الشيخ قاسم بن عبد الرحمن المفلحي 1895م- 1973م يافع الجربة ، وهو من الشخصيات التي تتوقف عندها الناس حينما يتناولون سيرته ، فهو كان وبصدق سابقا لعصره بفكره المستنير وكان متواضعا وبسيطا ولين الجانب وتميزت شخصية بالفكاهة والدعابة وحب العمل في الزراعة، وتشجيع التعليم بل واهمية تعليم المرأة، وكان كثيراً ما يردد -إذا إنكسرت المرأة إنكسر المجتع . تسنم الشيخ قاسم عبد الرحمن المفلحي الحكم بعد رحيل والده الشيخ عبد الرحمن المفلحي وكان ذلك في سنة 1917 م . وذلك بعد ان أجمعت قبائل - مكتب المفلحي- على أختياره. شيخا لهم، علما ان مشيخة المفلحي تتكون من ثلاث مناطق غير متماسة بحدود: وهي المفلحي يافع العلياء. والمفلحي بني مسلم و-المفلحي خلة- وبحكم ضرورة اقامة شيخ يدير شئون مشيخة المفلحي في -خلة- فقد رأى الشيخ قاسم المفلحي أن يقيم في منطقة المفلحي قرية -خلة- تلك القرية الزراعية الوادعة والتي تقع في سهل بين إمارة الضالع ومشيخة الشعيب . محافظة الضالع حاليا ،حيث ومشيخة خلة- وبني مسلم- كانت تخضع مباشرة لحماية بريطانيا - كمحمية - تم تعيين شقيقه الأصغر الشيخ عبد الحميد عبد الرحمن المفلحي شيخاً ليافع المفلحي، وعاصمتها الجُربة، وكان الشيخ عبد الحميد على جانب من قوة الشخصية ومن الذكاء والحكمة واتقان الاحكام الشرعية والعرفية بل وكان بارعا في النحو والصرف وحسن الخط والخطابة ، فاحسن ادارة شؤون - مكتب المفلحي - ولملم شظايا قبائلها فسادت، الألفة، كما وشجع ابناء المفلحي على طلب الرزق والهجرة الى المملكة العربية السعودية والخليج وبريطانيا وكان دائما ما يردد - ان يافع حكم عليها القدر، الهجرة والسفر- عندما استقر الشيخ قاسم المفلحي في - مشيخة خلة- إستقرت الأوضاع تم ذلك بعد هزيمة قبائل يافع لجيوش الإمامة وأنسحابهم من الشعيب وخلة والضالع ، وبحكم اشراف بريطانيا على هذه المحميات فقد نالها نصيبا من الدعم ومن التطوير. كانت مهمة الشيخ المفلحي في خلة ،هي في كيفية نقل المجتمع الفلاحي الى مجتمع يُقبل على التعليم وينبذ الحروب ويرفع من شان المرأة ، ويتقبل مغامرة الهجرة وخصوصا الى بريطانيا ، وتحققت نجاحات جلية حينها في - مشيخة خلة- اصبحت يومها رائدة في التعليم حيث اسست اول مدرسة ابتدائية في سنة 1952م تتبع وزارة المعارف ل - محمية عدن- ثم توالى فتح المدارس في كل قرى مشيخة خله وبني مسلم . وتم أرسال الطلاب النابهين للدراسة في مدرسة -جبل حديد- عدن. ومن الجدير التنويه به أنه تم إفتتاح مستوصف صحي في سنة 1952م وتعتبر تلك الخطوة نقلة رائعة حيث كان هذا المستوصف يتعاون مع مستشفى المعسكر البريطاني الذي كات يتموضع في الضالع . بل لقد كان المستوصف وبتعاون الحامية البريطانية يطلب اخلاء المرضى جواً بمساعدة طائرات القاعدة البريطانية العمودية - ويتم نقلهم جواً الى مستشفى القاعدة البريطانية في عدن. اصابت يافع في الاربعينيات جائحة الجدري، فابت يافع إستقبال الإطباء فوجّه الشيخ قاسم المفلحي بحامية ترافق أطباء، زودوا بلقاحات الجدري، ونجت بمشيئة الله المفلحي وبقية يافع من جائحة الجدري المخيفة . حاول الشيخ قاسم إقناع يافع وعلى الاخص مكتب المفلحي بقبول فتح مدارس ومستوصفات فقوبل هذا الطلب بالكثير من العنت والرفض ، بحجة ان ذلك سوف يُمكن المستعمر البريطاني من إخضاع يافع ، والتي كانت تحكم عرفيا عبر شيوخها بعد ان خاضوا حروب ضروسة مع قوات الأمامة ودارت معارك ضارية ارغمت قوات الأمامة على الانسحاب. كان الشيخ قاسم قد تلقى قبيل زيارة الملكة البريطانية اليزابيث الثانية وذلك لمستعمرة عدن في 27 أبريل عام 1954م ، حيث تلقى برقية تفيده بانه ضمن من تم تشريفهم بحيازة وسام نايت -اي الفارس- وهو وسام تمنحه الملكة لشخصيات قدمت الكثير لوطنهم وتميزوا بصفات الفروسية ، وتم ذلك في حفل تاريخي ميهب في عدن. في صيف سنة 1967م زحفت مظاهرة ضخمة الى قلعة -خلة - تطالب الشيخ المفلحي بالأستسلام فسلم نفسه وتبين بعد الاستقلال ان الشيخ قاسم المفلحي كان لا يزال على قيد الحياة ، وفي صيف سنة 1973م تم نقله من سجن الضالع الى سجن جعار ومن هناك تم إستدعاء جميع من في سجن جعار من مشايخ يافع المعتقلين فزُج بهم في سيارات نقل توجهت الى -رصد- يافع ، وفي الطريق الجبلي وفي موقع يسمى -السِيلة البيضاء- تولّت فرقة الموت أعدامهم . عمليات القتل والسحل والسجن لذوي الحظوظ التي مارسها جلاوزة الجبهة القومية تجاه حكماء الجنوب من العلماء والساسة والمشائخ والسلاطين والقادة العسكريين والأمنيين حصدت المئات من خيرة رجال الجنوب ومن نجى من مهلكة الجبهة القومية الغادرة من الكوادر الإدارية العليا في عدن خصوصا والجنوب عموما (وهي كوادر قل نظيرها في ذلك الزمن في جزيرة العرب) تم طردهم من الخدمة الحكومية ومصادرة سنين خدمتهم وأضطروا للهجرة ليسهموا في بناء وتنمية دول شقيقة . إن ما يعانيه شعب الجنوب من ضياع وتخبط وعدم الوصول الى إطار سياسي يوحد جهودهم نحو بناء وطنهم حدث بفعل القتل والتجريف السياسي الذي مارسته الجبهة القومية تجاه نخب الجنوب وكواده العليا , والكل يعلم غدر بريطانيا بحكام الجنوب والأحزاب الوطنية وتسليم الحكم للقومية للقيام بعملية تدمير الجنوب الانتقامية . هكذا هو وطني يقتل أخياره .