بإرادة لا تلين، وإصرار لا يقهر، وصمود أدهش الجميع، كان وما يزال شعب الجنوب متأبطاً هدف التحرير والاستقلال، دون الالتفات إلى الأصوات الخرساء التي تحاول إلهاءه عن هدفه، او حرف مسار ثورته المروية بدماء خيرة شباب الجنوب وأطفاله ورجال ونساءه . أربعون يوماً مضت يجاهد فيها الأحرار المرابطين في ساحتي الحرية بالعاصمة عدن، والقرار قرارنا بحضرموت، بعد مليونيات عدة وكفاح سلمي حضاري أدهش العالم بأسرة، من اجل هدف واحد هو استعادة دولة الجنوب كامل السيادة والحدود . استطاع شعب الجنوب بصبره ونضاله وتضحياته تحقيق انتصارات وانجازات عريضة منذُ انطلاق الحراك الجنوبي في عام 2007، رغم كل ما تعرض له من حملات قمع وقصف واغتيالات وسجن واعتقال وتشريد، هذه الانتصارات المتتالية جاءت بفضل دماء الشهداء وتضحيات الجرحى والمعتقلين والمرابطين في الساحات الجنوبية والتواقين للحرية الحاضرين في كل مليونية وفعالية، هذه الانتصارات توّجها شعب الجنوب مؤخراً بإعتصام مفتوح في ساحة العروض بعدن والمكلا . وتعد ساحتي الحرية والقرار قرارنا احد وأهم الانجازات التي حققها شعب الجنوب والتي مثلت منعطفاً هاماً في تاريخ شعب الجنوب، حيث شكلت لوحة جنوبية رائعة جمعت كل ألوان الطيف الجنوبي وعمقت مبدأ التصالح والتسامح في أروع صورة، وأظهرت التكاتف الجنوبي وهو ما جعلها محط اهتمام وسائل الاعلام المحلية والعربية والدولية، واجبرت الكثير من الدول على فتح قنوات مع الحراك الجنوبي وحركت المياه الراكدة وكسرت التعتيم الاعلامي الذي ظل الحراك الجنوبي يعاني منه لسنوات. وبعد أكثر من 40 يوم من الاعتصام أقترب موعد 30 من نوفمبر في ظل اعتصام شعبي تفاعلت فيه كل المكونات الجنوبية والتفت حوله كل أطياف الجنوب لأول مرة في تاريخ الجنوب الحديث . أجبر المرابطون في الساحات، شخصيات جنوبية كانت بالخارج منذ سنوات على العودة، وانضمت نقابات عمالية إليها وأعلنت وقوفها مع الاعتصام شخصيات اجتماعية وقبلية وسياسية أيضاً أيدت الاعتصام المفتوح، حتى أصبحت ساحة الاعتصام بعدن تشكل جنوب مصغر. من هنا، ومن حيث ان الهدف المنشود هو هدف سامي، وكبير، وسيقلب موازين المعادلة الدولية، ومع الإمكانيات والمعوقات العديدة، وجب القول أن على المرابطين في الساحات، والثورة الجنوبية، أن يعوا ان 30 نوفمبر ليس النهاية بل هو البداية للانطلاق نحو عمل جنوبي عريض وموحد، يؤسس لدولة متينة الأساس ، مكتملة الأركان، راسخة البنيان، يشترك فيها كل أبناء الجنوب وكفاءاته وكوادره . لقد أضافت ساحة الاعتصام عناصر قوة جديدة للحراك الجنوبي واهم عناصر القوة هي (النقابات العمالية وموظفي المؤسسات والمصالح الحكومية )، والتي كانت أول خطواتها هو التصعيد، ومستعدين أيضاً للتصعيد الأهم من خلال ( العصيان المدني الجزئي والتدرج فيه حتى يصبح شاملاً ) مع الحفاظ على ساحة الاعتصام وعدم التفريط بها . لهذا يجب الالتزام من قبل الجميع ببرامج