المجلس الانتقالي الذي تمّ تشكيله مؤخرا من شخصيات ذات وزن ومصداقية لدى الشارع الجنوبياليمني، ليس بوارد الاستسلام لعملية استهدافه من قبل الرئيس المؤقت عبدربه منصور هادي مدفوعا بجماعة الإخوان المسلمين المخترقة لمؤسسة الرئاسة بهدف توظيفها في صراعها ضدّ خصومها بمن فيهم قادة الجنوب ورموزه. حقيقة الشارع التي لا يمكن لهادي طمسها عدن (اليمن) – تتسع قائمة خيارات المجلس الانتقالي الجنوبي مع استمرار إصرار الرئيس اليمني المؤقت عبدربه منصور هادي على إقصاء القيادات المنضوية تحت المجلس، رغم ما هو معروف من شعبيتها بالشارع الجنوبي الباحث عن قيادات قريبة من واقعه ومعبّرة عن قضاياه. ويحذّر ساسة وقادة رأي يمنيون من مضي هادي قدما في سياسته القائمة على تصفية الحسابات والتخلّص من الأقوياء، معتبرين أنّه مدفوع بأجندة عناصر من إخوان اليمن تسربت إلى مفاصل مؤسسة الرئاسة وساهمت في توجيه دفة القرارات باتجاه إلحاق الضرر بشخصيات ومكونات مناهضة للنفوذ الإخواني في جنوب البلاد على وجه التحديد. وفي مؤشر على ارتفاع سقف ردود الفعل على سلوكات الإخوان، أرسل وزير الدولة السابق ونائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك رسالة وصفت بالأقوى، والتي تعكس إمكانية فتح الباب أمام كل الخيارات. وقال بن بريك في تغريدة على صفحته في تويتر “لم نضع سلاحنا بعد ولم تجف دماء شهدائنا ولم تبرأ جراحنا، ومن أدمن ساحات القتال واستنشق البارود مستعد للذود عن كرامته وذاك عشقه وإدمانه”. واعتبر مراقبون أن رسالة بن بريك -على عكس ما توحي به ظاهريا- تحمل في طياتها تأكيدا على تبني الجنوبيين لخيار السلمية انطلاقا من موضع قوة، مع الإشارة إلى أن حلم الجنوبيين لن يمنح هادي صكا على بياض للاستمرار في سياسة الإقصاء التي تمثلت في قراراته المرتجلة وآخرها إقالة ثلاثة محافظين من أعضاء هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي. وفي ردها الرسمي على قرارات الإقالة الممنهجة بحق المجلس الانتقالي الجنوبي، أصدرت هيئة رئاسة المجلس بيانا في التاسع والعشرين من يونيو الماضي، اعتبرت فيه تلك القرارات “استهدافا لقضية الجنوب وتطلعات شعبه المشروعة”، مؤكدة على رفض القرارات واعتبارها كأنها لم تكن وأنها لن تتعامل معها. وبينما لم يعلن بيان المجلس عن أي إجراءات سيقدم عليها بحق قرارات هادي، إلاّ أنّه لوح باتخاذ “موقف عملي من التطورات الداخلية والإقليمية بشكل عام”. ورجحت مصادر يمنية أن يقدم المجلس الانتقالي على اتخاذ خطوات تصعيدية ولكن في الإطار السلمي الذي يؤكد عليه في كل بياناته، وذلك ما ستتضح معالمه من خلال الحشد المليوني الذي دعا إليه المجلس في العاصمة عدن في يوم 7 يوليو الجاري، وهو اليوم الذي يصادف ذكرى اجتياح قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح مدينة عدن في العام 1994 بمشاركة حزب الإصلاح ذراع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن. ولفت نزار هيثم عضو المكتب الإعلامي للمجلس الانتقالي الجنوبي، بوضوح إلى رفض القرارات الأخيرة التي تؤكد أن سلطة اتخاذ القرار مختطفة من جماعة الإخوان، مشيرا إلى البدء بخطوات عملية لمواجهة ما سيترتب على القرارات الرئاسية ورفض أي قرارات مماثلة تستهدف الجنوب وقيادات المجلس الانتقالي أو المكتسبات السياسية والأمنية والعسكرية التي تحققت. وأضاف “سنستمر بدعم وإسناد أشقائنا في دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية وبالدور المتميز والفاعل للأشقاء في الإمارات العربية المتحدة، لنؤكد على أن شعب الجنوب العربي سيمضي مع دول التحالف لإنهاء الانقلاب ومحاربة الجماعات والتنظيمات الإرهابية حتى تطهير أرجاء الجنوب كافة”. ويلفت محللون سياسيون إلى استغلال الرئيس هادي لانشغال التحالف العربي بقيادة السعودية في معركة تحرير اليمن من ميليشيات الحوثي وصالح وتصاعد الأزمة القطرية، لتمرير قرارات مثيرة للجدل تساهم في تعقيد الملف اليمني وتؤجج حالة الغضب الشعبي في الشارع الجنوبي على وجه التحديد، وهي أمور تتعارض مع تحركات التحالف العربي الرامية لإعادة الاستقرار للبلاد. وعن خلفيات الصراع المتصاعد بين مؤسسة الرئاسة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي يشير المحلل السياسي اليمني عزت مصطفى في تصريح ل”العرب” إلى أن هذا الصراع هو في الأصل صراع بين جماعة الإخوان المرفوضة شعبيا في الشارع الجنوبي الذي يمثله المجلس الانتقالي، إلاّ أن الجماعة تحاول التخفي في صراعها من خلال الزج بمؤسسة الرئاسة لخوض الصراع نيابة عنها عبر أدوات الإخوان التي تسرّبت إلى داخل المؤسسة الدستورية مشكّلة خطرا على الشرعية بحدّ ذاتها وتحويلها عن وظيفتها الأساسية نحو ضرب خصومها السياسيين. وعن تداعيات هذا الصراع يقول مصطفى “إن اتساع رقعة الصدام بين السلطة الشرعية وبين المجلس الانتقالي الجنوبي أمر يجب التوقف عنده للتوقف عنه، فليس من مصلحة السلطة الدستورية الاصطدام بالسلطة الشعبية التي انتقلت للمجلس الانتقالي الجنوبي إثر نضال طويل خاضه إخوتنا في الجنوب، وأظن أن الجنوبيين يدركون أهمية التناغم مع السلطة الشرعية، لكن من المهم أن تتخلص الشرعية من الأدوات داخلها التي تعكر صفو العلاقة”. ويؤكد أن هناك العديد من الخيارات التي مازالت متاحة أمام المجلس الانتقالي الجنوبي وهي خيارات تستند بالدرجة الأولى إلى قاعدة شعبية كبيرة وإلى قضية سياسية أساسية من المستحيل تجاوزها في أي طرف في المعادلة. وفي المقابل يرى محللون انحسار الخيارات أمام الطرف الآخر الذي يعمل على تقويض وجوده الرمزي، ما سيجعله يسدد فاتورة خياراته في أقرب تسوية حقيقية بين الفاعلين على الأرض.