في هذا المكان الواقع على الحدود مع دولة الإحتلال، في مديرية كرش بمحافظة لحج، كانت مدرسة "قميح" صرحا علميا وتربويا يخرج الأجيال الواعية والمثقفة. واليوم غدا أطلالا متناثرة وخربة تشبه كل شيء إلا اسمها. إلى هذه المدرسة المدمرة وغيرها من مدارس الجنوب كان أبناء البدو الرحل يلجئون، يتعلمون ويتثقفون، يخضعون لنظام صارم وقواعد دقيقة، يترفعون ويتقدمون وتتشكل شخصياتهم على نحو قل شبيهه في المحيط العربي. التاريخ يكتبه العظماء، كلمات نقشت معانيها على أحد جدران المدرسة، واجتهد الإحتلال اليمني في القضاء على كل متطلبات تنفيذها، هكذا تحول الجنوب من مجتمع شبه خال من الأمية إلى محيط تعاني مؤسساته التربوية والتعليمية وعناصرها البشرية طلابا ومعلمين من مشاكل جمة، مدرسة قميح دليل حي على ذلك، قصف عنيف هدم أساساتها وصفوفها وأبوابها والنوافذ، حتى استحالت مسكنا للرياح والإشعاعات والحشرات والطيور بعدما كانت تمور بالإبداع والمعرفة. هي سياسة الاحتلال اليمني تدمير كل ما هو مزدهر في الجنوب، انتهجها منذ العام ألف وتسعمائة وأربعة وتسعين ولا يزال متبعا إياها لا يحيد عنها قيد أنملة، سياسة التجهيل والقضاء على تجربة رائدة في العالم العربي، تجربة قائمة على التعليم الإلزامي والمجاني، على إيواء الفقراء والرحل والأيتام، وعلى الإرتقاء بمستوى الطلاب بما يحقق النهضة المنشودة.