أبطال "سماء عدن" و"النبراس" يتوجون أبطالًا للعالم في الدوري العالمي للحساب الذهني 2025    مسؤول أمريكي: ترامب ومسؤولون أعربوا عن قلقهم من أن نتنياهو قد يأمر بضرب منشآت إيران النووية    "القسام" توقع 10 جنود صهاينة بين قتيل وجريح شمال غزة    اختتام الدورات الصيفية في مركز الشهيد أبو خليل المؤيد بمديرية بني الحارث    في حفل كبير ... الأزهر الشريف والاتحاد المصري للتنمية الذهنية للنشء يحتفلان بتخريج 300 مدرب    الدكتوراه بامتياز للباحثة وفاء محمد علي أحمد من جامعة عدن    راوح يفوز بمنصب النائب الأول للاتحاد العربي للعبة الكونغ فو    فوضى أمنية    صنعاء .. البنك المركزي يعلن بدء صرف نصف مرتب أبريل وموظفون يؤكدون عدم تسلمهم نصف مرتب مارس    السفير المتوكل يطلع على سير العمل في مكتب الخارجية بالحديدة    - 2000مريض بالسكر والضغط يتلقون الفحوصات والأدوية بدعم كبير من شركة يمن موبايل    "أشبال بلا تدخين".. البرنامج الوطني لمكافحة التدخين ينظم سباق اختراق الضاحية للبراعم في عدن    فوضى أمنية..    فوضى أمنية    حملة لإزالة المطبات من خط صنعاء نقيل يسلح    صحف عالمية: حكومة نتنياهو ترتكب جرائم حرب وتتخذ التجويع سلاحا    التربية تنفي ما تناقلته بعض المواقع ومنصات التواصل حول إعلان نتائج الشهادة الأساسية    مغادرة 272 حاجا إلى الأراضي المقدسة عبر مطار صنعاء    تعيين "الفردي" ناطقا باسم الانتقالي يؤكد الحرص على ضخ الدماء الشابة    الكشف عن راتب يامال في عقده الجديد مع برشلونة    اليابان تدعم شركاتها الصغيرة والمتوسطة ب15.5 مليار دولار لمواجهة الرسوم الجمركية الأمريكية    سريع يعلن استهداف اسرائيل بصاروخين باليستيين    الارصاد: أمطار رعدية على 7 محافظات وحرارة شديدة على الصحاري والسواحل والهضاب الداخلية    صنعاء .. "وثيقة" تكشف عن توجه للتضييق على منتجي المحتوى    الاحزاب والتنظيمات السياسية التي لاتتطور وتستشرف تطور المجتمع    قرار هام من وزارة الصحة    قوات العدو تعلن رصد صاروخين أُطلقا من اليمن    الثاني خلال 48 ساعة.. الجيش الإسرائيلي يعترض صاروخا حوثيا    خبير نفطي يحذر من صراع نفوذ على قطاع جنة 5 النفطي    الراتب المؤجل.. سياسة تجويع لا عثرة مالية    - في تهامة اليمن نجاح زراعة بيض الشمس قد يكون افضل دخل قومي    - شركات جديدة لاستيراد الدجاج لليمن    العليمي يؤكد على وحدة المجتمع الدولي لمواجهة التهديدات الحوثية للملاحة البحرية    تدشين دورة إعداد المدربين TOT في المهارات الأساسية بمحافظة لحج    بعد أيام من حادثة مماثلة أودت بحياة 6 أشخاص.. وفاة شاب إثر سقوطه داخل بئر في إب    تحريض ضد الجنوب كله    يمارسون أبشع سياسات التعذيب ثم يتزيفون الإنسانية    أبين.. مظاهرة في لودر للمطالبة بفتح طريق عقبة "ثرة" الإستراتيجي    -    وزارة التخطيط توجه نداء عاجل للشركاء الإقليميين والدوليين والمنظمات الدولية    المعبقي: النهج الحكومي وسع انتشار الفكر الخرافي في اليمن    الاتحاد العام للطلبة اليمنيين في ماليزيا يُحيي الذكرى ال35 للوحدة اليمنية بفعالية وطنية مميزة في كوالالمبور    صيف قائض ورطوبة عالية .. نظام التقنين يغرق عاصمة محافظة نفطية يغرق في الظلام    السقلدي يكشف عن وضع كارثي ويدعو السلطات لاعلان عدن مدينة منكوبة بدلا من احصاء الوفيات    حادثة غير مسبوقة .. وفاة طفل اثر تعرضه لعضة قطة في الفم    الأهلي يعزز موقعه في صدارة دوري البراعم لأندية تعز    جدول ترتيب هدافي الدوري الإسباني موسم 2024-2025    لم يكن مجرد مقهى "محمد الحضرمي".. سنوات الهجرة إلى شبوة    اكتشاف الأصل التطوري لأسنان البشر    اليمن يحدد بداية عشر ذي الحجة    أكد دعم الحكومة لجهود وزارة الثقافة والسياحة: رئيس مجلس الوزراء يفتتح المعرض التشكيلي "مع غزة أعيادنا انتصارات"    التشكيلية الموهوبة "حنان".. جسدت في لوحاتها كفاح فلسطين وصمود اليمن    غَزَّةُ.. قَسِيمُ الجَنَّةِ وَالنَّار    مرض الفشل الكلوي (6)    للمرة الاولى : شغور قرابة 4 الاف مقعد من حصة اليمن للحج هذا العام    إنجاز وطني عظيم    اليمنية تحدد موعد بدء تفويج الحجاج من مطار صنعاء الدولي    اليمنية تحدد موعد بدء تفويج الحجاج من مطار صنعاء الدولي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لم يكن مجرد مقهى "محمد الحضرمي".. سنوات الهجرة إلى شبوة
نشر في شبوه برس يوم 26 - 05 - 2025


