من حيث شكل وطبيعة صراع المرحلة الراهنة و القادمة على الساحة العراقية يكمن في كونه صراعاً مصيرياً من اجل البقاء او الفناء بين المدافعين عن وحدة العراق والداعين لتقسيمه تحت مسمى الفدرالية والأقاليم ، كما ان الخيط الفاصل اليوم بين العراق الموحد و المقسم بات خيطا رفيعا كالخط الفاصل بين الجنة والنار ان لم يخونني التعبير، فمنذ احتلال العراق ومجيء القوى والأحزاب الدينية الطائفية بشقيها السنية والشيعية وبروز شخصيات سياسية طائفية و عنصرية تبث سمومها بين العراقيين وحملوا مشاريع تقسيم العراق على أسس دينية ومذهبية كأهداف إستراتيجية وجوهرية لترسخ من وجودهم في السلطة و الحكم من خلال بقاءهم كمكونات رئيسية في الخارطة السياسية الجديدة والتي رسمت في ضل الاحتلال ، وبقوا على مدى أكثر من ثمان سنوات منكفئين ومتقوقعين على مشاريعهم التقسيمية التي لا تلقى قبول عند الشارع العراقي ، ويتحينون بذلك الفرص المناسبة للكشف عن وجوههم الحقيقية ومشاريعهم التقسيمية ، وتاجروا بشعارات وطنية لإيهام الشعب العراقي بهم وكسب ثقتهم وتأييدهم ، الا ان وبعد ثمان سنوات من عمر الاحتلال على العراق استطاعت هذه القوى والأحزاب والشخصيات بمساعدات خارجية خاصة من الكويت و إيران الراعي الاول لتقسيم العراق ، من خلق بعض المقومات الوهمية السريعة الزوال على ارض الواقع لهذه الطروحات والمشاريع الهدامة ، واليوم كشفوا عن وجوههم القبيحة واماطوا اللثام عنها وأعلنوا مشاريعهم التقسيمية بشكل واضح وصريح تحت مسمى الأقاليم ، ففي السنوات القليلة الماضية أعلن البعض وبشكل خجول عن طرح مشروع للتقسيم تحت مسمى إقليم البصرة ، وقد قوبل المشروع برفض شعبي واسع من قبل أهلنا البصريين ، وحينما فشل الداعين لهذا الإقليم في تمرير مشروعهم الطائفي بإقامته تنصل عنه اغلب من تبناه في البداية . وطرح فيما بعد مشروع إقليم الجنوب ، ثم نسمع اليوم وبشكل كبير من قبل بعض الساسة الطائفيين عن مشروع إقليم الانبار ثم توسع الطرح ليشمل إقليم المحافظات ذات الأغلبية السنية ، وهي حسب طرحهم ، الانبار ، صلاح الدين ، نينوى ، و حين نقف عند بعض الأسماء التي تطرح المشروع وتدعمه ندرك مدى النفس الطائفي المقيت من وراء اهدافه ، فمن خلال الرسائل التي نشرت في الايام القليلة الماضية في مواقع الانترنيت من قبل عدنان الدليمي الى الدكتور عمر الكبيسي وضح فيها الدليمي وبأسلوب شديد الطائفية و التطرف مبررات اقامة ما اسماه اقليم السنة ، وأعرب عن تمسكه وتبنيه لهذا الطرح ! وبرر ذلك الامر بشكل مثير للسخرية و الاستهزاء ، كما ان الدكتور عدنان الدليمي وهو الاسلامي المتطرف والطائفي المتشدد في طروحاته وخطاباته النارية التي عهدها الشعب العراقي منه في فترات بعد الاحتلال ، و حسب ما يقال عنه في الشارع العراقي بأن كان له دور في أحداث العنف التي عصفت في البلاد و عمليات التطهير الطائفي بين العام 2005-2006 ، و يتبنى اليوم السيد الدليمي ومن معه مشروع تقسيم العراق من خلال طرح مشروع اقليم السنة كما و يتبنى الحزب الإسلامي المشروع ايضا ويعمل عليه في العلن والخفاء ويعتبر الحزب الاسلامي من عرابي هذا المشروع ومن أهدافه الإستراتيجية ، ويُذكر انه في احد الجلسات الخاصة قبل سنوات قليلة والتي كانت تضم بعض من قيادات الحزب الإسلامي تحدثوا لبعض الحاضرين بأنهم ، لم يعد بإمكانهم اطلاقا التعايش مع الشيعة في العراق !! ، متناسين ان العراق لولا شيعته وسنته وكرده وعربه