بقلم / صالح اليزيدي – كاتب جنوبي قال الثائر الشمالي وأحد قيادات (الأزمة اليمنية الأخيرة) المحامي خالد الآنسي إن (الإنتخابات) التي فرضتها المبادرة الخليجية على ثورتهم ، عبارة عن عملية (إستحمار للثورة اليمنية) ، وأنها حسبما قال عبارة عن مسرحية هزليّة (وإستغباء) لكافة المُنتمين لتلك الثورة..مُشيراً إلى إن التيار الذي هرول يوماً لتقديم الرئيس صالح كمرشح (وحيد) في العام 99م…يسعى (بنفس الطريقة) ليفرض على الشماليين مُرشح وحيد تم حسمه كرئيس "سلفاً " ، وتسائل ما الداعي إذاً لإنفاق ملايين الريالات اليمنية لمجرد عملية عبثية محسومة حتى إن صوّت (هادي) لنفسه..؟ والحقيقة ، أنا لا أملك تفسير لغوي للمعنى المجازي لمُصطلح (الإستحمار الآنسي) ، وبخاصة إن الثورة اليمنية لها خصوصيتها التي تختلف عن باقي ثورات العالم..ففي حين لا يحمل هذا المُصطلح سوى معنى واحد لدى كوكب الأرض..فيُمكن إسقاط معنى الإستحمار (الآنسي) في اليمن ليحمل صفتين : الأولى للتعبير عن مدى إستهزاء العالم بعقلية المُجتمع الشمالي بعد نجاح الصالح بتسويقه كمُجتمع قِبلي مُتخلّف..بدليل أن الجيران العرب وخلفهُم بقية الأُمم قد تعاملوا مع ثورتهِم كما يُعامِل بنو البشر للحمير فاقدة (الإرادة والعقل ) فتؤتمِر حيثما يأمُرها وتنتهي حيثما يُنهيها..بالتالي إبتكروا (دولياً) فكرة تمرير مُرشّح واحد ، وفائز وحيد كسابقة لم تحدث إلا باليمن لتنفيذ الأجندة (الإستحمارية) ..! والحالة الثانية..فيمكن من خلالها إسقاط نفس المُصطلح للتعبير عن تبعيّة الثورة اليمنية لقبيلة (آل الأحمر) كناية عن مدى السيطرة القبليّة لأبناء الأحمر على مراكز القوى ليصبح الشوافع حينها مُجرد (مُتحمرِنون) فقط..وسواء كان يقصد بالإستحمار وفقاً للتفسير المجازي الأول..أو كان المقصود بهذا المُصطلح (حمّرنة) الثورة وفقاً للتفسير المجازي الثاني..وسواء مضى فيما قاله بنفس العقليّة ونفس التفكير..أو تراجع عنه مثلما تراجعت الثائرة توكل كرمان..فذآك من وجهة نظري شأن شمالي (داخلي) ليس للجنوبين فيه أدنى صلة..! لم آتي لنفي المُصطلح الإستحماري لمجرد الفضفضة فقط..ولم آتي لتدوين شخبطات قلم رصاص ستُمحى (فضفضته) بممحاه وضعها مُبتكرُه في المؤخرة..فالتاريخ سيكتُب حقيقة تتناقلها الأجيال مهما غلّفها (الواهم) بغلاف النصر الزائف..فقد رفض الغالبية العُظمى من الجنوبيين ذلك المُصطلح (رفضاً قاطعاً) ، بينما تم تسويق ذات المُصطلح تحت يافطة دينية أسموها درئ المسفدة الكُبرى بمفسدة صُغرى..وحسبما قال الثائر الآنسي في نفس المقابلة إن الرئيس صالح كان يكتفي بعملية (تزوير) الإنتخابات اليمنية فقط في ظل وجود مرشح آخر مُنافس..بينما يسعون اليوم لتزوير العقول والإلتفاف على مبادئ الثورة الحقيقية وإستحمارها..! بقدر سعادتي الكبيرة لحجم الوعي الجنوبي الرافض (للقطرنة) ، وبقدر قمّة فخري بأبناء وطني الجنوب..وبقدر تقديري لتضحياتهم الجسام حينما أزالوا عني النكبة الثورية الرائجة بالشمال..فأن تلك السعادة..وذلك الفخر..