قصة المقهى الشبواني الذي جمع رجال السلطة والمعارضة
مقهى شبوة بين فك الارتباط في 94 إلى فك الارتباط في 2005
سنوات الجدل البيزنطي بين ساسة شبوة

*- شبوة برس - جمال شنيتر

كعملة عريقة من زمن أصيل، يأبى محمد الحضرمي الا البقاء في شبوة لاكتساب لقمة شريفة، ولشدة تعلقه بشبوة يوصي أهله أن يدفنوه فيها إذا حان وقت الأجل.
بعيدا عن الموت.. في يوم ذات لحظة إشراق، استوقفتني طويلا اللوحة المعلقة في واجهة مقهى الحضرمي الشهير في حي النصب بعاصمة شبوة، تسمّرت أمامها تطاردني الأسئلة بعنف عن المقهى لماذا؟ وماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ وأين؟ وهل؟ وكم وو .، شريط من الأسئلة التي لا تنتهي أفضت بي بدون ترتيب ولا تنظيم إلى الإبحار في قصة هذا المعلم الشعبي في المحروسة عتق لعلها تشبع الفضول.

نبدأ الحكاية هنا عن شخص استثنائي عنوانه البساطة والابتسامة والخلق الرفيع، يمضي الآن أكثر من ثلاثة عقود من الزمان في أرض الحضارات شبوة، يكاد يكون أحد أبنائها الأبرار، فقد اندمج مع أهل شبوة البسطاء، ويحظى باحترامهم ومحبتهم.
محمد صالح روش الحضرمي أشهر من نار على علم في المحروسة عتق عاصمة شبوة، فهو صاحب أشهر مقهى شعبي في المدينة ( أنوار حضرموت)، والذي يفضل أهل شبوة تسميته بمقهى الحضرمي الواقع في حي النصب أكبر أحياء العاصمة الشبوانية.

البداية كانت من هنا
من سيئون عاصمة الوادي الحضرمي الكبير، ومن حي بور تحديدا انطلق الشاب محمد الحضرمي قبيل حرب 94، إلى شبوة للعمل مع خاله أحمد الحضرمي الذي سبقه للعمل في شبوة قبل ذلك بأكثر من عشر سنوات، وصل محمد إلى عتق، وكان عمره حينها 18 عاما، والتحق بالعمل مع خاله في مقهى بالسوق القديم.
لم يكمل محمد الشهر الأول إلا وتندلع حرب 94، وكانت عتق بؤرة محورية في هذه الحرب حتى إن كثير من سكانها غادروها، ومن ضمنهم محمد الحضرمي وخاله.
عكّرت أجواء الحرب والازمة مزاج محمد، الشاب الذي يحلم بالعمل والسلام والمستقبل واللقمة الحلال، كاد أن يطرد فكرة العودة مجددا إلى شبوة، لكنها الأقدار ساقته مرة اخرى إليها، وكتبت له أن يعمل في مقهى خاله أحمد قرابة العشر سنوات.