ومسيحيه وتركمانه وبقية مكوناته لما كان هنالك عراق من الأساس ، ومن الجدير بالذكر ان نتطرق إلى أدوات هذا المشروع والمروجين له ، فهنالك من يعمل و يحوك و ينسج خيوط هذه المؤامرة في الظلام و خلف الستار سواء كانت جهات خارجية او داخلية ، وهنالك من يتبنى المشروع بشكل علني وصريح كعدنان الدليمي والذين يحيطون به ، ولهذا المشروع ادوات معروفة واخرى غير معروفة وادوات ظاهرة اليوم على الساحة وأخرى لاتزال مختبئة تراقب مجريات الامور الى اين تسير بخصوص هذا المشروع ، وبغض النضر عن التسميات الكثيرة التي تتبنى المشروع التقسيمي الطائفي والتي سنتطرق إليها في مقالات لاحقه ، إلا ان ما يهمنا الان هو ان يعرف اهلنا العراقيون ان مشروع التقسيم لا يقتصر على بعض القوى والشخصيات التي اشتركت في العملية السياسية الحالية وانما هنالك قوى وشخصيات لم تشترك فيها ، على الاقل ظاهريا ، وهم يتبنون مشروع تقسيم العراق الى اقاليم دينية وطائفية تمهيداً لاقامة دويلات مذهبية مستقلة ، مستقبلا ، وتتوزع المصالح فيهم على النحو التالي ، فمنهم من يتبنى المشروع لغايات التعظيم من ثروته والتوسيع من امبراطوريته من مال و نفوذ و سلطة ، ومنهم من يلتحق بمشروع طائفي تخندقي من خلال هذه الاقاليم لغرض مد الجسور و التحالف مع دول اسلامية كبيرة في المنطقة كإيران والسير على خطى بناء دولة اسلامية مشابه لها ، وقد يتساءل البعض كيف يحدث ذلك ونحن نتكلم عن اقليم للسنة !، فالكل يعرف اليوم مدى التنسيق الاستراتيجي الكبير بين التنظيمات الاسلامية المتطرفة و الجماعات الاسلامية المتشددة فكريا وعقائديا و التي تعتبر النواة المكونة لتنظيم القاعدة و بين الجمهورية الاسلامية الايرانية ، وهذا الامر ليس استنتاج شخصي او تحليل سياسي وانما واقع حال تجسد من خلال مجموعة من الوثائق الايرانية التي سربت خلال فترات زمنية متفاوتة و تحدثت عن وجود تنسيق كبير بين ايران والجماعات المتطرفة في عموم المنطقة وليس العراق فقط ، وايضا من خلال المعلومات المسربة من جهات عراقية وغير عراقية تحدثت عن وجود معسكرات تدريب وتجهيز عسكرية في مدن ايرانية لعناصر وقيادات تنظيم القاعدة ، فضلا عن الاهداف التي يستهدفوها في العراق منذ سنوات فهي تخدم و بكل وضوح استراتيجية المشروع الايراني الكبير في العراق وانطلاقا منه للمنطقة ، لذا فان اهداف تنظيم القاعدة الارهابي واضحه في تقسيم العراق ، فهذا التنظيم الارهابي الدخيل على الشعب العراقي هو اول من تبنى فكرة التقسيم من خلال اعلانه ما سماه دولة العراق الاسلامية ، واليوم نجد منه يوظف كافة امكانياته وطاقاته الشيطانية لاقامة دولة للسنة في العراق يحكمها اعوانه وانصاره المتطرفون ... وفيما يخص إيران فهي تسعى من خلال مشروعها الكبير في المنطقة الى احتواء الجماعات الاسلامية المتشددة سواء كانوا تنظيمات سرية او احزاب وقوى علنية ودعمهم في دولهم وتمويلهم بشكل كامل و مباشر او من خلال قنوات غير مباشرة للتمويه عن مصادر التمويل ، كحزب الله ، إذ يعتبر الذراع الايراني الاقوى لإيران في المنطقة ، استخباريا وعسكريا وسياسيا ، وتناط به مهمة الاتصال والتنسيق والتجنيد للقوى والتيارات والشخصيات السياسية والاجتماعية وتمويلها ماليا خدمتا لمصالح ايران الاستعمارية ، و من خلال دعم واحتواء ايران لهذه القوى و الاحزاب التي تتفق معها في الرؤية و الاهداف وتعتبر من مكونات واذرع مشروعها الكبير في المنطقة تهدف وصولهم لمواقع السلطة والحكم والنفوذ في دولهم ، لتسيرهم كيفما تشاء وتسخرهم لخدمة مصالحها الاستعمارية في المنطقة .