وذآك التقدير غدى ناقصاً..فمهما كان خلافنا مع الشماليين كبير..ومهما تباينت أفكارنا..فلا يجوز أن نرتضي لإخواننا الصفة الإستحمارية لمسرحية القرن الواحد والعشرين مهما يكُن حجم الخلاف…! ناشدناهُم بعدم الإنجراف خلف المصالح الإصلاحية الساعية لقطرنة الثورة اليمنية (فرفضوا) ، وعاتبناهم بأن يستمعوا للجنوبيين لمرة واحدة (فأبوا) ، وقلنا إن الثورة بدأت تحت يافطة كبيرة إسمها اليمن بشماله وجنوبه..وأنه (بالإمكان) إسقاط (منظومة الفساد) بكامل أعمدتها..لستسنى للشعبين بعدئذٍ الجلوس على مائدة الحوار الحقيقي لحل القضية بصورة أكثر رُقياً..وفي حين يعتقدون إن عقولهم من ذهب وعقولنا من طين..تبين لهُم حجم الكارثة التي سيرثها أبنائهم بعدهم حينما يقرأون بأنه لم يحدث عبر التاريخ السحيق أن يقوم شعب بكامل ثورته بإنتخاب شخص واحد محسومة نتيجته سلفاً..! هُم بهذا التفكير يظنون خطئاً إن المسرحية الهزليّة تقي اليمن التشرذُم..بينما واقع الحال يقول أن القطرنة حدثت (فعلاً) فلم يتوافق معهم الجنوبيين ولم يلتفّوا حولها..فأخفق الشماليون (للمرة الثانية) في كسب الجنوبيين لصفّهم مثلما أخفقوا سابقاً..وبدلاً من ردم الهوة النفسية ..وبدلاً من رأب الصدع الفكري..تجلى واضحاً إتساع التباعُد النفسي وعودة بذرة الكراهية والحقد (المُتبادل) بصورة أكبر..فكان التباين الفكري في أبها صورة والتناحُر التاريخي بين مؤيد للوحدة ورافض ، ومُناصر للقطرنة ومُعارض..أدى ذلك التفسير الخاطئ لقراءة الواقع البنفسجي العربي وفق عقلية مُبتذلة دفعت بالكثير من الفئآت الجنوبية الصامتة لأن تعتنق فكرة نبذ القطرنة مهما كلّف الثمن..فهب الجنوبيين هبّة الشموخ ليمنعوا التاريخ من إستحمارهم.. بينما إخوتنا في اليمن سوّقوا وروّجوا وآزروا (وخاصموا) كُل من عارض تمرير الفكرة وإيغال ذلك المُصطلح (تاريخياً) لا يمكن محوّه بجرة قلم…! عن نفسي ، شعرت رغم الحسرة لحالهم هذا بأنهُم أخطأوا فعلاً..وكان المُلفت في هذا كُله رغبة توكل كرمان (الشديدة) بإلتقاط صورة لبلقيس الشمال الإصلاحية لحظة إنتخابها..في الوقت الذي أعلنت لأكثر من مرة إن المبادرة الخليجية لا تعني الثورة التي بفضلها حصدت ذات يوم (جائزة كُبرى) لتُفصح بعد أن حصدتها بأن الإسلام مصدر إلهام لا مصدر تشريع..ولعل في هذا رسالة كُبرى ودلالة واضحة لمدى إستغلال نوبل للثورة اليمنية حينما "أوهمهُم" من (قبره) بأن تتويج الإصلاحية (المتحررة) توكل كرمان تتويجاً للثورة..! لعل لسان المحامي خالد الآنسي أراد أن يقول قبل تمرير ذلك المُصطلح مقولة سيدنا الفاروق عمر : مُذْ كم (تعبّدتُم) الناس وقد ولدتهم أُمهاتُهم أحراراً..وفي حين لم تلقى المقولة صداها شمالاً..فقد تعالت تلك الصرخة مدويّة وأنبتت ثمارها جنوباً..فرفض الجنوبيون تمرير ذلك المُصطلح برغم إن المُرشح جنوبي..ولست أدري ما لسان حال خالد الآنسي بقائل بعد إن خذله أقرانه الشماليين فسمحوا (تاريخياً) بتمرير أول إنتخاب شعبي لرئيس (ناجح سلفاً) وبقرار إستحماري أُممي..!