فك الارتباط
في 2005، قرر فك الارتباط عن العمل مع خاله، وأسس مقهى مستقل في شارع الستين (حي النصب حاليا)، فلم يكن خاله إلا مشجعا له، فأطلق (أنوار حضرموت) على المقهى الجديد، والذي استمر معه إلى ما قبل ثلاث سنوات، عندما انتقل إلى موقع آخر على نفس شارع النصب بمسافة نحو 60 متراً فقط أمام عمارة الجساري الشهيرة القريبة من بنك التضامن، وقبل سنة انتقل على الشارع ذاته إلى موقعه الحالي بجوار محطة الأقصى، وعلى الرغم من تلك الانتقالات إلا أن المقهى حافظ على شهرته وبريقه وجمهوره.

الباخمري في القمة
كان الباخمري مع الشاي الوجبة الأساسية التي يقدمها المقهى والتي ساهمت في شهرته، وكان أهل شبوة، الذين بدأوا يتجهون نحو التحضر بعد انتقالهم إلى عتق، يتنافسون على تناول باخمري الحضرمي بشغف.
يمارس الحضرمي طقوساً مقدسة في حياته اليومية من خلال جدول زمني يحرص على الالتزام به دون أي تدخل من الآخرين.. يبدأ يومه في المقهى بعد صلاة الفجر مباشرة، ويستمر في العمل حتى الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً، وبعدها يغلق المقهى، أما فترة العمل المسائية فتبدأ من الساعة الثالثة عصراً وتستمر حتى الثامنة مساءً.

صمت الفجر
في هدوء الفجر، يبدأ المقهى في إعداد افتتاحيته المهيبة، حيث تتم هذه العملية عادة بعد صلاة الصبح مباشرة، يتولى الطهي وتحضير الخمير والحليب أربعة عمال ، من بينهم عبده الأبّي، ويُعِدّ العجين باستخدام الدقيق والماء والسكر وقليل من الخميرة، يحرص فريق العمل تحت إشراف العم محمد على أن تكون الوجبة جاهزة لاستقبال الزبائن عند خروجهم من المساجد بعد صلاة الفجر، خاصة من مساجد علي بن أبي طالب والفاروق والتوبة والإذاعة والمهاجرين التي تقع في محيط شارع النصب، كما يتواجد العديد من عمال الأجر اليومي، غالباً من أبناء المحافظات الشمالية وبعض الموظفين الحكوميين، والجدير بالإشارة أن عملية تحضير عجينة الخمير تُنجز في الليلة السابقة، حيث تُعَدّ عجينة الصباح، بينما تُجهز عجينة العصر والمساء في وقت الظهيرة.

لم يكن مجرد مقهى
الإشارة تستدعي الحديث عن عشرين عاما مضت منذ انطلاقة المقهى، وظل الحال كما هو في حراك مستفيض لمقهى العم محمد، لكنه في حقيقة الأمر لم يكن مجرد مقهى للأكل وشرب الشاي بكافة أنواعه، بل الأمر أكبر من ذلك، أنه المقهى الذي له المذاق المميز والاستثنائي الذي يجمع أهل شبوة بمختلف أطيافهم السياسية والاجتماعية، ومن كل مديرياتها، بل ومواطنون من محافظات يمنية عدة جنوبا وشمالا، بمعنى أن المقهى صار متنفسا لمناقشة آراء وخلافات القوم السياسية وقضاياهم الاجتماعية والقبلية والمعيشية.

مائدة مستديرة
في فترة ما قبل 2011 كان المقهى مائدة مستديرة للجدل العقيم واللامنتهي بين اتباع المنظومة السياسية في المحافظة من المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك (الإصلاح والاشتراكي)، واتباع الحراك الجنوبي بفصائله المتعددة، يتناقشون ويتجادلون، يشتد الجدل البيزنطي أحيانا، ويكاد أن يصل إلى الزعل ، يتدخل الحضرمي أحيانا بابتسامة من كبد الفؤاد لتهدئة كل الأطراف المجادلة، فيقبلوا هذه التهدئة تارة، وفي تارة أخرى يتركهم في غيهّم يتجادلون حتى يصيبهم الإرهاق، ويتوقفون أو يغادرون..
بحسب العم محمد مر من هذا المقهى مسؤولون وقيادات سياسية شبوانية (محافظون ووكلاء ومدراء عموم وقيادات عسكرية وأمنية وشيوخ قبائل وصحافيون وكوادر الطب والجامعة وشعراء وغيرهم كثير، كانوا حلقة من جمهور المقهى تدل على حبهم له وتواضعهم الجم بالجلوس بين البسطاء والشغيلة والكادحين، يتذكر الحضرمي بعضهم كعلي بن راشد الحارثي (المحافظ الأسبق ) ومحمد بن عديو (المحافظ السابق) وعبد ربه هشله نائب المحافظ وأمين عام محلي المحافظة حاليا، والدكتور ناصر باعوم أثناء فترة عمله كنائب للمحافظ وأمينا للمجلس المحلي، حتى إن الدكتور ناصر باعوم بعد تقلده وزارة الصحة في عدن لاحقا، وأثناء زيارته للمحافظة كان يصر على زيارة المقهى مسترجعا أيام وذكريات جميلة له مرت من هنا.

