كثر اللغط السياسي والجهل القانوني عند كثير من السياسيين والكتاب والصحفيين حول التعديلات الوزارية التي أتخذها الرئيس هادي بحق بعض الحقائب الوزارية السيادية في الخارجية والداخلية ووزارات أخرى وبغض النظر عن الأشخاص الذين تم تعيينهم سواء كانوا يستحقونها ام لا من ناحية مستوى التاهيل العلمي أو الخبرات أو على مستوي الثقل السياسي الذي يمثلونه في اللعبة السياسية اليمنية كل هذه الانتقادات التى اثيرت حولها ستظهر الأيام والأشهر القادمة مدى صحتها ام لا ؟ السؤال المهم هنا هل ماقام به الرئيس هادي يتوافق او يتعارض مع نصوص دستور البلاد وذلك علي فرضية ان القرارات الرئاسية بالتعديل الحكومي لبعض الحقائب لم يتم التشاور حولها مع رئيس الحكومة خالد بحاح ؟ فإذا كانت هذه الإدعاءات صحيحة ولم يحدث تشاور بينهما السؤال الذي يفرض نفسه حينها حول موقف الدستور إزائها ؟ والسؤال الآخر المحوري هل تعيين خالد بحاح كرئيس للحكومة وأعضاء حكومته تم وفق آلية الدستور لمناقشة مدى إخلال التعيينات الرئاسية الأخيرة لنصوص الدستور أم ان تعيين خالد بحاح وأعضاء حكومته تم خارج إطار الدستور وفق بنود إتفاق السلم والشراكة الذي فرضه الأنقلابيون على الرئيس هادي وقادة الأحزاب السياسية ؟ في محاولة الرد علي هاذين السؤالين الرئيسيين علينا في البدء قراءة نصوص الدستور النافذ لمعرفة الجهة التي خولها الدستور في إختيار رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة لقياس مدى توافق بنود إتفاق السلم والشراكة مع نصوص الدستور اولا- تكليف رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة وفق الدستور —————————————————— 1- حدد الدستور إختصاصات رئيس الجمهورية في المادة 4/119 بمهمة « تكليف من يشكل الحكومة وإصدار القرار الجمهوري بتسمية أعضائها » وقضت المادة 132 من الدستور بأن « يختار رئيس الوزراء أعضاء وزارته بالتشاور مع رئيس الجمهورية » ونصت المادة 141 من الدستور بأنه « يجوز لرئيس الوزراء إذا تبين أن تعاونه مع أحد أعضاء المجلس قد أصبح مستحيلاً أن يطلب من رئيس الجمهورية إعفاء العضو المعني » من الواضح على ضوء هذه النصوص أن رئيس الجمهورية يمتلك حصريا سلطة إختيار رئيس الوزراء وحق هذا الاخير إختيار أعضاء حكومته بالتشاور مع رئيس الجمهورية إلا ان رئيس الحكومة لا يستطيع إعفاء احد أعضاء حكومته بنفسه عليه ان يطلب ذلك من رئيس الجمهورية بأقالة الوزير المعني وأشير بهذا الخصوص أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح خلافاً للدستور هو الذي كان يشكل فعليا أعضاء الحكومة وليس رئيس الوزراء المعين من قبله وأتذكر هنا حديثي مع فقيد الوطن الدكتور فرج بن غانم حين عبرت له كصديق عن إستغرابي السرعة التي تم فيها تشكيل أعضاء حكومته بفترة وجيزة بعد عودته من جنيف كمندوب لليمن فيها وسألته هل هو فعلا من شكل الحكومة ؟ وأجاب على تساؤلي بمزاح قائلا لماذا لم تنبهني قبل التشكيل انه يحق لي اختيار أعضاء الحكومة ؟ المهم التذكير أن احد أسباب إستقالة الدكتور فرج بن غانم من منصبه يعود الي رفض صالح قبول طلبه إعفاء عدد من الوزراء بسبب فسادهم وبتلك الاستقالة دخل الدكتور فرج بن غانم التاريخ مثل استقالة الزعيم احمد محمد النعمان من منصبه كرئيس الوزراء في الجمهورية العربية اليمنيية في مطلع السبعينات اذا كان تكليف خالد بحاح رئيس الوزراء وتشكيل أعضاء حكومته قد تم وفق نصوص الدستور فقرارات الرئيس هادي الاخيرة ستكون فعلا موضع جدل حول مدى دستوريتها وفي الحقيقة كما سنوضح الآن أن تسمية رئيس الوزراء خالد بحاح وأعضاء حكومته تمت خارج نطاق دستور الجمهورية اليمنية ثانيا- إتفاق السلم والشراكة وليس الدستور الذي جاء برئيس الوزراء واعضاء حكومته ———————————————————————————— في ذروة التوتر والصراع بين الاطراف المختلفة صدر إتفاق السلم والشراكة في 21 سبتمبر 2014 حيث فرض الحوثيون على الدولة وقادة الأحزاب والقوى السياسية اليمنية التوقيع على الأتفاق بحضور الرئيس هادي ومباركة جمال بن عمر مبعوث الأمين العام السابق للامم المتحدة لليمن وما يجدر ذكره هنا لاهميته السياسية والقانونية أن الرئيس هادي بصفته رئيس الدولة يمتلك الشرعية الدستورية لم يوقع على وثيقة الاتفاق ولم يكن عليه ان يوقع عليها لأنه وفق المصطلح الديجول يعتبر الرئيس المنتخب فوق الاحزاب في حين جميع قادة الأحزاب والمكونات السياسية وقعت علي الأتفاق يتصدر قائمتهم المرحوم الدكتور الأرياني ماذا يقول الأتفاق ؟؟ 