سنان بيرق ليلة البارحة، وفي تمام الساعة الحادية عشرة، اضطررت للذهاب إلى منطقة شميلة لأمرٍ طارئ خارج نطاق سكني المعتاد. لم أكن أعلم أنني على موعد مع رعبٍ حقيقي وموتٍ محقق، لولا مشيئة الله وستره العظيم. فجأة، دوّى إطلاق نار كثيف باتجاه أحد المولات المجاورة لمحطة شميلة، واخترق الرصاص ليل المدينة كالسكاكين. لم يكن بيني وبين الموت سوى خرسانة إسمنتية وجدار غرفة احتميت بهما، وكأن القدر قرر أن يمنحني لحظة نجاة في زمنٍ فقد فيه الأمان معناه. ولم تكد تمرّ أربع وعشرون ساعة على تلك اللحظة المروّعة، حتى فُجعت اليوم – قبل دقائق فقط – بمشهد أكثر رعبًا وأشد خطورة! كنت خارجًا من محكمة غرب الأمانة بصنعاء، وعلى بُعد خطوات من مشفى تونس، حين اندلعت اشتباكات مسلحة مفاجئة. مجموعة من الأشخاص بلباس مدني يطاردون رجلاً بلباس عسكري، والجميع مدججون بالسلاح، يطلقون النار في كل اتجاه بلا وعي أو حساب. الأعيرة النارية كانت على بُعد أمتار معدودة مني، تصمّ الآذان وتشلّ التفكير، ولولا براعة سائقي العزيز وحنكته في الهروب السريع، لكنّا الآن في عداد الموتى. أي عبث هذا؟ أي انحدار هذا؟ كيف بات الرصاص يحكم الشوارع بدل القانون؟ وهل أصبح البقاء على قيد الحياة ضربًا من الحظ، لا شجاعة فيه ولا حيلة؟ ما نشهده اليوم ليس مجرد انفلات أمني، بل هو انهيار أخلاقي وأمني مرعب، يهدد أرواحنا، ويعبث بهيبة الدولة، ويزرع الرعب في قلوب الأبرياء.