اما الفئة الثالثة التي تتبنى المشروع تعمل على تحقيق وتنفيذ اجندات استخبارية دولية و صهيونية ، تهدف لتقسيم العراق بأي شكل من الاشكال ، لذا فأن المعركة لن تكون سهلة بل ستكون الاصعب ، و المرحلة القادمة تعد الاكثر خطورة على مستقبل العراق على مر تأريخه الحديث ، وكما نعرف ان المعركة تكون من عدة جولات في الغالب ، وعادة لا تحسم من الجولة الاولى ، على الرغم من ان الانتصار الوطني ضد المشروع في الجولة الاولى لهذه المعركة قد تحقق ، الا ان ادوات و وسائل واساليب هذه الحرب لم تنفذ بعد ، ولاتزال اوراق اللعب وادواتها قائمة وتتحرك وقت اللزوم وكلما تحققت الفرص المناسبة لها ، فالرسائل التي وجهها عدنان الدليمي احد عرابي مشروع اقليم السنة في العراق الى الدكتور عمر الكبيسي قوبلت برفض شديد من قبل الكبيسي وكافة الوطنيين الاحرار من ساسة واعلاميين واكاديميين وشيوخ عشائر و وجهاء واعيان ، وبهذا الصدد و لتحقيق الانتصار في هذه المعركة الوطنية المقدسة ضد مشاريع التقسيم ومروجيها فلابد من اتخاذ بعض الخطوات الوقائية والاستباقية للتصدي مستقبلا لهذه المشاريع التي قد تجهض في الانبار وتظهر في مناطق اخرى من العراق ، وهنا يأتي دور النخب الوطنية في العمل على حملة تثقيف واسعة للشعب العراقي بكافة نخبه وطبقاته وشرائحه من ساسة واعلاميين واكاديميين و شيوخ عشائر و رجال دين و وجهاء ، من قوى واحزاب ونقابات وتجمعات سياسية ومدنية واجتماعية وطنية لتبين مدى خطورة مشاريع التقسيم على مستقبل العراق و العراقيين تحت اي مسمى كان ، وتوضيح كافة مسمياتها وادواتها و اهدافها واجنداتها وسيناريوهاتها ومن يقف وراءها في العلن و الخفاء وفضح مروجيها وعرابيها وكل الذين يتبنون مشروع التقسيم ، لهدف الحشد والتعبئة شعبيا وجماهيريا ضد مشاريع التقسيم ، والضغط اعلاميا وسياسيا ضد هذه المشاريع التي تريد النيل من وحدة العراق وتهدف لتقسيمه وتفتيت شعبه وزجهم في دويلات دينية ومذهبية اشبه بالمستوطنات الصغيرة تتحكم بها الدول الكبرى في المنطقة والعالم وتسيرها كيفما تشاء وتسلب خيراتها ومواردها ، لذا فأننا اليوم امام مرحلة مفصلية مهمة سيذكرها التأريخ في صفحاته ، فأما ان نخطها من سطورا ذهبية في صفحات مشرفة ومشرقة لتأريخ العراق ، واما ان يخطها غيرنا من سطورا سوداء في صفحات مظلمة من الخزي والعار لتأريخ العراق ( لاقدر الله ) ، ولابد من توظيف كافة الظروف والعوامل المناسبة لاجهاض تلك المشاريع ، ومن خلال هذا المقال ادعوا كافة الوطنيين العراقيين من قوى واحزاب وحركات وتجمعات ونقابات وشخصيات واكاديميين وساسة وعسكريين وشيوخ عشائر ورجال دين ووجهاء الى العمل على صياغة بيان وطني عام لرفض تقسيم العراق تحت اي مسمى كان ، ويتم نشره وتعميمه من خلال الفضائيات والصحف والمواقع الكترونية ويكون مفتوح امام الشعب العراقي بكافة الوانه واطيافه من كل العراق لتوقيع عليه برفض تقسيم العراق وطمس الهوية الوطنية للعراقيين وبذلك تكون حملة وطنية مليونية لجمع تواقيع العراقيين من كافة شرائح وطبقات ونخب الشعب العراقي ، فهذه معركة وطنية مقدسة لا مجال فيها للسكوت والتكاسل وتجاهل دعاة ومروجي التقسيم والانفصال دون التصدي لهم ولمشاريعهم بكل حزم وقوة لكسب المعركة وافشال مشاريعهم الرامية لتقسيم العراق وتدمير العراقيين . [email protected]