليس جديدًا فقد سبق التوقف عند هذه القضية مرارا ومرارا من قبل كاتب هذه السطور وعددٍ آخر من الزملاء والقادة السياسيين والناشطين الإعلاميين، لكن ما لفت نظري هو تلك التغريدة التي نشرها الزميل الدكتور عبد الرحمن الوالي الشخصية الأكاديمية والسياسية المعروفة، وأحد أبرز نشطاء الحراك الجنوبي في مرحلته السلمية والتي استهلها بالقول " حسب تواصلنا مع بعض النشطاء في الفترة السابقة من أجل موضوع (جبهة جنوبية موحدة بهدف الاستقلال) فقد وجدنا أن هناك عدة عراقيل وخلافات في الأهداف والآليات" (النص منقول كما ورد في التغريدة). ويشير الزميل الوالي إلى ما يمكن أن يفضي إلى استحالة قيام "جبهة جنوبية موحدة" لأسباب تتصل بالمجاميع السياسية التي تعرض لها وقسمها إلى خمس مجموعات من المجاميع، كلها لا تحفل بل وتعارض قيام جبهة وطنية موحدة، وطبعا لا يمكن فهم ما المقصود بمفردة "مجاميع" الواردة في تغريدة الزميل الوالي، هل هذه مجاميع من الأفراد أو مجاميع من القوى السياسية أم خليط من هذا وذاك، لكن هذا قد يبدو أقل أهمية من مضمون القضية موضوع التناول.
وفي الحقيقة إن أي مناقشة لموضوع "الجبهة الوطنية الجنوبية العريضة" - كما أسميتها في كل كتاباتي السابقة- (ومن الممكن أن تُختار لها أية تسمية أخرى) إن هذه المناقشة تقتضي التوقف عند معنى الجبهة الوطنية العريضة، التي يسميها الزميل الوالي ب"الموحدة".
وكما تعرضنا سابقًا إن العنصر الأساسي في مفهوم هذه الجبهة هو إنها تمثل تحالفًا وطنيًّا عريضًا، ينضوي تحت ظله عددٌ من القوى السياسية والأفراد المجمعين على واحد أو أكثر من القواسم المشتركة في العمل الوطني، وهو في الحالة الجنوبية النضال من أجل استعادة الدولة الجنوبية الحرة والمستقلة بحدود الواحد والعشرين من مايو 1990م.
وفي الحقيقة يبدو أنني مقصرٌ في متابعة الاتصالات التي تحدث عن الزميل د. عبد الرحمن الوالي، لكنني أحيي كل جهدٍ جاد ومخلص من أجل تحقيق هذه الغاية الوطنية النبيلة.
وقبل نهاية هذه الوقفة تمكن الإشارة إلى مجموعة من البديهيات المتصلة بتجارب التحالفات الجبهوية العريضة كما في التجربة البلغارية في مواجهة النازية، أثناء الحرب العالمية الثانية، والتجربة التشيلية في مواجهة ديكتاتورية بينوشيت، والتجربة الفلسطينية في المقاومة مع الكيان الاستيطاني الصهيوني، وأهم هذه البديهيات:
1 . إن الجبهة الوطنية الجنوبية العريضة، كتحالف جبهوي، ينبغي أن تقوم على الطوعية والندية والتكافؤ والاستعداد المشترك لتبني النضال من أجل ما أسميناه بالقاسم المشترك الأعظم بين شركاء التحالف.
2 . إن الهدف الأساسي من قيام هذا التحالف هو توحيد الطاقات والإمكانيات لجميع شركاء القضية المؤمنين بالهدف الرئيسي من نضالات الشعب الجنوبي، وهو استعادة الدولة الجنوبية.
3 . إن هذا التحالف لا يلغي الكيانات السياسية المنخرطة، أو غير المنخرطة فيه ولا يحل محلها، بل إنه ينبغي أن يقوم على احترام الاستقلالية التنظيمية والفكرية والسياسية لكل مكون من تلك المكونات المنخرطة فيه.
4 . إن مبدأ الندية والتكافؤ بين شركاء هذا التحالف السياسي لا يلغي حق القوى والمكونات ذات الحضور الأكثر كثافة أو الأدوار الأكثر فعالية في صيرورة العملية السياسية.
وأخيرًا إن قيام جبهة وطنية جنوبية عريضة (بغض النظر عن المسمى) هو عملٌ وكنيٌ كفاحيٌ طويلٌ ومضنٍ يتطلب النضال بصبر ومثابرة وقدرة على الإقناع وتقبل الآراء المختلفة والمتباينة وإذابة الفوارق غير الجوهرية بين التصورات وحتى القناعات لشركاء هذا التحالف.
ويهمني هنا أن أشير إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي، كقوة سياسية فعالة وحاضرة في كل محافظات الجنوب يستطيع أن يلعب مع الكثيرين من الشخصيات الوطنية المخلصة، دور الرائد والمبادر في هذه العملية، وسيكون من المهم أن يدرك الإخوة في قيادة المجلس أن هذا العمل سيساعدهم في تقليص مساحة الخصومات بتقليل عدد الخصوم من الجنوبيين وتوسيع دائرة الأنصار والمؤيدين، وسيكون على قيادة المجلس الاستماع إلى الملاحظات النقدية التي قد يتقدم بها الكثير من الشركاء المستهدفين وتقبل النقد البناء، ومن ثم تصحيح الأخطاء التي قد يبدو بعضها قاتلًا، فالنقد هو غسيل محو الأخطاء وليس بيننا أنبياء وشياطين، ولكن من ينغمس في الأعمال الكبيرة يكون تحت الأضواء التي تكشف ما كان مخفيا لديه من عيوب ونواقص ونزوات البعض وشهواتهم، والأهم في هذا السياق هو الاستعداد لتجاوز الأخطاء، وعدم ادعاء الكمال والطهارة، فزمن الأنبياء قد انقضى ولن يعود.