لم أجد سببا وحيدا لتساقط دموعي بدون إستئذان.. مشاعر من الفرح والإفتخار ومن الحنين والغبطة وشئ من لوعة البعد في هذه اللحظة الخالدة من تأريخ أسرتنا الحبيبة. كسى البياض شعر رأسه ومازالت روحه متوهجة وقلبه عامر، وحكاية غير تقليدية يسطرها عمّي الفاضل أحمد زين باحميد وهو ينال درجة الماجستير اليوم بإمتياز في الصحافة والإعلام. لم تشهد حضرموت والبلد في الألفية الثالثة سنوات عجاف كالتي مرّت، وكم هائل من التحديات لرجل ستيني عائل لأسرة وهب نفسه لها ولنا ولتلاميذه في قسم الصحافة والإعلام بجامعة حضرموت فلا يذكره أحد منهم إلا بعبارات الثناء والإمتنان، لم تنل كل تلك "المشاغل والظروف" من عزيمته في الوقت التي فتك نصفها بآمال وطموح شباب في مقتبل أعمارهم ونصف عمره. إنه درسٌ لنا جميعا.. الإرادة تهزم الظروف وتخلق الواقع الذي نؤمن به، والعمر ماهو إلا مجرد رقم. ان تدرس البكالاريوس في عمر الخمسين وتنال الإمتياز في الماجستير في الستين فهذا لايحدث في بلد ك الجنوب ، وإنها لتجربة رائدة بحق. استرجع ذكرياتي مع رحلته الملهمة، عندما كان مقيم في مدينه عتق، وقد كان اسمه فيها كدينار الذهب، يعرفه الصغير والكبير بأخلاقه وانسجامه في المجتمع بطريقه فريدة، وهي سمه يتميز بها أينما حل، يترك أثرا في نفس من عرفه يستعصي على النسيان. اثناء دراستي في صنعاء اعتدت في ليالي الجمعة أن اخرج مساء برفقة بعض الأصدقاء لتناول العشاء في بعض مطاعم العاصمة، كنت يومها بالزي الحضرمي "صارون وشميز" وعند مدخل مطعم "الخضراء" بحدة لقيت مصادفة رجل تظهر عليه ملامح القبلية والشهامة، بادرني بالسلام قائلا: حيّا بوحضرم.. رددت عليه مداعبا بلهجة صنعانية: حيّا وسهلا بكم، يمكن بين أحب لبس الفوطه هذه ومش حضرمي.. ضحك من ردّي: لكن الدم حضرمي كمان يابن عمي. اجبته: لا تكون حضرمي وأنا مش داري ؟ لا لا.. أنا من شبوه.. حيا الله أصحاب شبوة، معك باحميد من سيئون حدسك في محلة ياصاحب شبوة. باحميد من سيئون ؟! ومن مدودة تحديدا "مبتسما" ماشاء الله، تعرف واحد اسمه أحمد زين في عتق ؟ ايش فيه ؟ هو يرجع باحميد كمان، ياخي انسان محترم ومحبوب عند الناس كلها في عتق، كأنه واحد من ابناءها. ايش رأيك لو قلت لك انه عمي ؟ بالله عليك، لو هو عمك اعزمك للعشاء "ضاحكا" اذا هو عمي اخو أبي، ولو تشتيه كمان خالي مقابل الغداء بكرة أنا موافق "وضحكنا معا". في تلك الأيام، قرر عمي "أحمد" دراسة الإعلام بعد أن اشتغل فيه لأكثر من عشر سنوات مراسلا لعدد من الإذاعات والصحف المحلية، كان يأتي من شبوة الى المكلا ومنها إلى سيئون ليقضي عدة ايام لإمتحانات البكالاريوس في فرع جامعة العلوم والتكنولوجيا "نظام دراسه عن بعد" ثم يعود في رحلة شاقة إلى محافظة شبوة من جديد، لا يكل ولايمل، وهو في مطالع الخمسينات في تلك الفترة. انتقل إلى المكلا بعدها محاضرا بقسم الإعلام، وحظي بعلاقة حميمية مع الطلاب قل نظيرها، كان ومايزال بمثابة الأب لا المعلم، وتم تعيينه مديرا عاما للإعلام بالجامعة، وشغل منصب الأمين العام لحمعية رعاية الطالب ومع كل ذلك راح يواصل حلمه ويحضّر الماجستير في اصرار وتحدٍ جديد، كسبه اليوم وتوّجه بالإمتياز. بعيدا عن الجانب الأكاديمي، تتمتع شخصيته بخصائص نادرة، بشوش متفائل عفوي بسيط ومتواضع ونشيطٌ جدا، وبشهادة الجميع فهو شخصية اجتماعية من الطراز النادر، ومع كبار السن له حكايات وعلاقة خاصة اسألوا عنها اولاد العم أحمد لغجل، وبو عبود "سكّر" والوالد سعيّد عوض والقائمة تطول. تتسع ذكرياتي معه، ويتشعب الحديث عن ما يمثله لي عمّي وأستاذي ومن هو في مقام أبي حاليا، وليتك يا أبي تحضرنا في هذه الساعة وترى ما حققه اخوك الأصغر "أحمد"، لقد إرتقى مرتقا صعبا، وأصبح كبير العائلة ولنا أن نفتخر بذلك. *أيمن سالم زين باحميد