كانت جماعة الإخوان المسلمين ولا تزال رأس الحربة في المشروع الغربي الهادف إلى هدم الدولة الوطنية في العالم العربي، وقد تصدرت الجماعة مشهد التغيير المطلوب غربيا منذ تمكينها من السطو على ثورات الربيع العربي والسطو على مؤسسات الحكم في الدول التي أصابها الربيع بالفوضى وبالخراب. حاول “الإخوان” في تونس هدم الدولة، لكنهم اضطروا إلى تقديم التنازلات والقبول بشراكة سياسية غير مستدامة مع قوى أخرى أسست للتغيير وشاركت فيه، ورغم الخطاب الموشح بلغة الاعتدال والعصرنة للشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة (الإطار السياسي للإخوان المسلمين في تونس) فإن فك الارتباط بين “الإخوان” التونسيين والتنظيم الدولي للجماعة لم يتحقق على الأرض، حيث تواصل حركة النهضة توفير الغطاء العقائدي للجماعات الأصولية التي يتميز نشاطها بالتطرف في الخطاب والممارسة، وينشط بعضها في ساحة الإرهاب الذي يضرب مناطق في تونس من حين إلى آخر. وفي مصر سعى الإخوان إلى هدم الدولة عندما وصلوا إلى الحكم وباشروا بخطة تحويل الدولة العربية الأكبر إلى مجرد جغرافيا خاضعة للإخوان ولمشروعهم، وسخروا مقدرات الدولة برمتها لخدمة هذا المشروع الذي لا يقيم وزنا لمصرية مصر وعروبة أهلها. ولولا الهبة الشعبية التي تحولت إلى ثورة عارمة أسقطت الحكم الإخواني لواصلت الجماعة مشروعها الذي يغلق الدولة ويعزلها عن محيطها العربي ويفتح أبوابها للأصدقاء من “أهل الذمة” في الكيان الإسرائيلي الجاثم على أرض فلسطينالمحتلة. وفي سوريا يواصل الإخوان تهيئة بيئة المد الأصولي الذي يجتاح بظلاميته وجرائمه معظم أرض الشام، من خلال تنظيم داعش وجبهة النصرة وقوى إرهابية أخرى لا تخجل من تحالفها مع إسرائيل في مشروع هدم الدولة السورية. ورغم أن هذه الفصائل الإرهابية تحشر الآن في عنق الزجاجة السياسية بعد أن تم حشرها في مواقع الضيق في ميدان المعركة، الا أن “الإخوان” ومن خلال منابرهم الإعلامية يواصلون التحشيد لتمكين قوى الإرهاب من التقاط أنفاسها وإعادة تنظيم صفوفها لمواصلة حربها على الدولة وعلى انتمائها العربي. في ليبيا أيضا عمدت الجماعة إلى العمل على هدم الدولة من خلال تمكين الميليشيات الأصولية في مناطق مختلفة ودعم سيطرتها على مدن ليبية في مواجهة جيش وطني وبرلمان منتخب، وذلك تحت شعار أسلمة الدولة، وهو شعار لا ينبغي رفعه في ليبيا لأنها في الأصل دولة مسلمة وأهلها ليسوا كفارا لا سمح الله. يحدث كل هذا في دول عربية مشرقية ومغاربية، ومن الطبيعي أن يكون للإخوان أدوار في دول أخرى، منها اليمن الذي يخوض أهله حربا صعبة لاستعادة الدولة من قبضة تمرد إنقلابي قاده الحوثيون وأنصار المخلوع علي عبد الله صالح. لكن طبيعة الحرب والشعار الطائفي الذي يرفعه عبد الملك الحوثي وأنصاره القادمون من كهوف صعدة، يجعل دور الإخوان المسلمين خفيا وغير واضح في مناطق سيطرة الانقلابيين في الشمال. وقد ساد الاعتقاد الخاطئ بأن حزب الاصلاح وهو الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن يشارك في مواجهة التمرد الانقلابي ويقاتل ضد الحوثي وصالح، لكن حقائق جديدة تم الكشف عنها قبل أيام أكدت تورط أعضاء في حزب الإصلاح الإخواني في القتال ضمن صفوف الميليشيات الحوثية ضد المقاومة الشعبية والجيش الوطني. لم يكن الكشف مفاجئا لاعتبارات عديدة، منها تاريخ التحالف الطويل بين الإخوان والمخلوع خلال فترة حكمه الفاسد، ومنها العداء الإخواني المؤصل للقوى التقدمية في البلاد، وأهمها التقاطع في الرؤية بين “الإخوان” كتنظيم يتبنى مشروع هدم الدولة والحوثيين الذين يتصدرون المشهد اليمني في هذا المشروع. أما في الجنوب، حيث تبسط الشرعية سيطرتها، فإن النشاط الإخواني يوفر الحاضنة المناسبة لإرهابيي القاعدة الذين ينفذون عمليات التفجير والاغتيال، ولمجموعات إرهابية مختلفة ترفع زورا راية الاسلام. في الوقت ذاته فإن ادعاء “الإخوان” بتمثيل أهل السنة في اليمن، وهو يتماثل مع ادعاء الحوثيين بتمثيل الشيعة، يساهم في إعطاء الحرب مضمونا طائفيا، بينما هي في الواقع حرب بين الشرعية والتمرد. لا يشذ إخوان اليمن عن أقرانهم في المنطقة العربية، ولا يتمردون على توجيهات التنظيم الدولي المرتبط بدوائر الاستخبارات الغربية المعادية للعرب، ويواصلون بطريقتهم أداء دورهم في مشروع هدم الدولة.