الأيام والسنين
مع جري الأيام والسنين، كان المقهى ساحة شاهدة على أحداث شبوة خلال العقدين الأخيرين، ومنها أحداث 2011 أثناء مسيرات الاحتجاج التي أقامها ما يسمى بشباب التغيير ضد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، و مسيرات الحراك الجنوبي المطالبة بفك الارتباط، حينها كانت عتق ساحة لتلك التظاهرات لعدة أشهر كما يقول، وانعكس ذلك على تصاعد الجدال والرأي في المقهى بين مختلف القوى السياسية في المحافظة، فكان الحضرمي يغلق المقهى مضطرا في بعض الأوقات، وخاصة عند مرور التظاهرات..

لحظة اندماج
اندمج الحضرمي مع المجتمع الشبواني وعرف طبائعهم، حتى إنه بات يعرف عدداً من مناطق المحافظة وتفاصيل تضاريسها المتعددة بجبالها وهضابها وسواحلها وأوديتها، كالصعيد وجباه وبيحان وعرماء وبلاد خليفة وعزان وميفعة، إذ ساعده انتماؤه إلى جماعة الشيخ يحي الحجوري السلفية في التنقل بين مناطق المحافظة مع أفراد الجماعة.

استهداف
على الرغم من أهمية هذا المقهى كمعلم شعبي بارز في عاصمة شبوة، إلا أن قرارا حكوميا استهدفه قبل عدة سنوات (عندما كان المقهى في موقعه الأول بجانب عمارة مجور وسوبر ماركت البرج) تمثل القرار بإزالة السقيفة الخارجية، ضمن حملة لإزالة العشوائيات في المدينة، ومع أن الحملة لقيت ترحيبا من المواطنين، إلا أنهم في المقابل أبدوا انزعاجهم من إزالة سقيفة المقهى الشعبي، باعتبار أن المقهى له خصوصية سياحية وشعبية، لا سيما أن السقيفة لا تخدش المنظر العام للمدينة، بل وطالبوا أن تشجع الدولة المقهى كملتقى ومتنفس اجتماعي ومعلم شعبي، لكن السلطات المحلية لم تقدر أهمية المقهى، ونفذت القرار الذي كان أحد أسباب انتقال المقهى لاحقا إلى موقعه الثاني.

الإنسان المكافح
لقد أمضى الحضرمي سنوات عمره في هذا المقهى متسلحا بالقيم المثلى من الصدق والصبر والأمل، واستطاع نسج علاقات مع الآخرين عنوانها الفرح والمزح والاحترام والنُبل، وتمكن من تغيير الصورة النمطية عند البعض التي تتهم الحضارم بأنهم لا يقبلون غيرهم، وبقي طوال هذه السنين نموذجا للإنسان المكافح من أجل لقمة عيش شريفة وكريمة، فمنذ لحظات ما قبل الشروق يصنع حكاية يوم جديد، وقد اختار هذا الوقت- كما يقول – لأن للبكور بركة في الرزق، وفي الحياة كما جاء في السنة النبوية المطهرة، وزد على ذلك أن الحضرمي- كما يقول زبائنه- نقي السريرة عفيف اللسان، تنتابه مشاعر الإيمان والتقوى، وترجمها بالمعاملة الطيبة مع الناس على أرض الواقع، فيتشبع يوميا بالتواصل المباشر مع أهل شبوة، ومن سكن وزار شبوة، وظلت المدينة المحروسة عتق هي أيقونة الروح عند الحضرمي وسيمفونية النبل والطيبة والمشاعر الفياضة، والعمل الشريف واللقمة الحلال، وهكذا فإن الكتابة عن شخص كمحمد الحضرمي، هي كلمة حق له ولأمثاله من البشر البسطاء والكادحين والمهاجرين من محافظة إلى أخرى، في زمن بات من النادر الاهتمام بمثل هؤلاء ممن يصنعون اللحظات السعيدة والمشاعر الجياشة والأحاسيس الإنسانية الراقية.

جمال شنيتر
25 مايو 2025

ملاحظة .. الصور المرفقة للمقهى من تصويري عندما كان المقهى في موقعه الأول عند التاسيس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.