التصعيد التي سيتم الإعلان عليها في الساحة، والتمسك بالسلمية التي هي أساس نجاح ثورة الجنوب، والعمل وفقها، حتى لا تستغل أطراف تتربص بثورة الجنوب، التصعيد لتنفث سمومها ومشاريعها التي تريد إرباك ثورة الجنوب التحررية السلمية . ولعل الجميع يدركون مدى ما يعترض ثورة الجنوب، من مطبات، وعوائق، وهي التي تحتاج إلى مزيد من الصبر والتماسك، فالثورات عادة تترسخ في وجدان كل فرد من أفراد الشعب، كونها مسيرة حياة، وتقرير مصير ومستقبل اجيال، لهذا من المنطقي القول أن رفع أي شعارات يصعب تطبيقها نظراً لكل الظروف المحيطة الداخلية والخارجية سُيصب المواطن الجنوبي بالإحباط وشعوره بالعجز، لذلك يجب ان يدرك الجميع ان قضية ( استقلال الجنوب ) ليست بالقضية السهلة وان هناك أطراف دولية وإقليمية وضعت يدها في الجنوب وزادت الأمر تعقيداً وصعوبة، وهو ما يتطلب من كل جنوبي مخلص ان يفكر بعقل ومنطق ووفق الممكن المتاح واستغلال عناصر القوة المتوفرة لدينا، وعدم الرضوخ لأي مشاريع متدنية او لا تلبي هدف شعب الجنوب المنشود المتمثل ب" استعادة دولة الجنوب " . الجنوب اليوم بحاجة الى وحدة الصف الجنوبي قبل أي تصعيد نوعي حتى لا تتحول كل عوامل النجاح التي تحققت خلال السنوات الماضية الى عوامل فشل وإحباط وبالتي تصبح هذه العوامل عائق من العوائق الكثيرة التي نعاني منها. وحدة الصف الجنوبي أصبحت ضرورة حتمية وواجب وطني للمضي نحو تحقيق تطلعات آمال شعب الجنوب، لذلك لابد ان يكون جزء من الضغط الشعبي يصب في هذا الاتجاه، أي ممارسة ضغط على القيادات الجنوبية في الداخل والخارج بضرورة توحيد الصف او ايجاد مجلس تنسيق يقود المسيرة الثورية سياسيا وكذلك التصعيد، لأنه من غير المنطقي ان يتم تصعيد نوعي وخطير والقيادات لم تبارح شتاتها . إن المشكلة الأساسية، ومن خلال تجربة الاعتصام المفتوح في ساحة العروض أبرزت ان الحراك الجنوبي وثورته، يعاني من خلل كبير في القيادة والتنظيم، وهذا كان أكبر عائق واجه المعتصمين في ساحة العروض وأصبح مثار قلق للداخل وللخارج أيضاً، لذلك فإن ممارسة ضغط من قبل المعتصمين على قيادات الحراك سيكون من أهم الخطوات الحقيقة للمضي نحو العمل المؤسسي والمنظم وإيجاد القيادة الجنوبية التي تستطيع إدارة الاعتصام فيما بعد وإنجاحه والمضي فيه حتى النصر. وعلى القيادات الجنوبية العائدة من الخارج، أن تعود فوراً، كما على قيادات الجنوب في صنعاء، اللحاق الفوري بركب الثوري، وعليهم جميعاً ان يدركوا المسؤولية الملقاة على عاتقهم وان تكون استعادة دولة الجنوب همهم الأول، عليهم ان يدركوا ان صبر شعب الجنوب عليهم سينتهي في لحظه معينة، خصوصاً بعد ان أعطاهم كل الفرص وتجاوز عن كل الأخطاء في الماضي والحاضر، لذلك كواجب وطني يقع على عاتق القيادات الجنوبية ان تتخلى عن أي ارتباطات إقليمية او دولية وتتمسك بشعب الجنوب وتجعل الجنوب وشعب الجنوب أولاً، وإلا فإن التأريخ لن يرحم .