1- البند ( 1) « يجري الأخ رئيس الجمهورية مشاورات شاملة وشفافة مع جميع المكونات الممثلة في مؤتمر الحوار فور توقيع الأتفاق وتهدف هذه المشاورات الي تشكيل حكومة كفاءات ….وتكلف الحكومة الحالية بتصريف الشئون العامة …. تشارك المكونات في هذه المشاورات بشكل فعال،،،» 2-البند ( 2 ) « خلال ثلاثة أيام من توقيع هذا الأتفاق يعين رئيس الجمهورية مستشارين سياسيين ويتم تعيين رئيس حكومة جديد على أن يكون شخصية وطنية محايدة وغير حزبية ….ويحظى بدعم سياسي واسع ويصدر الأخ رئيس الجمهورية قراراً رئاسيا بتكليف رئيس الحكومة الجديد لتشكيل حكومة جديدة » وتظهر هذه الصياغة مقارنة بنص الدستور ان رئيس الجمهورية ليس هو الذي يختار رئيس الوزراء وانما يقتصر دوره على إصدار القرار الرئاسي للشخص الذي تم اختياره وجرى بخبث واضح استخدام عبارة تكليف وكانه هو الرئيس الذي يكلف ويسمي رئيس الوزراء بينما هنا المقصود بان يقوم الرئيس بتكليف الشخص المعين على تشكيل الحكومة وبخصوص تشكيل اعضاء الحكومة قضي البند ( 2 ) من الأتفاق بأن يضع " المستشارون السياسيون للأخ رئيس الجمهورية معايير المرشحين للمناصب في الحكومة الجديدة …..يرفع المستشارون السياسيون للأخ رذيس الجمهورية توصيات الي كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة حول توزيع مقاعد الحكومة علي المكونات السياسية …وبعد إجراء مشاورات يختار رئيس الجمهورية وزراء الدفاع والمالية والخارجية والداخلية …وبالتشاور مع الأخ رئيس الجمهورية يختار رئيس الحكومة وزراء الحقائب الأخري ..» فأختيار رئيس الوزراء خالد بحاح وأعضاء حكومته لم تتم وتشكل وفق نصوص الدستور وإنما وفق بنود اتفاق السلم والشراكة وبالتالي لا يمكن القول أن الرئيس هادي انتهك الدستور لأن الحكومة نفسها لم تقم بموجبه العكس هو الصحيح التعديلات الاخيرة في اساسها تدخل ضمن بنود الاتفاق الذي خول الرئيس اختيار وزراء الدفاع والمالية والخارجية والداخلية ثالثا- ثنائية العلاقة بين الرئيس ورئيس الوزراء و( نائبه ) —————————————————— في الديمقراطيات المتقدمة كفرنسا حدثت مشاكل بين رئيس الجمهورية الجنرال ديجول مع اثنين من رؤساء حكومته ( ميشيل دوبريه - وجورج بومبيدو ) وبين الرئيس ميتران الاشتراكي مع رئيس الوزراء الديجولي ادي الي استقالة الاخير ثم تبؤه رئاسة الجمهورية بعد خروج ميتران من الحكم والنظام الدستوري اليمني الماخوذ من الدستور المصري لعام 1971 والذي بدوره اقتبس كثيرا من الدستور الفرنسي الذي يجمع بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني حيث محور السلطات بيد رئيس الجمهورية وكما اوضحنا ان الدستور اليمني أعطي صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية في تعيين أو إقالة رئيس الوزراء ولعل الامر الغريب ان الرئيس هادي عين خالد بحاح كنائب للرئيس الى جانب منصبه كرئيس وزراء مما سيطرح ذلك إشكالية قانونية في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أوعجزه الدائم عن العمل بأن يتولى نائب الرئيس وفق المادة 116 من الدستور مؤقتا مهام الرئيس لمدة لا تزيد عن ستون يوماً وعليه لو حدثت هذه الفرضية سيكون خالد بحاح في آن واحد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ؟؟ في وضع سوريالي وغير عادي لهذا من الأفضل فصل الوظيفتين حتى لا تدخل الدولة في مأزق دستوري كبير وتجدر الاشارة هنا ان الرئيس السابق صالح لجأ في إحدى فترات حكمه الي تكليف رئيس الوزراء باجمال القيام بمهام الرئاسة مدة زيارته الخاطفة للملكة العربية السعودية ويقال ان نائبه الرئيس هادي كان متواجداً في اليمن ولم يكن خارج البلاد ؟ في الخلاصة ————— لا تسمح الظروف الخطيرة بالغة التعقيد التي تمر بها اليمن تاجيل حسم التباينات او الصراع بين الرئيس ونائبه يجب علي الرئيس اتخاذ قرار الفصل بين منصب رئيس الحكومة ونائب الرئيس كما مطلوب من رئيس الحكومة حسم أمره بين الاستقالة أو الاستمرار في منصبه وطي صفحة الخلافات بينه وبين الرئيس . المراهقة السياسية لا تجدي العمل بها في هذه المرحلة وفي جميع الاحوال نتمنى ان الطرفان يحكمان صوت العقل والحكمة لتجاوز هذه الازمة وإن اصر دولة رئيس الوزراء علي الأستقالة كما يشاع فعلي الرئيس اذا عين بديلا لخالد بحاح ان يختار شخصية حضرمية أخري للحفاظ علي التوازنات السياسية ولاهمية مكانة حضرموت حتي ينحصر الخلاف بين المسؤلين ولا ياخذ او يفسر بطابع مناطقي الذي عانت حضرموت منه كثيرا في فترات الحكم السابقة *- د محمد علي السقاف – أستاذ القانون الدولي سابقا بجامعة السوربون – باريس