كان الجنوب بعيداً عن الصراع المذهبي الديني و لم يحمل شيئاً من صبغته ولا صيغه مطلقاً ، و قد اختص بمذهب سني شافعي المذهب أشعري المعتقد ، شكل نسيجاً واحداً متسقا منسجماً لعموم المجتمع ،ومعلوم تاريخياً أن كل محاولات تغيير الصبغة الدينية للجنوب منيت بفشل ذريع منذ غزوة ابن قملة سيئة الصيت ،إلى أن استطاعت تلك المحاولات مؤخراً فقط ان تحقق نجاحاً كبيراً . ..................................... وعليه يمكن لنا أن نجزم أن كل الاختلاف الديني بشتى عناوينه إنما هو صراع وافد ، ظهر بقوة منذ أواخر الثمانينات ، بتكليف سعودي ويمني ويمكن أن نضيف امريكي (ارتكازاً على تصريحات محمد بن سلمان) وتغول في التسعينات ، كما أنه لا يمكننا بحال فك ارتباط الاسلام السياسي والجماعات الراديكالية عن الطفرة النفطية الخليجية (ما عجز عنه ابن قملة بسيفه استطاعه بريالاته) ، وبالرغم من هذه الصيغ الوافدة إلا أنه رغم ذلك لم يتحول الصراع بين هذه المذاهب الوافدة إلى اقتتال واحتراب ، كون الخصم التقليدي في الجنوب لهذه التيارات الوافدة لا ينزع إلى القوة ولا يدعو لاستخدامها ، فأغلب الصراع الدموي ولسخرية القدر إنما كان بين هذه المذاهب الوافدة . و بعكس الحاصل في الجنوب ففي اليمن شمالاً يرتكز التاريخ المذهبي في اليمن شمالاً على ميراث ضخم من الصراع الدموي السني الزيدي والزيدي الزيدي ، و إحقاقاً للحق هذه الصراعات إنما هي صيغة تكاد شاملة لكل البلدان العربية و الاسلامية فيما عدا الجنوب الذي امتاز عن كل هذه البلدان في مجمل تاريخه بصيغة مذهبية واحدة . ............................................. كما أن تفاوت الطبقات في اليمن شمالاً يعد صيغة تعايش طبيعية ثم ، مما ولد مظلوميات يستعصي على التصديق توقع حدوثها ناهيك عن تقبلها ، شوافع مذ ان وجدوا وهم مغلوبون مقهورون لم يقفوا بسدة حكم اليمن إلا لأداء عشور أو قطع رقبة ، ومن ذلك مظلومية تهامة و ما ادراك ما تهامة أخصب أرض الله ، وبها أفقر خلق الله ظلم مستمر لأكثر من الف عام ، لم ترتفع منذ الثورة عقيرة منددة به إلا بعد ان وجدوا لهم سنداً و نموذجا للمقاومة في الجنوب عندما زلزل الحراك الجنوبي أركان حكم الهضبة ثم بعض الشباب الأحرار في صنعاء ، ولو أن كل ما يحدث في اليمن إنما هو بعاقبة ظلم أبناء تهامة لما وفى بعض عاقبة ظلمهم . و ما في السياسة كذلك أطم و أعظم ،، رؤساء قتلى ومغتالون ومخلوعون ، صراع ملكي جمهوري ، صراعات نفوذ ومصالح قبلية موغل في الهمجية والتخلف ، صراع المناطق الوسطى وجرائم الحركة الاسلامية طيلة فترة الثمانينات ، مظلمة الحوثيين وشن ستة حروب شرسة على الارض والشجر والبشر ، والتي أدت في النهاية إلى استغلال الحوثيين لهذه الجرائم فسوقوا بها أنفسهم كمظلومين اورثهم الله عرش الظلمة ، و لو أردنا حصر مجمل النزاعات المسلحة و مدتها وضحاياها في الجنوب ، بمقابل ما حدث في اليمن شمالاً لما كانت شيئاً يذكر . ...................................... ما نورده هنا ليس انتقاصاً بحق اليمن ، ألا شلت لسان من يزدري شعباً مظلوما مغصوباً مقهوراً طيلة ألف عام ، فنحن منهم وهم منا ، ونحن سند لهم في جميع مراحل نضالهم الشعبي ضد قوى الهيمنة الهمجية والمتخلفة التي مارست دورات الدمار منذ عهد الأئمة وتعيده مع استدارة كل زمان ، و إنما نعني هنا بعض قومنا ممن يبرع في جلد ذاته حتى أدمن ذلك واستمرأ سبة قومه ، مجتهداً في تضخيم اخطاءات مرحلة الحكم في الجنوب وتصيدها ، إما جهلا و إما تقصداً لغرض ........ وهذا الصنف الاخير نوعان واحد متضرر بشكل شخصي ، وآخر خدمة مجانية لأسياد جدد من الهضبة الزيدية ، او لمشروع فئوي عصبوي أو ما أشبه . القارئ المتمعن والمتجرد لتاريخ الصراع السياسي و الديني والطبقي في الجنوبواليمن شمالاً إن كان منصفاً لا يمكن أن يسوي بينهما مطلقاً ، وأن تسويق عكس ذلك إنما هي من الحرب النفسية والتي حتماً ستترك أثراً في اليأس من أي محاولة إصلاح جنوبية أو استقلال بقرار خاصة ، و نجاحاً في إلصاق صفة الفشل لكل ما هو جنوبي ، مع الصعوبات التي تصحب المرحلة بأخطائها المبررة وغير المبررة ، ولا يدرك حمقى الجنوبيين ولا الموتورون الشماليون أن نجاة الجنوب هو نجاة الشمال و دمار الجنوب هو دمار الشمال ، فبدون جنوب مستقل سيرزح اخوتنا في اليمن ألف سنة اخرى تحت ظل كهنوت الهضبة المتحكم . كتبه : امجد الرامي