إن اعلان الوحدة في 22 مايو 1990بالنسبة للجنوبيين لم يكن بوازع ايماني ديني ولا بدافع قومي عصبوي بالرغم من اهمية هذه العناصر , وانما من منظور مدني حضاري عصري كون سمة العصر هي التكلات والتجمعات يصعب على الكيانات الصغيرة والمتوسطة العيش بمعزل عن محيطها الاقليمي والجغرافي والاقتصادي, اي كانت الشعارات المرفوعة انذاك. هذا المفهوم الحضاري العصري اصطدم بواقع قبلي , عشائري, وعسكري متخلف وغلو ديني لم يكن له مايبرره تمثل في المسيره المليونية التي جابت شوارع صنعاء ليلة اعلان الوحدة رافضة لها. إلا أن سرعان ماادركت الاطراف المعنية خطورة هذه المجابهة فعمدت إلى ممارسة سياسة احتواء الوحدة وهو ماأكده المغفور له الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر طيب الله ثراه في مذكراته في الصفحة 248 و249 حين قال "لقد طلب منا تكوين حزب يكون رديفا للمؤتمر حيث ان هناك اتفاقيات تم التوقيع عليها مع الحزب الاشتراكي ولا استطيع (اي علي عبدالله الصالح) التململ منها وسوف ننسق معكم بحيث تتبنوا مواقف معارضة ضد بعض النقاط او الامور التي اتفقنا عليها مع الحزب الاشتراكي " وما حرب عام 1994 إلا امتدادا طبيعيا لعملية الالتفاف هذه التي كان لها آثارها المدمرة على الجنوب وأهله وتحويله ارضا وانسانا وثروة إلى غنيمة وفيد. ويحضرني ما أسرلي به احد الاصدقاء انه بعد حرب 94وبعد تعيين المرحوم عبد العزيز عبد الغني رئيسا للوزراء ابلغه الرئيس بقوله "الحكومة مالها دخل بشركات الابترول " فاجابه الاخير ونحن موافقين ان نكون شقات(عمال)في الشركات فرد عليه الرئيس والوظائف لكم وهو ما تم بالفعل. من هنا يمكن فهم اسباب حادثة اطلاق النار من قبل قوات الجيش في منطقة ساه بحضرموت في مطلع شهر يوليو من العام الجاري على مجموعة من ابناء المنطقة المتظاهرين سلميا مطالبين توظيفهم في احدى الشركات التي تعمل في موقع الامتياز في منطقتهم فأصابوا (12) شابا جراح بعضهم خطيرة (بيان لجنة تنسيق الفعاليات الشبابية بوادي حضرموت في 18-7-2012) تطبيقا لاتفاق الجنتلمان هذا بين الرجلين وهو ما يفهم اننا لسنا محرومين من ثروتنا فحسب بل حتى التوظيف في الشركات النفطية العاملة في مناطقنا اصبح حصرا على مواطني الدرجة الأولى , والجنوبين ليسوا منهم بالتاكيد ونصيبهم من هذه الثروة ينحصر في التلوث البيئي والامراض السرطانية و الجلدية وغيرها من الأمراض غير المعهودة. كما ان فصل الآلاف المؤلفة من الجنوبين مدنين وعسكريين من وظائفهم بعد حرب عام 94 و اسقاطات بعض عالية القوم بوصفهم هنودا وصومال أو كما وصفهم فضيلة الشيخ الديلمي بالعبيد (صحيفة الأولى العدد 479 في 22 يوليو 2012) جميع هذه المصطلحات لم تاتي من فراغ. لقد حان الوقت, على الجنوبيين أن يكونوا اكثر جرأة في التمسك بموضوع الهوية الذي تأجل كثيرا ولم يعد يحتمل. خاصة وان للجنوب تاريخ و حضارة موغلة في القدم تضرب جذورها في عمق تاريخ الجزيرة العربية قل ان نجد لها مثيلا لدى اي من شعوب المنطقة . إن التمسك بالهوية في الجنوب هو شأن في غاية الأهمية فقد أدركت أهميته الشعوب والدول منذو القدم واخذت به وعرفت من خلاله وميزت بها نفسها عن الغير حيث انه بمجرد ما تحدد جنسية الشخص تعرف فورا إلى أي أرض ينتمي. و نحن في الجنوب مالم نتمسك بهويتنا بقوة وجرأة سنظل كفاقد الذاكرة يتخبط ولا يعرف من هو ومن اين أتى بالرغم من أن التاريخ قد حدد حدود دولة الجنوب التاريخية بوضوح وموقع ومكانة و مسمى الجنوب من الناحية السياسية والتاريخية والدينية و دوره في نشر الاسلام بين شعوب المعمورة .